الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

مقاربة مصرية لمفهوم العدالة الانتقالية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تتعدد التعريفات لمفهوم العدالة الانتقالية، وتعددت أدوات تطبيقها، وكذلك السياقات التاريخية الاجتماعية التي استدعتها، ولكن الجميع يتفقون على أنها مجموعة من الإجراءات تقتضيها مرحلة انتقال المجتمع من مرحلة قهر دكتاتوري إلى مرحلة ديمقراطية، وغني عن البيان أن هذا “,”النوع“,” من العدالة بحكم أنه “,”انتقالي“,” إنما يعني أن تركيبة القوانين التي كانت تسود المرحلة السابقة لا تتناسب مع المرحلة الانتقالية، ويعني كذلك أن التركيبة الجديدة من الإجراءات الانتقالية تركيبة موقوتة مؤقتة يعود بعدها المجتمع إلى المسار القانوني الطبيعي .

ولو نظرنا إلى واقعنا المصري لوجدنا أننا حيال حالة فريدة تكاد تختلف تمامًا عما عرفته دول كالمغرب وجنوب إفريقيا ودول شرق أوروبا و الأرجنتين و شيلي إلى آخر تلك النماذج، كان الأمر في تلك الحالات ينصرف إلى تسوية مخلفات مرحلة سابقة انطلاقًا إلى مرحلة جديدة؛ ولكن الأمر بالنسبة لنا يبدو مختلفًا؛ فنحن حيال ثلاثة مراحل سابقة - علي الأقل- نود من خلال العدالة الانتقالية تصفية مخلفاتها لبناء المرحلة الجديدة. مرحلة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، التي انتهت في 11 فبراير 2011، وتلتها فترة إمساك المجلس العسكري بالسلطة التي انتهت بدورها في 30 يونيو 2012، لتبدأ فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي، التي انتهت في 3 يوليو 2013، لتبدأ فترة الرئيس المؤقت عدلي منصور القائمة حتى الآن، ولكل من المراحل السابقة تجاوزاتها القانونية والاقتصادية؛ بل وشهداؤها أيضًا، ولم تزل غالبية ملفاتها مفتوحة يقف القضاء الطبيعي أمامها مقيدًا. ولو اقتصرنا مثلًا على ملفات القصاص أو حقوق الدم، فسوف نجد أمامنا قائمة طويلة تمتد من كمال السنانيري (نوفمبر 1981) وخالد سعيد (يونيو 2010) إلى اللواء نبيل فراج (سبتمبر 2013) عبورًا باللواء محمد البطران (يناير 2011) ومينا دانيال (أكتوبر 2011) والشيخ عماد عفت (ديسمبر 2011) ومحمد جابر الشهير بجيكا (نوفمبر 2012) والعميد محمد جبر، مأمور قسم كرداسة، ورفاقه (أغسطس 2013) و ضحايا اعتصام رابعة (أغسطس 2013) و جميعهم مجرد نماذج وأمثلة .
ترى هل يمكن تسوية تلك الملفات كلها دفعة واحدة وأن يتحدد مَن قتل مَن بوضوح وشفافية وبشكل يضمن تقبل الأطراف جميعًا للنتيجة والرضا بما أسفرت عنه عدالتنا الانتقالية المنشودة؟
ينبغي أن نضع في الاعتبار أيضًا بالنسبة للمرحلة الحالية الرابعة، أننا في خضم معركة شرسة ذات طابع دموي إرهابي تدور بين الدولة وعلى رأسها الرئيس المؤقت عدلي منصور ومجموعات محتجة يمارس بعضها العنف والإرهاب؛ و في قلب تلك المجموعات أنصار الرئيس السابق من جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من جماعات الإسلام السياسي؛ و من ثم فإن اللحظة الراهنة تبدو غير مواتية للشروع فورًا في إجراءات العدالة الانتقالية .
إن إنجاز العدالة الانتقالية يشترط من الناحية النفسية السياسية ممارسة الأطراف جميعا - دون إقصاء لأحد- لمبدأ النقد الذاتي المتبادل والقبول بالتضحية بجزء من الأهداف النهائية في سبيل المصلحة العامة؛ أما إذا ما اتفقت عدة أطراف على إقصاء طرف معين؛ فإننا نصبح آنذاك حيال نوع من “,”عدالة المنتصر“,”، وهو ما عرفه العالم في محاكمات نورمبرج التي صاغت قانونها الخاص خلو من شرط سماع دفاع المتهمين مما يشبه بدرجة ما ذلك النوع من القضاء الاستثنائي الذي عرفته بلادنا متمثلًا في محاكم الثورة والغدر والتطهير؛ وهو ما يختلف عن الفكرة الجوهرية للعدالة الانتقالية .
إن الهدف النهائي من العدالة الانتقالية في مجتمع معين هو تحقيق المصالحة الوطنية وفي نفس الوقت تحقيق العدالة، و يعتبر كلا الهدفان متكاملين لا انفصال بينهما .
وعلى أي حال فإنه لا يمكن عمليًا إنجاز المصالحة الوطنية أو العدالة الانتقالية - بصرف النظر عن أسبقية أيهما- إلا إذا ما استقر في وعي الأطراف المشتبكة جميعًا، أن دوام الصراع يهدد الجميع، وأن أحدًا لا يستطيع القضاء على الآخر ماديًا و لا فكريًا بالضربة القاضية التي تجعله أثرًا بعد عين .
ورغم أن الوقت مازال يبدو طويلًا لإنجاز عدالة انتقالية حقيقية، فإن علينا على الأقل السعي لتوفير الأجواء الفكرية اللازمة التي تمهد لتقبلها حين ينضج الموقف للشروع فيها؛ ولعل تحقيق ذلك التمهيد يتطلب التمسك بعدد من الثوابت الفكرية لعل أهمها :
• أننا شعب واحد رغم تنوع عقائدنا وأفكارنا ومصالحنا القريبة والبعيدة؛ ولنتذكر دومًا تلك اللحظات التي انصهرنا فيها جميعًا .
• أن استبعاد فريق يؤدي بالضرورة إلى تفشي الاستبعاد المتبادل بحيث يتفتت الوطن .
• أن تبادل الكراهية لا يحول دون تعايشنا جميعًا ما لم تتحول تلك الكراهية إلى عنف
• أنه لا توجد بيننا مجموعة من الملائكة مقابل مجموعة من الشياطين، فلكل مرحلة في تاريخنا ولكل جماعة من جماعاتنا دون استثناء سلبياتها وإنجازاتها .
• أن الأفكار مهما تناقضت ومهما بلغت حدة ذلك التناقض، علينا القبول بوجودها
• التصالح ينبغي أن يكون بالرضا الطوعي المتبادل .