الجهل وسوء الإدارة، مشكلتان نواجههما فى حياتنا، ولن تشفع لهما ما نقدمه من نوايا.
سمعت مؤخرًا قصة إنشاء مجمع التحرير، ومن حسن النية عند إنشائه وضع كل المكاتب التى يحتاجها المواطن فى مبنى ضخم واحد، ومدى الإبهار تلك الأيام بذلك المبنى الضخم وسعادة الناس بالاهتمام البالغ لتوفير الخدمات التى يحتاجونها بمكان واحد.
وسمعت أيضًا أن ذلك المبنى كان أنيقًا، وأن معظم من عملوا به أول نشأته كانوا مهتمين جدًا بنظافته والرقى فى التعامل مع المواطنين، وكيف كانت السجادة الحمراء تفرش فى ممراته والزهور عند مدخل كل إدارة وأنه كان يليق بحضارتنا وثقافتنا.
وسمعت أيضًا من نفس المصدر قصة أخرى عن نفس الفترة والنية الحسنة فى تعيين كل خريج من الجامعات والمعاهد فى جهاز الدولة، وكانت مبادرة طيبة جدًا لاحتواء الشباب وطاقاتهم لبناء دولة قوية بسواعد أبنائها.
ولكن تجرى الريح كما تجرى سفينتنا، نحن الرياح، ونحن البحر، ونحن السفن أن الذى يرتجى شيئًا بهمته، يلقاه لو حاربته الإنس والجن، فاقصد إلى قمم الأشياء تدركها، تجرى الرياح كما أرادت لها السفن.
ما كُلُّ ما يَتَمَنَّى المَرءُ يُدرِكُه تجرى الرِياحُ بِما لا تَشتَهى السُفُنُ
من المعروف أن التخطيط الجيد يوفر كثيرًا من الإهدار، فنحن شعب يتكاثر بسرعة البرق فى ذلك الزمن كنا حوالى ٢٠ مليون نسمة، والآن نتعدى التسعين مليون نسمة، فكيف بنا أن مصالح الملايين فى مركز العاصمة فنخلق الزحام ونخلق مشاكل أخرى نريد لها حلولًا.
نسينا أن التعداد يزيد وبمرور الوقت أيضا خريجو الجامعات والمعاهد يزيدون، وأن العبء على كاهل الدولة يزيد.
نرى اليوم ذلك المجمع العتيق به من الزحام والطوابير ما لا يتحمله أى مبنى إدارى آخر، وسبحان الله لا نجد أن مصلحة المواطن تُنجز، وأصبح المكان لا يليق بحضارتنا ولا بثقافتنا.
أصبح الهيكل الإدارى للدولة مكتظًا بالموظفين، مما يجعل الكثير منهم بلا عمل حقيقى، وبالتالى لا إنجاز للمواطن، وخريجو أمس أصبحوا مديرى اليوم، وما تناقلته الأفلام من تقطيع الخضار داخل أروقة المكاتب والأدراج المفتوحة لأى نفحة، لم يأت من فراغ بل جاء من معاناة تفاقمت وظهرت على السطح، دعونا لا نفكر كثيرا فى المشكلة، ونأخذ قليلًا من الوقت لنحاول أن نفكر فى الحل، ولنقرأ تلك القصة، فبها حل جذرى وليفهمها كل منا بطريقته وكل ما ستفهمونه صحيح.
يعيش الصقر ٧٠ عامًا، ولكن ليصل إلى هذا العمر، يجب عليه اتخاذ قرار صعب جدًا، فماذا يفعل؟
عندما يصل إلى سن الأربعين، أظافره تفقد مرونتها، وتعجز عن الإمساك بالفريسة وهى مصدر غذائه، يصبح منقاره القوى الحاد معقوفًا شديد الانحناء، بسبب تقدمه فى العمر تصبح أجنحته ثقيلة بسبب ثقل وزن ريشها وتلتصق بالصدر، ويصبح الطيران فى غاية الصعوبة بالنسبة له.
هذه الظروف تضع الصقر فى خيار صعب، إما أن يستسلم للموت، أو يقوم بعملية تغيير مؤلمة جدًا لمدة ١٥٠ يومًا، فماذا يفعل؟ فلنر إخوتى عجائب الله فى خلقه.
تتطلب العملية أن يقوم الصقر بالتحليق إلى قمة الجبل، حيث يكون عشه هناك، أولًا: يقوم الصقر بضرب منقاره المعقوف بشدة على الصخرة حتى ينكسر، ثانيًا: عندما تتم العملية ينتظر حتى ينمو منقاره، ثم يقوم بكسر أظافره أيضًا، ثالثًا: بعد كسر مخالبه، ينتظر حتى تنمو من جديد، ثم يقوم بنتف ريشه كله، وبعد هذه المعاناة بخمسة أشهر يقوم الصقر بالتحليق من جديد فى السماء، وكأنه ولد من جديد ويعيش لمدة ٣٠ سنة أخرى.
من هذا فإننا فى بعض الأحيان يجب علينا تغيير حياتنا، حتى نستمر فى أفضل حال، وإن كان التغيير صعبًا.