الإثنين 10 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بعد رفع العقوبات: لا "تغيير" وإيران مستمرة فيما هي عليه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ربما أول سؤال تبادر إلى أذهان المتابعين لهذا الشأن هو: هل إيران يا ترى بعد رفع بعض العقوبات عنها سوف تقف وقفة نقد فعلى وجدى مع الذات؟، وسوف تراجع حساباتها بكل صدق وشجاعة، وتعيد النظر فى مسيرة انحراف مكلفة وخطيرة كانت بدأتها بعد انتصار ثورتها الخمينية فى عام ١٩٧٩ واستمرت على مدى كل هذه الأعوام الطويلة منذ ذلك الحين وحتى الآن؟!
يشير بعض التقديرات إلى أن كبرياء كبار معممى إيران، المبنية على الأوهام، قد دفعتهم إلى إنفاق أكثر من مائتين وخمسين مليار دولار على مشروع امتلاك الأسلحة النووية، وأن غرورهم قد دفعهم إلى تجويع شعبهم واضطهاده وأخذ أبنائه عنوة إلى محارق حروب ونزاعات لا هى محقة ولا هى ضرورية، وكل هذا استجابة لوْهم ونزعة إحياء الدولة الصفوية، واستعادة ما يعدونه أمجاد فارس القديمة.
كان علَى حسن روحانى، لو أنه صاحب قرار بالفعل، ألا يزف البشرى للشعب الإيراني، ويدعوه إلى إقامة الأفراح والليالى الملاح، بل كان عليه أن يبادر فورا إلى إنشاء محكمة مخولة لفتح صفحات مسيرة أكثر من خمسة وثلاثين عاما، ولمحاسبة حتى الأموات الذين أقحموا إيران خلال كل هذه الأعوام الطويلة فى هذه الحروب، هذا بالإضافة إلى الأحياء الذين ما زالوا يقحمونها فى كل هذه الصراعات المكلفة، وفى التدخل فى شئون دول مجاورة وبعيدة، من المفترض أنها شقيقة وصديقة، يجمع الإيرانيين بشعوبها تاريخ طويل وحضارة مشتركة.
وأيضا فإنه كان على حسن روحاني، لو أَن لديه الَرغبة والقدرة، ألا يدفع الشعب الإيرانى دفعا إلى الاحتفال بـ«إنجاز» كاذب ووهمي، وأن يبادر فورا إلى الإعلان عن أن هناك مسئولا ومسئولين عن هذه الكارثة، وأنه آن أوان المحاسبة، وأنه لا بد من فْتح أبواب المحاكم ومحاسبة حتى الأموات على مغامرة دفع ثمنها الإيرانيون، وعلى حساب قوت أطفالهم وتطور بلدهم ونموه، كل هذه الأموال الطائلة وكل هذه الأرقام الفلكية التى كان يجب أن تصرف بدل كل هذا العبث وكل هذه المغامرات على التنمية وعلى إنشاء المدارس والجامعات، وعلى الطرق والسدود والمطارات والزراعة والصناعة.
وبالطبع فإن هذا مطلب افتراضى وتعجيزي، فهذا الرئيس الإيرانى حسن روحانى ليس لديه القدرة، حتى وإن كانت لديه الرغبة، على فتح أبواب المحاكم لمحاكمة المسئولين عن مسيرة إيران البائسة والمكلفة والمتعثرة والوهمية منذ عام ١٩٧٩ وحتى الآن.. حتى هذه اللحظة فهو مجرد واجهة «ديكورية» لنظام صاحب القرار فيه هو الولى الفقيه ومرشد الثورة على خامنئي، وقائد حراس الثورة الجنرال محمد على جعفري، وبعض الذين يتدثرون بجزء من عباءة «الإمام».. وأيضا ربما الذين يديرون أموال ولاية الفقيه التى تقدر بعشرات.. والبعض يقول بمئات المليارات.
كل وسائل الإعلام العالمية تحدثت عن أن الشعب الإيرانى قد استقبل، ما اعتبره على خامنئى ومعه حسن روحانى ووزير الخارجية محمد جواد ظريف وبعض منُ يعِدون، ويعَدون، أنفسهم «مسامير صحن» هذا النظام الغريب العجيب نصرا مؤزرا- بفتور واضح، فهذا الشعب الذى ذاق الأمرين على مدى سنوات الثورة الخمينية الطويلة كان يعرف سلفا أَن لعبة الحصول على القنبلة النووية لعبة فاشلة، وأن كل هذه المليارات التى صرفت كان يجب أن تصرف على رخائه وعلى تطوير بلده، وأنه لم تكن هناك ضرورة لحرب الثمانية أعوام المعروفة ولا للصراعات التى افتعلها «آيات المعممين» فى العراق وفى سوريا وفى لبنان واليمن والبحرين.. وفى الخليج (الفارسي)!! كله.. ومؤخرا وكما يبدو فى باكستان وأفغانستان وأيضا فى تركيا.
