الخميس 04 يوليو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

55 مشكلة حب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كنت ملازمة لمكتبة المدرسة فى المرحلتين الإعدادية والثانوية، وكان هذا يتيح لى الاطلاع على كتب تعتبرها «أمينة المكتبة» أثمن من أن توضع على رف ويستعملها طلاب قد لا يعرفون قيمتها. وذات يوم وجدت أمينة المكتبة بين يدى كتاب «٥٥ مشكلة حب» لدكتور مصطفى محمود فخطفته منى كأنما لدغتها نحلة وسألتنى من أين أتيت به؟ فأشرت إلى رف المعارف العامة، حيث تتراص كتب د.مصطفى محمود، فقالت هذا الكتاب وضع على الرف بطريق الخطأ وأخفته فى درج مكتبها وسط حيرتى وفضولى.
لم أكن تصفحت الكتاب لكن عنوانه علق فى ذهنى. مرت السنوات، نسيت الكتاب وتاه فضولى.. ولكن لأننى كنت الأسبوع الماضى مضغوطة أمام التزام تسليم الفصل الأخير من رسالة الدكتوراه لأستاذتى الدكتورة «منى الحديدى»، ولأن للعقل حيلة التى يتمرد بها على التزاماته، قفز الكتاب بعنوانه وصورة د. مصطفى محمود إلى خاطرى، وأخذ عقلى يخمن ماهية هذه المشاكل، وكمراهقة صغيرة اتصلت بزوجى وسألته عن الكتاب وما إذا كانت طبعاته ما زالت موجودة، وحكيت له ملابسات الموضوع وكصياد متمرس أخبرته أننى سأكتب عنه مقالا للمجلة، وبمهارة واقتدار السحرة كان زوجى يحمل لى الكتاب فى المساء. 
■ أهم ما يميز هذا الكتاب أنه يقدم صورة لطريقة تفكير الرجال والنساء وعلاقاتهم فى خمسينيات القرن العشرين وهى صورة لا تختلف كثيرا فى هذا الكتاب نظرا لطبيعة موضوعه عن الصورة التى قدمتها السينما، حيث تبدو القاعدة أن الرجال والنساء متعددو العلاقات قبل الزواج وخائنون بعد الزواج ويعانون فى كل الأحوال. وهذه الحالة يعانى منها طلبة الجامعة الذين لم يتخرجوا وموظفو الدرجة الثامنة وحتى أولاد الذوات ومشتركو النوادى. 
■ معظم المشاكل تدل على حيرة الرجل وازدواجية تفكيره فيما يخص إقامته لعلاقة مع فتاة قبل الزواج وتردده فى الزواج منها ويشتكى أحدهم أريد حبا طاهرا، أريد حبا نظيفا، وينسى أن الملابس أو الحب اتسخ من قذارة أفكاره وخبث تصرفاته هو وأنه شريك للفتاة بل وفى معظم الحالات كان الصياد الذى نصب فخاخه باسم الحب ليقضى وطره.
■ معظم الحالات هى مشاكل تعبر عن نمط تفكير بالٍ لا يرى فى الحب إلا وسيلة للعلاقات الجنسية أو الاستغلال المادى. 
■ لا توجد فى الرسائل مشاكل عن الصعوبات الاقتصادية التى تواجه المحبين وتحول دون تكليل حبهم بالزواج. ويبدو أن هذه المصاعب سيعرفها المصريون فى السبعينيات بعد نشر هذا الكتاب.
■ هناك بعض المشاكل التى تدل على خلل إنسانى وأخلاقى عميق مثل السيدة الخمسينية التى تفسد خطوبة ابنتها من شاب لأنها تريد هذا الشاب لنفسها بل ولا تتورع أن تراوده عن نفسه. والفتاة ذات السادسة عشرة التى تقع فى غرام زوج أمها الشاب وتغريه بالطلاق من أمها كى تتزوجه ولا تعرف أنه يوجد مانع شرعى من إتمام هذا الزواج، وأن علاقتها بزوج أمها زنا محارم. والأب الذى يغار من ابنه ويكاد يطرده من البيت بسبب غيرته من الابن على زوجته غير الشابة.
