أبكانا
الرئيس وارتجفت أجسادنا ومشاعرنا من حنوه وإنسانيته عندما وقف ملتحفًا ببراعم
أبطالنا الشهداء.. حمل بين يديه الرضع الذين لم تكتحل عيون آبائهم برؤيتهم وعيناه
تتصارعان لتقيد الدموع
لم أكتب عن الكرة أو الرياضة على مدار حياتي المهنية
التي تقترب من ثلاثين عامًا، اليوم أكسر تلك الحالة وأسألكم.. هل تابعتم الفرحة
الصادقة التي سرت في شرايين الناس لفوز منتخب مصر القومي لكرة اليد ببطولة إفريقيا
وتأهله للأوليمبياد ؟ كانت لحظة كاشفة عن معدن هذا الشعب الذى يبحث بجدية عن النصر
والنشوة لصناعة الفرحة، كانت ومضة نور في ليل يحاول الإرهابيون أن يستمر أطول وقت
ممكن، فإذا تملك الاكتئاب من الناس أعلنت رصاصات الخصم فوزها بمباراة المصير.
أن يرتفع العلم المصري في المحافل الدولية خاصة في
البطولات المعتبرة كالأوليمبياد هو حدث مهم، يعرف البسطاء جلاله كما يعرفون تمامًا
كيف يعرقون من أجل خبزهم اليومي، يعرفون أن وزن مصر النسبي في العالم ينعكس
إيجابًا على نوعية حياتنا في الداخل سلبًا أو إيجابًا حسب ما قدمت للبشرية من
عطاء، يعرف الناس قيمة رفرفة الألوان الثلاثة معلنة عن الحضور على الخارطة، لذلك
ابتهجوا عندما أعلنت صافرة حكم المباراة عن فوز الفراعنة على حساب أشقائهم
التوانسة، لتكون «الإجابة مصر» بعد أن صدعنا المنسحقون سنوات بمقولة الإجابة تونس
تعليقًا على موقف نظامهم السياسي هناك المتصالح نسبيًا مع المتأسلمين.
المنسحقون في مصر يتاجرون بالغم ويجتهدون لفرض حالة
الإحباط، هذا المسار الذى يسعون إليه ينكسر مع أول إشارة جادة لإنجاز جاد في مصر،
الرياضة والفنون هما مرتكزات القوة الناعمة التي فقدتها بلادي على مدار عشرات
السنين، فعندما يسافر الواحد منا بعيدًا عن الوطن ويتم سؤاله.. من البلاد أنت ؟
يرد من مصر ثم يضيف شارحًا إيجبيت، وعندما تبدو البلاهة على محدثه يزيد في الشرح
الأهرام بيراميدز، هنا فقط يحدث الفهم والتقارب، والأهرامات هي في جوهرها عمل فنى
فريد ونادر، هي قوة ناعمة بشكل مختلف ورفرفة للعلم المصري في سائر أنحاء المعمورة،
ولذلك يأتي صعود المنتخب المصري لكرة اليد إلى الأولمبياد كإضافة جديدة لذلك
التعارف والفهم والتقارب المنشود، المواطن البسيط عرف ذلك ببساطة دون تقعر، بينما
تجار الإحباط مازالوا يرفضون تلك المعرفة.
ويرصد المتابعون خلال الأيام القليلة الماضية رغم
برودة الجو رسالة أخرى يقدمها شعب مصر العبقري تجلت تلك الرسالة في ذلك الحشد
الرهيب داخل معرض القاهرة الدولي للكتاب، طوابير لا تنتهى مستقيمة تقترب من كيلو
متر، وحلزونية تضم الآلاف، فهل من معنى لذلك التواجد إلا عشق الحياة والإيمان
بالمستقبل، فالكتاب والمعرفة والرياضة والمسارح والغناء كلها أدوات ناجعة لمواجهة
التخلف الذى يأتي لنا متسترًا بالدين، ومسلحًا بالقنابل الموقوتة والسيارات
المفخخة.
ولكن نريد الوقوف هنا لحظة لكى نسأل.. هل يمكن
للدولة البناء على مهارات أبنائها وتطوير أدواتهم وتقديم كل المساعدات اللازمة لهم
أم تستمر الحال معتمدين على مواهب تشق طريقها مستندة على ذراعها ودعاء الوالدين،
نعم لدينا بنية أساسية قوية في الرياضة والفنون، ولكن سوس الفساد الذى نخر عظام
هيكل الدولة لم يغب عن ميادين القوة الناعمة لمصر، لذلك إذا كانت مطاردة فاسد سارق
لبضعة ملايين مهمة فإن مطاردة جاهل جالس على رأس مؤسسة رياضية أو فنية لا يقل
أهمية عن مطاردة المختلسين، ولنكرر ما حفظناه قديمًا « دع مائة زهرة تتفتح».
ألف مبروك منتخبنا الوطني لكرة اليد وكل التهنئة
للجماهير التي فرحت بصدق، وكل الاعتذار للقارئ العزيز فقد قصدت كتابة مقال رياضي
يحتفى بالفوز، فتسربت السياسة لتغطى الحدث، ولكن بصدق ما قصدت أن أخدعك في عنوان
ومتن المقال، كل لحظة وأنتم فائزون منتصرون فرحون ضد الدواعش والإرهاب وأنصاف
المواهب.