السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ضحايا التطرف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هناك إجماع بين العلماء الاجتماعيين على أن التطرف الدينى على وجه الخصوص هو المقدمة الضرورية لتحول المتطرف إلى إرهابى يمارس القتل الفردى أو الجماعى باقتناع كامل وبحماسة تثير الدهشة، حتى لو ضحى بنفسه فى صورة استخدام الحزام الناسف.
وضحايا التطرف فى الواقع هم أجيال الشباب فى المقام الأول، لأن الشباب مرحلة عمرية تتسم بالاندفاع والرغبة فى التحقق من خلال تبنى مثل عليا يريدون تطبيقها على أرض الواقع أحيانا دون فهم دقيق لطبيعة المجتمع ونوعية اللحظة التاريخية التى يمر بها، وأخطر من كل ذلك دون تقدير واقعى للنتائج الكارثية التى تترتب على الإرهاب على مستوى الأفراد أو على مستوى المنشآت، وفى النهاية على استقرار المجتمع نفسه وإحساس المواطنين بالأمن.
وقد أتيح لى مؤخرا أن أقرأ تقريرا صحفيا مهما نشرته جريدة «نيويورك تايمز» وترجمته ونشرته جريدة «الشرق الأوسط» عن السيرة الذاتية لشاب سورى عمره ٢٧ عاما، بدأ باعتباره مناضلا وطنيا ضد الحكم الديكتاتورى لـ«بشار الأسد»، وانتهى مقاتلا فى صفوف «داعش»، وفقد حياته بعد أن نسف نفسه بحزام ناسف، مما ترتب عليه مقتل العشرات وإصابة أعداد كبيرة من المواطنين الأبرياء.
حين قرأت تفاصيل حياة هذا الشاب السورى أشفقت إشفاقا كبيرا على مصيره التعس الذى اختاره لنفسه.
وحين تأملت سيرة حياته فى المرحلة الأولى اكتشفت أنه كان محبوبا للغاية من زملائه وأصدقائه ممن كانوا يمثلون جماعات المعارضة ضد نظام «بشار الأسد»، وكان يجيد استخدام وسائل الاتصال الاجتماعى، ويخاطب العشرات من خلال رسائله الإلكترونية التى تكشف عن قيم رفيعة المستوى لشاب سورى رفض الخضوع للقمع السياسى والاستبداد. كان شخصية مرحة لديه قدرة على إنشاء صداقات متعددة عبر شبكة الإنترنت.
ثم بدأت تتغير أفكاره بالتدريج، بعد أن استقبل رسائل «داعش» على شبكة الإنترنت التى تدعو الشباب إلى الانضمام إلى صفوفها للعمل تحت راية الخلافة الإسلامية التى صورت بأنها جنة الله على الأرض، حيث يسود العدل والسلام.
وبعدما تشبع بالأفكار الداعشية انتقل إلى صفوف المقاتلين فى العراق، وتزوج بطبيبة تونسية داعشية، واستفاد من مزايا علاوات الزواج التى يمنحها «داعش» للمتزوجين، وعاش فترة، ثم انغمس فى العمليات القتالية التى يخوضها «داعش» بكل ما فيها من وحشية تجد مبرراتها فى التأويلات المنحرفة للنصوص الإسلامية، سواء فيما يتعلق بآيات الجهاد فى سبيل الله، أو فى الأحاديث النبوية التى تحكى سلوك الرسول «صلى الله عليه وسلم» مع أعدائه وأعداء الإسلام.
وفى لحظة ما قرر هذا الشاب المتطرف -الذى تحول إلى إرهابى نشط فى صفوف «داعش»- أن يخوض معركة ضد «الأعداء» الذين يصورون كأنهم مجموعة من الكفار يستحقون قطع الرقاب أو تفجيرهم.
وهكذا ارتدى حزاما ناسفا، ودخل فى صفوف مجموعات بشرية عريضة وفجر نفسه، وأوقع بالتالى عشرات القتلى من المواطنين الأبرياء.