■ لم تقتصر المشاكل فى كتاب «٥٥ مشكلة حب» على النواحى العاطفية لكن تواجدت مشكلتان لا تحتاجان لمشورة عاطفية لكنهما بحاجة لطبيب نفسى وعصبى متخصص ولعلاج منتظم فى مستشفى متخصص وهى حالة شاب مصاب بالملانكوليا وهى حالة مرضية معروفة كما شخصها د. مصطفى محمود والمريض بهذا المرض يعانى من رغبات متسلطة.. ونوبات حادة من الانطواء والسكون والامتناع عن كل شيء حتى عن الأكل. وكان المريض صاحب الرسالة يعانى من هذه الأعراض ويعانى أكثر من رغبته فى تحطيم أى شيء يقع تحت يديه. 
■ وقارئ آخر مصاب بما سماه د. مصطفى محمود «عقدة الاستعراض» وهى رغبة طفولية فى التعرى أمام الآخرين وصاحبها شاب خجول ما إن يجد نفسه بمفرده حتى يخلع ملابسه تماما ويفتح الشباك ويستعرض عريه أمام النساء الجارات. ونصحه بالذهاب إلى طبيب نفسى محترف لمعرفة أسباب هذه العقدة وفكها. 
■ هناك بعض المبالغات اللطيفة مثل الزوج الذى يشتكى من جمال زوجته التى ما إن تسير فى الشارع حتى تعود وخلفها خمس سيارات «كاديلاك».. وبها خمسة شبان يعاكسونها.. وسؤالى ما هو عدد السيارات «الكاديلاك» فى مصر فى ذلك الوقت؟ وأى شارع فى القاهرة يتسع لخمس سيارات كاديلاك ؟. والرجل الذى يغار على زوجته من راكبى الأتوبيس ومن الشبان المتواجدين فى أماكن سهراتهم.. وتعجبى: هل يملك راكبو الأتوبيسات رفاهية السهر؟ ولماذا لا يوفر على نفسه الغيرة ويركب معها تاكسي؟ 
■ والكتاب لا يضم الرسائل فقط من القراء لكنه يحتوى على بعض الآراء والحلول التى قدمها د. مصطفى محمود للمشاكل وهى آراء متنوعة تعبر عن رؤية الكاتب للحياة.
بعض تلك الآراء كانت حاسمة وصريحة وموجهة وتحتاج إلى الشجاعة لتبنيها مثل: 
- عش حياتك كما تريد أنت أن تعيشها.. فأنت لا تملك إلا حياة واحدة.. وإذا أعطيت هذه الحياة لوالدك فلن يبقى لك شيء. 
- لا تقولى ماذا يريد الرجال منّا نحن النساء.. وإنما قولى لنفسك: ماذا أريد أنا؟
إن الرجال ألف لون ولون.. كل رجلٍ له طلب وله حلم وله نموذج يحلم به غير النموذج الذى يحلم به الرجل الآخر، الجيل المفكك ليس له راية مذهبية واحدة، وإذا حاولتِ إرضاء كل الرجال، فسوف تعيشين كالحرباء.كل يوم بلون.. وسوف تخسرين نفسكِ دون أن تكسبى رجلاً واحداً. 
- إن مشكلتك ليست سنواتك التى ضاعت.. ولكن سنواتك القادمة التى ستضيع حتما إذا واجهت الدنيا بنفس العقلية.
- إنها لنعمة من الله أن تجد امرأة تحبك، وتحلم بالزواج بك وفى نفس الوقت تحبها، وحكاية الجمال كلام فارغ، لأن التعود يقضى على الوحاشة وعلى الجمال.
- إنك لا تقابل إلا نفسك فى طريق القدر... كن كاذبا تسرع إليك الأكاذيب... كن لصا تتشبث بك الجرائم... فى أى طريق تذهب لن يكون قدرك إلا صورة من نفسك. 
