يجمع بين السينمائى الرائد ناقدًا ومبدعًا صبحى شفيق، والممثل الفنان المثقف عبدالعزيز مكيوى، اللذين رحلا خلال يناير ٢٠١٦، أن كليهما شخصية راقية نبيلة، ولم يلق أيهما ما يستحق من التفات واعتداد، وظرف يتيح ويقدر، فرحل كل منهما وحيدًا تمامًا، منهكًا متألمًا، وإن لم يكن أحدهما قط لفرط رقيهما، حانقًا ناقمًا، أو نادمًا على شىء.
عبدالعزيز مكيوى.. سلامًا.. قابلته وتحدثت معه كثيرًا، (قبل ثورة يناير فى مسرح السلام بشارع قصر العيني).. وجدته إنسانًا ينتظر بثقة حياة أجمل وأحفل بالكثير بالنسبة له، وحياة أعدل لوطنه.. وقال إنه يحضر لمشروعات كثيرة وأشعرنى أنه على موعد جميل قريب جدًا معها تباعًا، مع خوض غمارها وإنجازها.. ما أسعدنى أيضًا أنى وجدته إنسانًا يجدر به (تليق عليه) الأدوار الراقية الأخلاقية والوطنية التى قام بها.. وجدته حالمًا راقيًا محلقًا، بقدر ما رأيته مثقفًا رفيعًا وذهنًا حاضرًا نابهًا.. عكس ما أشيع عنه أنه فى مرحلته الأخيرة كان ذهنه مشتتًا أو مشوشًا.
عرف «مكيوي» وسيعرف بأنه: «على طه» السينما، دور الفارس النبيل، البطل فى «القاهرة ٣٠» (إبداع أبوسيف عن أدب محفوظ).. الثورى المثقف التقدمى الفدائى ضد الاحتلال والاستغلال.. لكنّ فى رصيده أداء بارعًا لأدوار أخرى لا تقل أهمية، مؤثرة على قلتها.. بل إن له أداء دور لا يقل روعة عن (على طه)، وإن كان أطول وأصعب، هو دور (رؤوف) فى مسلسل «الساقية» ذى الأجزاء الثلاثة.. وكما قلت له فى أثناء لقائى به: الناس لا ينسون لك «على طه».. لكننى لا أنسى لك أبدًا فى مسلسل الساقية، كلمة بالذات، وطريقتك فى نطقها، من أعماقك وبحرقة صادقة.. هي: (الجوع!!).. تفسيرًا لدى هذا البطل النبيل، للسبب الحقيقى وراء موت أرهف وأجمل شخصيات المسلسل.
ولقد شرفت بالصداقة وبالعمل عن قرب مع ناقدنا القدير صبحى شفيق، وفى جمعية نقاد السينما المصريين هو رئيس لمجلس إدارتها وأنا عضو بالمجلس، ووجدته إنسانًا متميزًا راقيًا، بقدر ما هو ناقد ومثقف سينمائى غير عادى.. أثار قضايا وأنار دروبًا منذ الخمسينيات الماضية، وقام بدور خاص فى أن تتصل حياتنا السينمائية وتتواصل ثقافتنا الوطنية بعامة، مع الثقافة السينمائية فى العالم، وفيما يتعلق بأحدث تقنياتها، وبأبرز موجات التجديد (كالموجة الجديدة فى فرنسا على الخصوص، ذائعة الصيت وعظيمة التأثير منذ الستينيات).
ولم ينقض يناير ٢٠١٦، حتى شهد فى الثلاثين منه رحيل الممثلة المدهشة فيروز، التى عرفت بطفلة السينما المصرية المعجزة.. فلم تكن فيروز طفلة عادية، بل نجمة نجوم الأطفال فى كل مسيرة هذه السينما (أى ما يقارب ١٠٠ سنة سينما!)، ولم تكن فيروز فحسب صاحبة أدوار مهمة فى الأفلام، وإنما تنتج وتصنع من أجلها الأفلام، وتقوم بالبطولة الأساسية، التى من دونها لا يكون الفيلم..!. وبطبيعة الحال، فما إن تذكر فيروز حتى يذكر أنور وجدى، وهو السينمائى الكبير الذى تبناها وقدم أفلامها وشاركها بطولة هذه الأفلام.. وعبر المشاهد التى لا تنسى، سطعت فيروز، وبهرت مشاهديها، بتمثيل متفوق عذب، متضافر مع غناء خلاب واستعراضاتها الراقصة الجميلة.. لقد تألقت فى كل شىء قامت به، وخطفت القلوب.. والأهم، أن ذلك استمر حتى الآن، جيلًا بعد جيل، وبالنسبة للمشاهدين كبارًا وصغارًا على السواء!.