إن هذه هى حقائق الأمور، وإن هذا هو واقع الحال.. و«لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، ويبقى أنه لا بد من العودة إلى السؤال المتداول الآن فى وسائل الإعلام وفى المحافل الدولية كلها وفى كل مكان، إن فى هذه المنطقة الشرق أوسطية، أو فى العالم بأسره، وهو: هل إيران يا ترى سُتدِركَ كْم أن الذين قادوها على مدى خمسة وثلاثين عاما وأكثر قد ارتكبوا بحقها وحق شعبها جرائم لا تغتفر، ولذلك فإن رفع العقوبات الجزئى يجب أن يدفع الشعب الإيرانى إلى القول لمسئوليه.. إلى الولى الفقيه ومن يشاركه فى القرار وكل من حوله من جنرالات حراس الثورة وغيرهم: كفى.. كفى.. ولا بَد من تصحيح المسيرة والتوقف عن كل هذا اللعب والتلاعب.. لا بد من تغيير الاتجاه!!
وبوضوح أكثر.. هل أصحاب القرار الفعلى فى إيران، الذين ليس من بينهم لا حسن روحانى ولا محمد جواد ظريف.. ولا هاشمى رفسنجاني، باتوا يدركون أنه ثبت أن كل «ألاعيبهم» فاشلة، وأن النهاية المأساوية التى انتهت إليها محاولاتهم النووية، بعدما كلفت إيران والشعب الإيرانى أكثر من مائتين وخمسين مليار دولار، أقنعتهم بضرورة الوقوف وقفة شجاعة مع الذات وتغيير المسار كله والبدء مجددا ومن جديد من نقطة الصفر إن على الصعيد الداخلى وإن على صعيد العلاقات مع الجوار.. والعلاقات الخارجية؟!
وأيضا وبوضوح أكثر فهل يا ترى سيأخذ الولى الفقيه على خامنئى ومعه جنرالات حراس الثورة قرارا تاريخيا ويبادرون لفتح صفحة جديدة مع جوارهم العربي ويضعون حدا فعليا لتدخل إيران السافر فى العراق وفى سوريا وفى لبنان وفى اليمن وفى البحرين.. وانسحابها، أى إيران، من الجزر الإماراتية الثلاث: «أبوموسى، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى».. هل سيحدث هذا؟.. أم أن كل ماُ يقال فى هذا الصدد وفى هذا المجال هو مجرد أمانٍ وافتراضات وهو مجرد أضغاث أحلام؟!
قبل ساعات قليلة من إعلان الغرب، وفى مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية، عن أن إيران قد استجابت لكل ما طلب منها بالنسبة للتخلى عن كل تطلعاتها النووية وتفكيك كل «المفاعلات» المتعلقة بهذا الشأن، وأنه لا بد من رفع العقوبات المتعلقة بهذا الشأن عنها، ظهر قائد حراس الثورة الجنرال محمد على جعفرى على شاشات فضائيات العالم كلها وهو يعلن عن أنه تم تدريب (مائتى ألف) من الشبان وإرسالهم إلى العراق وسوريا واليمن وباكستان وأفغانستان.. فماذا يعنى هذا؟!
ثم وبعد ساعات قليلة فقط صدرت الأوامر وربما من الجنرال محمد على جعفرى نفسه إلى قائد «الحشد الشعبى» فى العراق هادى العامري، الذى هو ضابط مرموق فى حرس الثورة الإيرانية، بارتكاب تلك المجزرة البشعة التى ارتكبت ضد العرب السنة فى المقدادية وفى ديالى وتدمير تسعة من مساجدهم.. فماذا يعنى هذا؟!
وكذلك وفى الوقت ذاته فإن المعروف أن نظام بشار الأسد قد أعلن عن أنه يعد لهجوم عسكرى كبير على مدينة حلب، وأن حراس الثورة، الذين فقدوا جنرالا كبيرا فى هذه المنطقة خلال الأيام الأخيرة، سيشاركون فى هذا الهجوم، وسيشكلون طليعته.. فماذا يعنى هذا؟!
هناك مثل شعبى يردد بكثرة ودائما وأبدا فى منطقة بلاد الشام يقول: «لو أنها ستْشتى (تمطر) لكانت غيّمْت أولا»، ولذلك ولأن إيران مستمرة فى مواقف وسياسات ما قبل الرفع الجزئى للعقوبات عنها، ولم يبدر عنها ما يشير إلى أنها عازمة ولو على التخفيف من تدخلها فى الشئون الداخلية لكثير من الدول العربية فإنه علينا ألا نتفاءل لا كثيرا ولا قليلا بأن هناك تغييرا مرتقبا لا على المدى القريب ولا على المدى البعيد فى النهج الإيرانى والمستمر منذ عام ١٩٧٩ وحتى الآن!
نقلا عن الشرق الأوسط