الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

تونس.. مصر.. هناك فرق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

حين ثارت تونس بعد حادث سيدى بوزيد عام ٢٠١١، كان تقدير الأجهزة الأمنية عندنا أن تونس ليست مصر، وأن ما جرى هناك لن يحدث هنا، وفقًا لتقديرات وحسابات القوى الموضوعية والواقعية، لا بل وكان هناك في مربع السلطة من اعتمد في تقديراته على تدخل الجيش، ولم يضع في حسابه أن الجيش- حين جاءت لحظة الاختيار- اختار الانحياز للشعب ولم يضع في اعتباره الفكرة الخرقاء التي توحد ما بين (النظام) و(الدولة).

كان الجيش- قولًا واحدًا فصلًا- ظهيرًا للدولة منحازًا للناس، ولذلك تكرر ما جرى هناك في تونس هنا في مصر من حيث تغيير النظام، وهو الأمر الذى خططت بعض القوى الشريرة والظلامية المتحالفة مع كتائب العملاء والمتدربين في الخارج، لاستغلال الفوضى والفراغ المتخلف عنها، والقفز على مؤسسات الدولة في محاولة لهدمها وتدميرها.

أما هذه المرة فالموضوع مختلف.

ولن يتكرر ما يحدث في تونس هنا في مصر.

تونس تعيش فترة من تاريخها سمحت باستنساخ اضطرابات ٢٠١١، ومن هنا فقد نجح بعض المتآمرين عليها في تصعيد إحساس الناس بمشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية، ففي (القصرين) واحدة من أفقر المناطق بتونس، استغل حادث صعق كهربائي تعرض له شاب احتج على عدم حصوله على فرصة عمل بمحاولة الانتحار، وراحوا يستخدمون كل أساليب التهييج السياسي في سوسة وصفاقس وتالة وفريالة وجعباس، وباجة والصخرة، والجريصة وغيرها من المدن التونسية، الأمر الذى شرح الباجي قائد السبسي الرئيس التونسي مشهده بأنه كان ساحة لعبت فيها الأيادي الخبيثة من الأحزاب المرخصة وغير المرخصة.

تونس مرت بمراحل عديدة منذ ما سُمى بثورة الياسمين طليعة ما عُرف كذلك باسم الربيع العربي، وكل تلك المراحل استنزفت طاقة تونس في إصلاحات سياسية تمت باحتراق المراحل، ولم تتمهل لتحدد بالضبط حجم المواجهة التي ينبغي على تونس الدخول فيها قبل إدماج القوى التي تستهدف الدولة في العملية السياسية.

أما في القاهرة، فإن تحديد (عدو) الدولة كان خطوة مبكرة قبل تنفيذ المراحل الثلاثة لخارطة طريق ٣ يوليو.

وكانت خطوات العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية تسبق في مصر نظيرتها في تونس، كون درجة وعى النظام بأولوية مواجهة مشاكل البطالة والفقر وما يترتب عليها أكثر بكثير، لا بل لقد لعب الجيش نفسه دورًا هائلًا في معالجة المشاكل الاجتماعية الضاغطة على أعصاب النظام، سواء من ناحية طرح السلع الغذائية مخفضة الأسعار على المواطنين، أو الاشتراك في تمويل وإطلاق عدد من المشروعات القومية العملاقة التي تخفف من ضغوط المشاكل الاجتماعية على الشعب عبر التحرك ولو الجزئي نحو حل أزمة البطالة من خلال حجم هائل من الاستثمارات يلوح في الأفق حول المشروعات القومية الكبرى، سواء قناة السويس الجديدة، أو شرق بورسعيد، أو الساحل الشمالي، أو المليون ونصف المليون فدان، أو مدينة الإسماعيلية الجديدة.

الناس في مصر صاروا يعرفون تفاصيل كل تلك المشروعات، وتأثيرها على مستقبلهم، وطبيعة وحجم الدور الذى لعبته القوات المسلحة فيها وبناء عليه، فإن هناك أملًا يحدو هؤلاء الناس، ويدفع بهم إلى الصبر حتى الحل النهائي لمشاكلهم الاجتماعية المستعصية.

ولقد تعطل الإصلاح السياسي وخطوات المرحلة الانتقالية، وبالذات خطوتها الثالثة في مصر، لأن أولوية مصر كانت مواجهة المشكلة الاجتماعية، وما يمهد لها من خلق بيئة أمنية مناسبة، كما صاحبت ذلك كله عملية دعائية واسعة النطاق تشرح للناس جوانب المؤامرة التي تعرضوا لها في يناير ٢٠١١، ومن ثم فقد خلقت مصر تيارا من الوعى لدى مواطنيها، راح يقوم بتعريفهم بجوانب المؤامرة التي تعرضوا لها دوليًا، وحدود الدور الخائن الذى لعبت به قوى التطرف الإسلامي، والفوضويون من الاشتراكيين الثوريين في إثارة الجماهير وتحريضها على العنف وهدم مؤسسات الدولة.

وبالإضافة لذلك كله، فقد اخترقت كل العوامل التي ساعدت على احتقان الناس في يناير ٢٠١١ كالتوريث وتزوير الانتخابات وطول مدة الرئيس في الحكم.

هذه طبيعة الأوضاع في مصر التي تؤكد- هذه المرة- اختلافها عن تونس التي جعلت أولويتها هى الإصلاح السياسي دون الإصلاح الاجتماعي، الأمر الذى خلق ثغرة مزمنة تنفذ منها قوى التطرف إلى قلب تلك الدولة العربية، وهو الأمر الذى أشار إليه باجي القائد السبسي في بيانه، مؤكدًا أن داعش ضمن القوى التي شاركت في إشعال الاضطرابات الجديدة.

وكذلك فإن حجم الدور الذى يلعبه الجيش في تونس، وحجم وأرجحية مكانته في الوجدان الشعبي يختلف عن الحالة المصرية.

كل تلك العوامل تجعل من تونس- هذه المرة- حالة مغايرة لمصر، وتؤكد أن بلدنا لن يكون عرضة لمؤامرة جديدة كتلك التي عاشتها تونس في الأيام الأخيرة حتى لو تصاعدت تهديدات فلول الإخوان الإرهابيين، وانكشارية الطابور الخامس، عما يسمى (الثورة الثالثة) تلك التي تؤكد قوى الشعب المصري أنها ستسحقها إن فكر أحد في إشعالها.