ونحن الآن نطالع فى كتاب «العنف الأصولي - نواب الأرض والسماء»، حيث يقدم لنا نصر حامد أبوزيد برؤيته الموسوعية قراءة فى بعض من فكر محمد أركون.. ونقرأ «من الصعب على الباحث فى فكر محمد أركون أن يتوقف عند أحد جوانبه دون أن يجد نفسه منخرطا فى تحليل الجوانب الأخري»، وهكذا فإذا حاول نصر أبوزيد تحليل دراسته عن خصوصية اللغة الدينية فإنه يغوص فى كامل فكرة المركب من عدة طوابق يصعب الفصل بينها.. وينطلق نصر من مسلمة أساسية مفادها «قدرة هذه اللغة على تحويل اللحظى والتاريخى والنسبى إلى مجال «المطلق» و«المتعالي» و«الأزلي» ويتطلب ذلك تحليل آليات هذه اللغة التى تمكنها من إحداث هذا التحول» (ص٣١).. ونمضى مع نصر لنقرأ «أن المشروع الفكرى لأركون ينبنى داخل منظومة الفكر الدينى بصفة عامة والفكر الإسلامى خاصة، وهو ما يميز بينه وبين الخطاب الاستشراقي.. فأركون يتميز عن الخطاب الإسلامى الشائع والمنتشر الذى يمثل فى علاقته بالتراث الإسلامى الكلاسيكى دور «الصدي» الخافت والضعيف» (ص٣٤).. ويتحدث نصر عن الخطاب الإسلامى السائد فى (١٩٩٥) وربما عند البعض حتى الآن «فهو خطاب يتسم بالضعف والتهافت، ولكنه فى بعده السياسى يمثل قوة على الحشد فى مواجهة الأطماع الإمبريالية من جهة، وفى مواجهة عجز الأنظمة التقليدية أو العسكرية ذات المظهر العلمانى الشكلى عن تحقيق أحداث تنمية حقيقية فى مجتمعاتها.. وهو خطاب يستخدم الإسلام أداة سياسية وملاذا وملجأ يشكل سورا كحائط حماية.. وهذا الخطاب يفتقد الأساس الفكرى للفهم العلمى ويضحى بالنقد الحر والعلمى والخلافى على مذبح الاستهلاك الأيديولوجي.. وهو فوق هذا يمثل خطرا فعليا على الخطاب النقدى الساعى للفهم والمساهمة فى وضع الفكر الدينى فى قلب التطورات العلمية الراهنة وهو باختصار يمثل خيانة للتاريخ» (ص٣٤). ويحلل نصر حالة أركون «فهو مولود فى مجتمع مسلم وعاش معرفة مجتمع آخر».. وينقل عن أركون قوله «إن كل دراستى التحليلية وكل جهودى تهدف إلى شق الطريق وتأمين شروط إمكان وجود فكر إسلامى نقدى وحر، ورفض الاستخدام الأيديولوجى داخل الفكر الدينى الذى يجب أن يكون حرا ومنفتحا»، وباختصار يقول أركون «بتحرير الإسلام بصفته دينا من الاستخدامات الأيديولوجية التى تعرض لها فى الماضى والتى هى ملتهبة الآن» (ص٣٦).. وهنا يكشف لنا نصر أبوزيد النقاب عن حالة المثقف العربى المسلم الذى يخوض غمار الدعوة للتجديد بعد أن يقوم بنفسه بتقييد حدوده الفكرية ويضع بنفسه أثقالا على إمكانات انطلاقه العقلى فيضطر إلى تقديم ما أسماه «ترضيات» أيديولوجية فهو إذ يحرص على أن يضع نفسه فى قلب الفكر الإسلامى ويحرص على الاحتفاظ بمكان له فى هذا الموقع يحاول فى الوقت نفسه خوض معركة التجديد واستبعاد «المصلحة» الفكرية والعملية فى استخدام الدين ستارا للعمل الأيديولوجى محتميا فى ذلك بما أسماه نصر أبوزيد بمحاذرة الوقوع فى «تورطات» أيديولوجية، بل ومستعدا فى الوقت نفسه لتقديم «ترضيات» فكرية يسد بها الباب أمام خصومه من الرجعيين والجامدين والمتاجرين بالدين والساعين للتفتيش المتحيز ضد كل ما يكتب.. وربما كانت هذه «الترضيات» متضمنة أيضا فى جوهرها نوعا من «التضامن» مع المجتمع الذى ولد فيه، محددا بذلك طبيعة هويته، لكن فى الوقت نفسه يتمسك بموقف نقدى على أساس أن النقد هو شرط أساسى لكل ما هو جديد معرفيا، ويتمدد نقده أيضا إلى نقد الخطاب الاستشراقى التنويرى لأنه يعتمد أساسا على العقلانية الأوروبية.. كما أن أركون يخوض بتحسب شديد معركة جسورة لقراءة القرآن قراءة تزامنية مضادة للقراءة التى استمرت قرونا والمستمرة حتى الآن، والمقصود بالقراءة التزامنية هى استعادة لحظات التلقى من الوحى، حيث كان العقل يمارس آليته وعمله بطريقة معينة ومحددة دون إسقاط مفهوم العقل أو الوعى العقلاني.. وهو يسعى لقراءة كلية تنظر إلى القرآن فى كليته وليس جزءا جزءا سعيا نحو قراءة التراكمات الكلية وسعيا إلى اكتشاف آليات اللغة الدينية وطرق استخدامها.
ويلخص نصر ما أراده أركون وهو الكشف عن حقيقة «أن العالم الإسلامى يعيش لحظتين متناقضتين تؤديان إلى حالة من الشيزوفرينيا الاجتماعية والفكرية: لحظة التقدم المادى التكنولوجى الذى أنتجه الوعى الأوروبي، ولحظة الوعى الدينى الذى لم يتطور جذريا منذ القرن الرابع الهجري.. وهو ما يجعل المسلم الذى يعيش بكليته مع وعبر التكنولوجيا المتطورة جدا والدائمة التطور ومع الوعى الدينى الممزوج بما أدخل عليه من أساطير.. الأمر الذى يخلق حالة من الخوف الجمعى من الانطلاق مع العلم ومستجداته فيعيش وعيا مقيدا وخائفا دوما.
ونواصل.
ويلخص نصر ما أراده أركون وهو الكشف عن حقيقة «أن العالم الإسلامى يعيش لحظتين متناقضتين تؤديان إلى حالة من الشيزوفرينيا الاجتماعية والفكرية: لحظة التقدم المادى التكنولوجى الذى أنتجه الوعى الأوروبي، ولحظة الوعى الدينى الذى لم يتطور جذريا منذ القرن الرابع الهجري.. وهو ما يجعل المسلم الذى يعيش بكليته مع وعبر التكنولوجيا المتطورة جدا والدائمة التطور ومع الوعى الدينى الممزوج بما أدخل عليه من أساطير.. الأمر الذى يخلق حالة من الخوف الجمعى من الانطلاق مع العلم ومستجداته فيعيش وعيا مقيدا وخائفا دوما.
ونواصل.