انتهينا في الحلقتين الماضيتين الي ان هناك قدرا مشتركا بين جماعة الاخوان وبين كل من فرقتي الخوارج والإسماعيلية الباطنية، وعرفنا أن هناك قدرا فارقا بينها وبينهما، وعلى هذا فلا يمكن اعتبار ان الجماعة هي الخوارج، كما لا يمكن اعتبارها فرقة من فرق الشيعة.
ونتابع في هذه الحلقة البحث عن ماهية هذه الجماعة لتسهيل تصنيفها والتعامل معها بمقاييس العقيدة الإسلامية، ووضعها في مكانها المناسب من الشرع، حتى يسهل التعامل معها في الجانب السياسي.
التقريب بين الشيعة والإخوان الجذور التاريخية
الباحث في المناهج المنحرفة عن طريق الله المستقيم، لا يمكن ان يغفل ذلك التشابه العجيب بين أفكارها مهما تلون واتخذ اشكالا متباينة، وهو ما يؤكد انها جميعا تسقي بماء واحد وتنبت من طينة واحدة، يحرثها الشيطان ويتولاها بعنايته، وللشيعة لدى جماعة الاخوان منزلة خاصة، قد لا يشعر المنتسبون للجماعة بها، إلا أن البحث العلمي أثبت ذلك- بما لا يدع مجالا للشك- كما أن الأحداث التاريخية ومواقف قادتها من الثورة الخومينية أبرز دليل على ذلك.
وفي هذه الحلقة نتابع الجسور الفكرية التي تربط بين الإخوان والشيعة في العصر الحديث، ولعلها تشكل مفاجأة للقارئ.
يقول الشيخ محمد الغزالي: وقد لاحظت في دراستي الطويلة للرجال أن الله جمع في حسن البنا مواهب عدد من الزعماء الإسلاميين أمثال جمال الدين الأفغاني" (راجع مجلة الكلمة العدد ٨٣).
ويقول الدكتور محمد عمارة عن مشروع "النهضة" الذي قدمه حسن البنا: "إن أبوة وإمامة وريادة حسن البنا لهذا الإحياء الإسلامي المعاصر إنما تمثل الحلقة المعاصرة في سلسلة الإحياء الاسلامي الحديث… لكنها امتداد متطور لمرحلة النشأة و"التبلور" التي تمثلت في "الجامعة الإسلامية" التي ارتاد ميدانها ورفع أعلامها "جمال الدين الآفغاني" (راجع الحال العام والمناخ قبل نشأة الإخوان في مصر، ويكيبيديا الإخوان المسلمين).
ويفتخر جميع الإخوان بانتسابهم إلى جمال الدين الأفغاني، وانهم امتداد لمنهجه، رغم حيرة المؤرخين في شخصيته حيث يقول غالي شكري عنه "كان جمال الدين الأفغاني من أكثر الشخصيات في تاريخ نهضتنا مدعاة للحيرة لغموض عام في تحركاته... والبلبلة العميقة الأثر التي خلفها وراءه أينما ذهب في الهند وإيران وأفغانستان وتركيا ومصر وباريس" (غالي شكري، النهضة والسقوط).
وقد أثبت كثير من المحققين انتساب جمال الدين الافغاني الي تلك النحلة الباطنية الشيعية الخبيثة "البابية"، قال مصطفي غزال:" وكان ينسب الي جمال الدين الافغاني آنه بابي، وكان ابوالهدي الصيادي يقول عن جمال الدين بأنه مازنداني، أي بابي، لما يري عنده من أفكار متقاربة من أفكار ومعتقدات البابية". (راجع : رشيد رضا الامام المجاهد لابراهيم العدوي). ويقول الدكتور محمد عمارة: كتب أبوالهدي الصيادي ( 1849 م- 1909 )الي الشيخ رشيد رضا مهاجما ترديد جريدة المنار لأفكار الأفغاني وقال: إني أري جريدتك طافحة بشقائق المتأفغن جمال الدين الملفقة، وقد ثبت في دوائر الدولة رسميا أنه مازنداني من أجلاف الشيعة. (راجع الجماعات الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة لسليم الهلالي).
