السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الثورة "الضائعة"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اليوم الإثنين، تتم ثورة الخامس والعشرين من يناير عامها الخامس دون احتفاء يُذكر، بل ودون اعتراف رسمى من الدولة التى يبدو أنها فضلت إعادة الاعتبار «لعيد الشرطة» مع إزاحة ذكرى الثورة وكينونتها، دون مبرر أو احترام لذكرى من دفع عمره ثمناً لهبة الملايين من المصريين الذين خرجوا بصدورهم العارية فى مواجهة الدولة البوليسية التى رسخ قواعدها نظام مبارك الذى استمر ثلاثين عاما أخرج مصر خلالها من سياق الدول الحديثة على جميع الصعد والتوجهات وأدخلها نفقا اقتصاديا مظلما، حيث أصبحت موارد الدولة ريعية تستند إلى دخل قناة السويس وإيرادات السياحة والضرائب، فيما اختفى التوجه الإنتاجى الذى يقيم أود الدول ويبقيها على قيد الحياة، وترك الحبل «على الغارب» لحوالى ٢٠٠ رجل أعمال دارت دولة مبارك فى فلكهم وليس العكس، فيما ديس الفقراء وأبناء السبيل دون إحساس من رئيس الدولة بما يجرى لملايين المصريين الذين استعادوا فى ذاكرتهم دولة جمال عبدالناصر، التى كان الشعب همها الأول لدرجة أنه أقال وزارة كاملة بسبب زيادة «تعريفة» أو خمسة ملاليم على سعر كيلو الأرز الواحد، حيث قفز السعر من أربعة قروش إلى أربعة قروش ونصف القرش، هذا إلى جانب قيام الدولة وقتها بدورها الإنتاجى الكامل من خلال أكثر من ١٢٠٠ مصنع كانت تمثل قاعدة التصنيع الثقيل وهى القاعدة التى حققت لمصر اكتفاءها الذاتى وفتحت باب التصدير لفائض إنتاجها، والتى بدأت انتكاساتها على يد الرئيس السادات الذى «قاد» سياسة اقتصادية «عمياء» أدت إلى انتفاض المصريين الواسع على سياساته فى ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧ لدرجة فكر السادات معها فى الهروب إلى السودان تفاديا لمصير مظلم كان يستشعره ولم يشفع له نصر أكتوبر ٧٣ فى إضفاء شرعية على ما يفعل فى المصريين من تدمير ممنهج لمقدرات الدولة التى تسلمها بعد عبدالناصر عفية قوية رغم الهزيمة المروعة التى وقعت فى ٥ يونيو ٦٧ وكان شعار الدولة بعدها أن لا صوت يعلو على صوت المعركة وجندت الدولة كل إمكانياتها الصناعية والزراعية «للمجهود الحربى» لكى يعود لمصر جيشها الحديث القوى القادر على تحرير الأرض بعد ست سنوات فقط من وقوع الكارثة وهو ما لم يتحقق لأى أمة أخرى، لأن عظمة الشعب المصرى لا تظهر إلا فى التحديات، حيث فضل المصريون وقتها شظف العيش لتوفير ثمن الأسلحة الحديثة وإعاشة أكثر من مليون جندى على جبهة القناة وجبهة البحر الأحمر، فلما تحقق النصر الذى حرك ركود القضية فوجئ المصريون بسياسات اقتصادية طائشة أكلت الأخضر واليابس وأصبح الاكتفاء الذاتى من القمح والشعير والذرة مجرد تعبير أدبى فارغ المضمون لأن الدولة فضلت استيراد مكونات رغيف الخبز التى أصبحت «بيزنس» يشوبه الفساد والعمولات والصراعات الفوقية، وجاء نظام مبارك على أنقاض نظام السادات أو استمرارا له وليستمر الوضع متراوحا من سيئ إلى أسوأ وليصبح رغيف الخبز طابورا طويلا لمن استطاع «إليه سبيلا» بالإضافة إلى الفساد العام الذى «ضرب» كل مناحى الحياة وأصبحت مصر «مبارك» على شفا حفرة من السقوط المدوى فى الوقت الذى كانت «الداخلية» فيه تمارس أبشع أشكال التنكيل بالشعب الذى فاض به الكيل ليخرج فى المناسبة السنوية الاحتفالية للشرطة بثورة مبدعة لا مثيل لها فى العصر الحديث.
بعد سقوط مبارك فشل المجلس العسكرى فى «إدارة شئون البلاد» كما أُمر، وتسرب الإخوان للمشهد وهم يطرحون أنفسهم بديلا لتحقيق «النهضة» المرجوة كما كانوا يدعون ونجحوا فى الاستيلاء على الحكم رغم فوز الفريق أحمد شفيق بالانتخابات الرئاسية وهى النتيجة التى لم تعلن أبدا، وكانت رؤية المجلس العسكرى الحاكم الذى أدار العملية الانتخابية تتمحور حول الحفاظ على مصر بعد تهديد الإخوان بحرقها إذا لم يعلن محمد مرسى العياط رئيسا للدولة، وفى وقت لم تكن الأجهزة السيادية فيه مستعدة لأى مغامرة أمام عدو غير منظور أو محدد، ونجحت السنة الكاملة التى حكم فيها تنظيم الإخوان فى الكشف عن أبعاد المؤامرة والمتآمرين وأصبحت «الجولة الثانية» لثورة يناير فى إسقاط الحكم العميل فى ٣٠ يونيو، والقبض على رموزه وأركانه بعد أن كانت الدولة بجميع مؤسساتها فى طريقها للزوال.
ما حدث فى ٢٥ يناير هو ثورة شعب على رئيس فاسد مفسد وقاتل، ويجب ألا ننساق وراء الادعاءات أنها كانت مؤامرة، إذ لا يعقل أن يشارك ملايين البشر فى هذا التآمر فى وقت واحد، ثم.. مؤامرة على مَنْ..؟ على حكم مبارك أم على الدولة العميقة التى ما زالت تمارس فسادها رغم إعلان دولة السيسى حربها على الفساد والفاسدين وهى حرب ستطول لسنوات إذا خلصت النيات ولم نواجه بحرب مضادة من أهل الفساد والإفساد. نعم.. ما حدث فى ٢٥ يناير هو ثورة متكاملة لكن المؤسف أنها لم تحقق أهدافها «الخالدة» وهى «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» فكل هدف منها ما زال يراوح مكانه فى انتظار التحقق والنماء.