ونحسب أن فيروز هى إنجاز أنور وجدى الأكبر، فهو لم يكن ممثلًا فذا استثنائيًا، ولكنه كان منتجًا ومخرجًا يوظف كل شىء من أجل أن تثمر جهوده أفلامًا ناجحة أخاذة، بما فى ذلك توظيف نفسه كممثل، وطلته كنجم، وأى قدرات وإمكانات أخرى من أى نوع تتاح تحت يده، يمكن أن تفيده فى مقصده، أى أنه من الطراز الذى يمكن أن يوصف (برجل السينما).
ولكى ندرك قيمة ما قام به وجدى تجاه فيروز.. تعالوا نتأمل مشوار السينما فى بلادنا، وكم قدمت على مدار عقودها من أطفال موهوبين رائعين، (مثل مجموعة الأطفال الجميلة فى فيلم «أم العروسة».. والطفل المتميز بل غير العادى أحد أبطال فيلم «السقا مات».. وصولًا إلى الطفلة الموهوبة الرائعة «منة عرفة»، وغيرهم).. لكن لم يتح قط لأى طفل من هؤلاء وجود (رجل سينما) من طراز أنور وجدى، ولو حدث لكان لهم أو لبعضهم شأن آخر!.. والعجيب أن يتوفر مثل هذا الطراز، الذى هيأ مناخًا جميلًا لسطوع موهبة طفلة، فى وقت مبكر من مسيرة هذه السينما (الخمسينيات).. بينما تمر العقود العديدة الأخيرة، من غير توفر أى درجة من المناخ الصحى الذى يرعى ويتيح ويثمر، أى حالة مماثلة لفيروز!.. وبطبيعة الحال لا نقصد (تكرار فيروز)، وإنما حالة تقارن أو تضاهى بها فى ظرف مختلف!.
وكأنما أرادت فيروز أن تقدم لفن السينما المصرية والعربية وتهديه: (هذه الطفلة الجميلة الآسرة الخالدة).. وأن تتوقف بعدها، رغم تقديمها قليلا من الأدوار حينما صارت شابة.. وأيضًا فكأنما فيروز تركت لموهوبات عائلتها البارعات المقتدرات (نيللى، لبلبة) أن يكملن المشوار.
وما أكثر النجمات الشابات والممثلات فى سن ما بعد الطفولة!... لكن تظل هناك طفلة فقط لا غير فى السينما لدينا، مدهشة ومعجزة، بكل المقاييس فى السينما المحلية والأجنبية.. تظل لدينا طفلة استثنائية بكل معنى الكلمة. تظل لدينا.. «فيروز» واحدة.
عبدالعزيز مكيوى.. سلامًا.. قابلته وتحدثت معه كثيرًا، (قبل ثورة يناير فى مسرح السلام بشارع قصر العيني).. وجدته إنسانًا ينتظر بثقة حياة أجمل وأحفل بالكثير بالنسبة له، وحياة أعدل لوطنه.. وقال إنه يحضر لمشروعات كثيرة وأشعرنى أنه على موعد جميل قريب جدًا معها تباعًا، مع خوض غمارها وإنجازها.. ما أسعدنى أيضًا أنى وجدته إنسانًا يجدر به (تليق عليه) الأدوار الراقية الأخلاقية والوطنية التى قام بها.. وجدته حالمًا راقيًا محلقًا، بقدر ما رأيته مثقفًا رفيعًا وذهنًا حاضرًا نابهًا.. عكس ما أشيع عنه أنه فى مرحلته الأخيرة كان ذهنه مشتتًا أو مشوشًا.
عرف «مكيوي» وسيعرف بأنه: «على طه» السينما، دور الفارس النبيل، البطل فى «القاهرة ٣٠» (إبداع أبوسيف عن أدب محفوظ).. الثورى المثقف التقدمى الفدائى ضد الاحتلال والاستغلال.. لكنّ فى رصيده أداء بارعًا لأدوار أخرى لا تقل أهمية، مؤثرة على قلتها.. بل إن له أداء دور لا يقل روعة عن (على طه)، وإن كان أطول وأصعب، هو دور (رؤوف) فى مسلسل «الساقية» ذى الأجزاء الثلاثة.. وكما قلت له فى أثناء لقائى به: الناس لا ينسون لك «على طه».. لكننى لا أنسى لك أبدًا فى مسلسل الساقية، كلمة بالذات، وطريقتك فى نطقها، من أعماقك وبحرقة صادقة.. هي: (الجوع!!).. تفسيرًا لدى هذا البطل النبيل، للسبب الحقيقى وراء موت أرهف وأجمل شخصيات المسلسل.