قصة هذا الشاب السورى -الذى كان فى مرحلته الأولى خلوقا ومحبا للناس قبل أن يتطرف ويصبح إرهابيا ويفقد حياته فيما ظن أنه «جهاد» فى سبيل الله سيرفعه إلى الجنة- تحتاج إلى تأمل عميق ومناقشة علمية جادة. وأهم الدروس المستفادة من قصة هذا الشاب الذى كان ضحية التطرف الذى أدى به بعد ذلك إلى الإرهاب أنه فى المجتمع العربى بشكل عام ونحن نتحدث عن الفترات العادية -وليست الاستثنائية حيث يسود الإرهاب- ليست هناك مؤسسات اجتماعية قادرة على استيعاب حيوية الشباب وأحلامه والمثل العليا لهم.
ولو نظرنا نظرة مقارنة لوجدنا أنه فى المجتمعات الغربية المعاصرة هناك مؤسسات سياسية واجتماعية وثقافية متعددة تستوعب بالكامل الطاقات الشبابية.
هناك أولا أحزاب سياسية نشطة. وهذه الأحزاب التى ينضم إليها الشباب فى بداية عملهم بالسياسة منظمة بطريقة دقيقة تسمح لها باستيعاب النشاط الفائض للشباب بجعلهم مسئولين عن أعمال حزبية متعددة، خصوصا تلك المتعلقة بعلاقات الحزب مع الجماهير فى الدائرة التى يعيش فيها الشاب قرية كانت أو مدينة صغيرة أو حيا محددا فى مدينة كبيرة.
والشاب فى الحزب يتلقى تدريبات متعددة. منها أولا حصوله على ثقافة سياسية رفيعة المستوى من خلال التعمق فى دراسة البرنامج السياسى للحزب، التى -وفق العقلية الغربية المنهجية- تتناول الأمور السياسية فيما يتعلق بالممارسة الديمقراطية والموضوعات الاقتصادية والأمور الاجتماعية والثقافية.
ويتعلم الشاب أن الحزب له رأى محدد فى كل من هذه المجالات، وأن هذه الآراء الحزبية تعبر عن مصالح طبقات أو فئات اجتماعية محددة هى التى يحاول الحزب دفعها للتصويت له، سواء فى الانتخابات المحلية أو الانتخابات البرلمانية.
وفى هذا المجال يتلقى الشباب دروسا عملية فى مجال التعبئة السياسية والترويج لبرنامج الحزب من خلال الاتصال المنظم بالجماهير فى الندوات العامة التى ينظمها الحزب.
والحزب السياسى العصرى لا يقتصر فقط على الأنشطة السياسية، بل إنه يولى أعظم الاهتمام للأنشطة الثقافية والاجتماعية التى يدعو الجماهير إليها، حتى لو لم يكن كل المواطنين أعضاء فى الحزب. بل إن الحزب يهتم أيضا بالأنشطة الرياضية والفنية والعروض المسرحية.
وهكذا تستوعب الأحزاب السياسية الطاقات الكبرى لدى الشباب. وحين أحس الشباب فى أوروبا الغربية أن الأحزاب السياسية التقليدية قد تجمدت وتكلست أنشأوا هم أحزابهم الخاصة، وأبرزها حزب «الخضر» الذى أدخل فى الحياة السياسية الاهتمام الشديد بالبيئة، والذى أصبح على جدول أعمال العالم بعد استفحال ظاهرة الاحتباس الحرارى، كما أكدت ذلك «قمة المناخ» التى عقدت فى باريس مؤخرا، وحضرها قادة الدول.
وحزب «الخضر» الذى أنشأه الشباب لم يكتف بإدراج موضوع البيئة على الأجندة السياسية، لكنه أدخل تقاليد جديدة فى العمل السياسى، أهمها العمل الجماعى والتغيير الدورى للقيادات السياسية.
ومن ناحية أخرى هناك مؤسسات المجتمع المدنى، والتى تستقطب طاقات شبابية جبارة، خصوصا فى مجال نشر ثقافة التطوع لمساعدة الجماهير على مواجهة مختلف المشكلات. التى تواجهها.
المجتمع العربى فى أزمة، لأنه لم يستطع حتى الآن استيعاب طاقات الشباب بأفكار من خارج الصندوق.