- نحن نقامر بحريتنا واختيارنا فى كل لحظة، وأنت تطلبين الأمان... وهذه نتيجة الأمان.. أنا أعرف الشيء الذى يرهقك... إنه ليس كره زوجك... ولا ضغط أمك... إنه ضعفك. ضعفك أمام اللحظة الفاصلة.. لحظة اختيار المصير.
وبعضها مازال صالحا حتى الآن، لأن العقول والأفكار لم تتحرر بل ربما زادت سلفية وتعقيدا
إن أزمة البنت العصرية أن صاحبها يحدثها عن التحرر... والعقلية العصرية، وحق التمتع بالحب... إلخ.. إلخ، ثم يغدر بها فى النهاية، ولا يتزوجها إذا طاوعته فى هذا التحرر.. وينكشف لها فى النهاية، عن نصاب رجعى أشد رجعية من جدها... يطالبها بالعفة إلى آخر حدودها... ومعنى هذا أن المشكلة بالنسبة للبنت الآن لم تعد مشكلة كذب وصدق.. وإنما مشكلة اختيار السلوك المناسب ليست المشكلة هى مشكلة تمثيل... أو تصرف على الطبيعة.... لأن ٩٠٪ من الرجال محتالون لا يتصرفون على الطبيعة... وإنما يدعون حريات لا يؤمنون بها فى أعماق نفوسهم.
وبعضها قد يكون محل نقاش ولا يتفق كثيرون معها مثل:
- إن الحب لا يحركه مهندس يمسك بالمسطرة والبرجل ويرصد الأرقام فى ورقة، ولكن يحركه شاعر رقيق مجنون، يلعب على القلب.. النساء - حتى المدرسات منهن - يعشقن الشعراء والمجانين. 
- «حكايات الحب الأول مادة جيدة للذكرى.... ولكنها لا تصلح لتكون مادة حياة وزواج». 
الحب الحقيقى فى نظرى شعور ناضج عميق.. وهو لا يمكن أن يواتى الرجل أو المرأة قبل العشرين، لأنه يحتاج إلى درجة كبيرة من النمو العقلى واكتمال الخبرة.
بعضها كانت قاسية وساخرة:
- مهما كانت المرأة جميلة وجذابة وفاتنة، فهذا لا يكفى ليغرى الرجل بالزواج منها إلّا إذا كان مغفلاً. 
- «أنت تطالبين بحق جديد لم ينزل بعد فى أى دستور من الدساتير.. تطالبين بحق ارتكاب الخطأ. 
- إن أحسن علاج لامرأة تقول: أنا مسكينة... أنا رديئة، هو أن نكون أردأ منها !!! 
وبعضها يمكن أن يظل مقولة أو حكمة خالدة 
- الحب كالتنفس والنبض يصيبه اللهاث والتعب إذا أرهق بالمطالب، ثم يتراخى.. ويتحول إلى يأس.. ثم إلى عطف.
- الدمعة المسكوبة لا تضيع.. وإنما هى تفتح نافذة للعاطفة تتنفس منها.. والضحكة المريرة تفك ضائقة الروح.. والآهة تفرج عن القلب.
- إن نهر الحياة الدافق ينساب تحت قبة السماء ويجرى بين حيطان السجون وإلى جوار القصور وليس يعنينا حجمه ولا بريقه.. وإنما كل ما يعنينا هو حجم الكأس التى نغمرها فى مياهه.. وإن هذه الكأس لتأخذ دائما شكل أفكارنا ورغباتنا.. وتساوى سعة أشداقنا.
- لا يوجد واحد لم يلعن الحياة، لكننا مع هذا نعشق الحياة ونتعلق بها ونستميت فى التعلق بها. 
- إن كل شخصية لها منطق يحكمها.. والشخصية تغير سلوكها ولكنها لا تملك أن تغير منطقها.. لأن منطقها هو جوهرها وروحها.