ولقد شرفت بالصداقة وبالعمل عن قرب مع ناقدنا القدير صبحى شفيق، وفى جمعية نقاد السينما المصريين هو رئيس لمجلس إدارتها وأنا عضو بالمجلس، ووجدته إنسانًا متميزًا راقيًا، بقدر ما هو ناقد ومثقف سينمائى غير عادى.. أثار قضايا وأنار دروبًا منذ الخمسينيات الماضية، وقام بدور خاص فى أن تتصل حياتنا السينمائية وتتواصل ثقافتنا الوطنية بعامة، مع الثقافة السينمائية فى العالم، وفيما يتعلق بأحدث تقنياتها، وبأبرز موجات التجديد (كالموجة الجديدة فى فرنسا على الخصوص، ذائعة الصيت وعظيمة التأثير منذ الستينيات).
ولم ينقض يناير ٢٠١٦، حتى شهد فى الثلاثين منه رحيل الممثلة المدهشة فيروز، التى عرفت بطفلة السينما المصرية المعجزة.. فلم تكن فيروز طفلة عادية، بل نجمة نجوم الأطفال فى كل مسيرة هذه السينما (أى ما يقارب ١٠٠ سنة سينما!)، ولم تكن فيروز فحسب صاحبة أدوار مهمة فى الأفلام، وإنما تنتج وتصنع من أجلها الأفلام، وتقوم بالبطولة الأساسية، التى من دونها لا يكون الفيلم..!. وبطبيعة الحال، فما إن تذكر فيروز حتى يذكر أنور وجدى، وهو السينمائى الكبير الذى تبناها وقدم أفلامها وشاركها بطولة هذه الأفلام.. وعبر المشاهد التى لا تنسى، سطعت فيروز، وبهرت مشاهديها، بتمثيل متفوق عذب، متضافر مع غناء خلاب واستعراضاتها الراقصة الجميلة.. لقد تألقت فى كل شىء قامت به، وخطفت القلوب.. والأهم، أن ذلك استمر حتى الآن، جيلًا بعد جيل، وبالنسبة للمشاهدين كبارًا وصغارًا على السواء!.
ونحسب أن فيروز هى إنجاز أنور وجدى الأكبر، فهو لم يكن ممثلًا فذا استثنائيًا، ولكنه كان منتجًا ومخرجًا يوظف كل شىء من أجل أن تثمر جهوده أفلامًا ناجحة أخاذة، بما فى ذلك توظيف نفسه كممثل، وطلته كنجم، وأى قدرات وإمكانات أخرى من أى نوع تتاح تحت يده، يمكن أن تفيده فى مقصده، أى أنه من الطراز الذى يمكن أن يوصف (برجل السينما).
ولكى ندرك قيمة ما قام به وجدى تجاه فيروز.. تعالوا نتأمل مشوار السينما فى بلادنا، وكم قدمت على مدار عقودها من أطفال موهوبين رائعين، (مثل مجموعة الأطفال الجميلة فى فيلم «أم العروسة».. والطفل المتميز بل غير العادى أحد أبطال فيلم «السقا مات».. وصولًا إلى الطفلة الموهوبة الرائعة «منة عرفة»، وغيرهم).. لكن لم يتح قط لأى طفل من هؤلاء وجود (رجل سينما) من طراز أنور وجدى، ولو حدث لكان لهم أو لبعضهم شأن آخر!.. والعجيب أن يتوفر مثل هذا الطراز، الذى هيأ مناخًا جميلًا لسطوع موهبة طفلة، فى وقت مبكر من مسيرة هذه السينما (الخمسينيات).. بينما تمر العقود العديدة الأخيرة، من غير توفر أى درجة من المناخ الصحى الذى يرعى ويتيح ويثمر، أى حالة مماثلة لفيروز!.. وبطبيعة الحال لا نقصد (تكرار فيروز)، وإنما حالة تقارن أو تضاهى بها فى ظرف مختلف!.
وكأنما أرادت فيروز أن تقدم لفن السينما المصرية والعربية وتهديه: (هذه الطفلة الجميلة الآسرة الخالدة).. وأن تتوقف بعدها، رغم تقديمها قليلا من الأدوار حينما صارت شابة.. وأيضًا فكأنما فيروز تركت لموهوبات عائلتها البارعات المقتدرات (نيللى، لبلبة) أن يكملن المشوار.
وما أكثر النجمات الشابات والممثلات فى سن ما بعد الطفولة!... لكن تظل هناك طفلة فقط لا غير فى السينما لدينا، مدهشة ومعجزة، بكل المقاييس فى السينما المحلية والأجنبية.. تظل لدينا طفلة استثنائية بكل معنى الكلمة. تظل لدينا.. «فيروز» واحدة.