وما يؤكد هذا الاتجاه ما نقله سليم الهلالي ايضا "ان قاتل ناصر الدين شاه ايران كان بابيا وكان من اتباع جمال الدين الافغاني ومحبيه… وقد ضحي بنفسه من اجل جمال الدين، فقال لناصر الدين شاه ايران عندما طعنه: خذها من جمال الدين- أي الطعنة" (راجع: المصدر السابق).
وقد دعا جمال الدين الافغاني الي تأسيس الجامعة الاسلامية، وكان يهدف من ورائها الي التقريب بين السنة والشيعة علي طريقته او دمجهما في شيء واحد وعرض ذلك علي السلطان عبدالحميد الثاني الذي وافق عليها من منظور سياسي حركي لانه كان يعرف خطر ذلك من الناحية العقيدية فحدثت خلافات كبيرة بينهما بعد ذلك، واستطاع تلامذة الأفغاني ومنهم ابوتراب الساوجي تأسيس جمعية التقريب بين الأديان في بيروت بعد تعطيل مجلة "العروة الوثقي". وظلت دعوة الافغاني الغامضة للتقريب بين السنة والشيعة الي أن ظهرت القاعدة الذهبية التي تبناها حسن البنا والتي ترجع أصولها الي استاذه رشيد رضا تلميذ الأفغاني والتي تقول: "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه" لتكون مدخلا ظاهره فيه الالفة والتعاون وباطنه يحمل كل خبيث ويفتح الباب علي مصراعيه لدخول الشيعة بأفكارهم المنحرفة وعقائدهم الباطلة علي الامة بهدف تخريبها، والتي وقف المسلمون ضدها منذ النشأة الأولى لتلك الفرقة علي يد عبدالله بن سبأ اليهودي وأوقف مدها صلاح الدين الأيوبي الذي أنقذ المسلمين من خطر الدولة الفاطمية الشيعية، ولاحق خلفاؤه من بعده فلولها الذين مازالوا يحاولون اختراق العالم الاسلامي الي اليوم.
موقف الإخوان من ثورة الخميني
كتب عمر التلمساني المرشد العام للاخوان مقالة في مجلة الدعوة العدد 105 يوليو 1985 بعنوان (شيعة وسنة) قال فيه: "التقريب بين الشيعة والسنة واجب الفقهاء الآن " وقال فيه أيضاً:" ولم تفتر علاقة الإخوان بزعماء الشيعة فاتصلوا بآية الله الكاشاني واستضافوا في مصر نوّاب صفوي"
ويقول راشد الغنوشي في كتاب (الحركة الإسلامية والتحديث) :" ولكن الذي يعنينا من بين ذلك الاتجاه الذي ينطلق من مفهوم الإسلام الشامل مستهدفاً إقامة المجتمع المسلم والدولة الإسلامية على أساس ذلك التصور الشامل وهذا المفهوم ينطبق على ثلاثة اتجاهات كبرى: الإخوان المسلمين، الجماعات الإسلامية بباكستان، وحركة الإمام الخميني في إيران"
وقال ابوالاعلي المودودي ردا علي سؤال في مجلة "الدعوة" العدد 19" اغسطس 1979 وثورة الخميني ثورة إسلامية والقائمون عليها هم جماعة إسلامية وشباب تلقوا التربية في الحركات الإسلامية وعلى جميع المسلمين عامة والحركات الإسلامية خاصة أن تؤيد هذه الثورة وتتعاون معها في جميع المجالات"
ولم تنقطع الاتصالات والتمجيد المتبادل بين الجماعة وثورة الخميني ورجاله الي اليوم ولا يخفي علي احد مواقف الشيخ يوسف القرضاوي وتقربه الدائم من الشيعة حيث يرأس اليوم ما يسمي بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ذي الهوي والميول الشيعية، ولعل موقف الجماعة الآن من حزب الله تكشف الكثير من تلك العلاقات الخفية بينها وبين الشيعة.
نعود ونقول ان هدفنا من هذه المقالات هو تحديد ماهية جماعة الاخوان في ميزان العقيدة اولا وقبل كل شيء، وهل هي مذهب أم فرقة من الفرق الإسلامية التي انحرفت عن الطريق السليم، ليفيق المتعاطفون معها والمنخدعون بها قبل أن يتحولوا إلى أدوات لتنفيذ أهدافها.