غصة فى القلب، ووجع فى النفس ينتابنى كُلما سحبتنى قدماى نحو المساجد، ليس نفورًا منها لاسمح الله وإنما غيظًا من جُهلاء يرتادون المنابر ويحشون الناس تبنًا وقشًا وانهزامية واتكالية باسم الدين.
كثيرًا ما أزعجنى دُعاء الشيوخ الأجلاء الشهير الذى يُردد بعد خُطبهم يوم الجُمعة فى الأرياف والذى يؤمن عليه المُصلّون فى سكينة وورع كأنه طريق نجاح ودرب فلاح. يقول الدُعاء الكارثى: «اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بين أيديهم سالمين غانمين يارب العالمين».
هل تعلمون أن هذا الدُعاء الانتهازى يُرسّخ للضعف، ويروج للانتهازية، ويفتح النوافذ لفكرة اللافعل واللافكر واللاعمل؟ هل من المُمكن أن نُردد مثل هذا الدُعاء على مسامع أطفالنا الذين نُربيهم على الاجتهاد والإيجابية والسعى؟
إنها كلمات مخجلة لا يمكن نسبتها إلى الإسلام، ذلك الدين الذى دعا إلى المقاومة ورفض القبح، والتحرر من عبودية البشر.
أى سلبية تلك التى يدعونا إليها شيوخنا الأفاضل الذين ظنوا أن النصر سيأتينا من السماء ونحن ساكنون سلبيون لا نريد أن نتحرك أو نجهد أنفسنا!!
أى انتهازية تلك التى تتصور أن يقود الله أعداءنا ليتحاربوا ويتقاتلوا حتى يفنى بعضهم البعض، فننتصر نحن بذلك ونحن نشاهد حروبهم، ثم نشمت فيهم لأنهم ظالمون.
إن هذا الدعاء يسىء لنا ولا يمكن أن يتقبله الله من أناس كسالى جبناء، يريدون أن ينتصروا على الأعداء دون أن يبذلوا أى جهد. ما أسهله جهادًا وما أطيبه كفاحًا ذلك الذى يحارب فيه الظالمون الظالمين ونخرج نحن من بين أيديهم سالمين غانمين.
لو كان هذا المنطق يمت بصلة إلى الإسلام لما جاهد المسلمون الأوائل بأنفسهم وأموالهم ليقيموا دولة الإسلام الأولى. لو كان الأمر بهذه السهولة لما كافح الأتقياء لنشر دين الله فى ربوع الأرض بالخلق الطيب والموعظة الحسنة. لو كان حقا وصدقا أن ننتصر دون تعب، ونتقدم دون نصب فما بالنا لم نخطُ خطوة إلى الفضاء، ولم نقدم للبشرية مخترعا، ولم نصنع لأحفادنا مجدًا.
لم يكن ذلك منطق صناع النهضة الأوائل فى عالمنا الإسلامى، ولم يكن زعماء الثورات فى العصر الحديث بدءا من سعد زغلول والمهاتما غاندى وحتى أرنستو جيفارا- يفكرون بهذه السلبية المحضة.
إن التاريخ يحكى لنا كيف احتشد طلاب الأزهر عندما علموا بقدوم نابليون إلى مصر يدعون الله «يا نجىّ الألطاف نجنا مما نخاف». وقتها دخل نابليون بونابرت مصر بيسر وسهولة إلى مصر، وعندما تشكلت فرق للمقاومة وقامت الثورات الحقيقية خرج الفرنسيون بعد أقل من ثلاث سنوات. ولاشك أن أمجاد الأمم المتحضرة قامت على دماء وجهود رجال عظام أفنوا أعمارهم فى خدمة بلادهم.
إن أمريكا لم تبلغ ما بلغته إلا بعد حروب ومناوشات وكفاح رجال عظام يطلق عليهم الشعب الأمريكى «الآباء المؤسسون». ولولا إصرار وإرادة اليابانيين لما قامت لهم قائمة بعد هزيمتهم القاسية فى الحرب العالمية الثانية. لقد ضاعفوا جهودهم وتبوأوا مكانة علمية مميزة وأصبحت اليابان الآن واحدا من أعظم اقتصادات العالم.
إننى أخشى على الإسلام من بعض دعاته الذين تدلت كروشهم وخلدوا إلى الدعة، ولم يجدوا فى دين الله سوى الجلباب واللحية وتعدد الزوجات، ثم طلبوا العون والنصر والتقدم من الله وهم نائمون. إن الإسلام عمل قبل أى شيء. والله أعلى وأعلم.