الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الفرعون والتنين على "طريق الحرير"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خلال الـ30 عامًا الماضية.. حققت الصين إنجازًا اقتصاديًا غير مسبوق يصل لحد المعجزات، طفرة في كل المجالات الصناعية وضعتها في منافسة شرسة مع الاقتصاد الأمريكي، قوتها الاقتصادية صنعت لها سياسة خارجية خاصة تتصادم مع السياسات الخارجية للولايات المتحدة التي تحركت استراتيجيًا خلال العامين الماضيين لمحاصرة النمو الصيني.
وضعت الصين استراتيجية لمواجهة الحصار الأمريكي بالتوسع في مناطق نفوذ قديمة وتقليدية للولايات المتحدة، فكانت فكرة إحياء "طريق الحرير" القديم، للتحرك لمناطق نفوذ الولايات المتحدة في آسيا الوسطى وشمال أفريقيا، والتمركز فيها عبر مشروعات تنمية حقيقية ومستدامة تقدم خلالها دعمًا ماليًا وتكنولوجيًا ونقل الخبرات في مناطق صناعية تقوم بتشغيل عمالة البلاد النامية الواقعة على طريق الحرير القديم.
وخلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج الأولى لمصر، حرص الرئيس السيسي على تغليب البُعد التاريخي والثقافي على الزيارة المهمة والاستثنائية لأول رئيس صيني يزور القاهرة منذ 12 عامًا، فحضارتا الفراعنة والصين القديمتان هما مهد حضارات العالم، فالحضارة الفرعونية القديمة لا يضاهيها في العالم سوى حضارة التنين الصيني، ولذلك تحتفظ مصر والصين بعلاقات مميزة وخاصة وقديمة، وفى العصر الحديث كانت مصر أول مَن اعترفت بجمهورية الصين الشعبية، وكان الرئيس جمال عبدالناصر أكبر داعم لحصول الصين على حقها الشرعي في مجلس الأمن عقب ثورة يوليو وتدشين سياسة عدم الانحياز، هذا التاريخ الطويل والمهم للعلاقات هو البداية لشراكة استراتيجية قوية بين القاهرة وبكين، فالأمر لن يتوقف على تعاون اقتصادي فحسب، بل دعم مهم وسخى من بكين للقاهرة يدعم عودتها بقوة على مسرح الأحداث فى الشرق الأوسط، وهو ما ظهر فى دعوة الرئيس الصيني للرئيس السيسي لحضور قمة الدول العشرين الصناعية الكبرى لدعم عودة مصر لقوتها الدولية بشكل واضح ودعم صيني مباشر.
وإجمالًا تسعى الصين لإنعاش اقتصادها المتباطئ بعقود طويلة الأجل وشراكات مع دول طريق الحرير، كما تطمح لزيادة حجم التجارة بين الصين والشرق الأوسط من 20 مليار دولار إلى 230 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل الرقم إلى 500 مليار بحلول 2020.
وخلال زيارته لمصر وقّع الرئيس الصيني العقد النهائي مع الشركة الصينية، لتنفيذ وتمويل مشروع القطار المكهرب "السلام - العاشر من رمضان" بطول 170 كم بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظيره الصيني شى جين بينج، بتمويل من بنك "أكزيم" الصيني بتكلفة 1.5 مليار دولار يقدمها البنك الصيني في صورة قرض مُيسر يغطى تكلفة تحويل المرافق والإنشاءات والأعمال الميكانيكية والإشارات الكهربائية، وأعمال السكة الحديد و20 قطارًا جديدًا ستعمل خلال هذا المشروع بعد تشغيله ويتم تنفيذ هذا المشروع خلال 24 شهرًا من تاريخ توقيع التعاقد، وسيربط العاصمة الإدارية الجديدة على طريق السويس - القاهرة، فضلًا عن دعم مباشر للاحتياطي المصري يبلغ مليار دولار تم إيداعه في البنك المركزي المصري بالإضافة إلى توقيع البنك الأهلي المصري اتفاقية تمويل بقيمة 700 مليون دولار، كما وقع بنك مصر اتفاقية قرض بقيمة 100 مليون دولار مع مصرف التنمية الصيني.
كما ستساهم التكنولوجيا الصينية في إنشاء محطة كهرباء الحمراوين القائمة على استخدام الفحم والتي ستساهم في زيادة قدرة مصر على إنتاج الطاقة الكهربائية وتصديرها عام 2017.
وتتشابه السياسة الصينية إلى حد بعيد مع السياسة المصرية، فالصين داعم للسلام ولحقوق الشعب الفلسطيني، وضد عمليات التقسيم الجارية للدول العربية ومع التهدئة بين السعودية وإيران وهو ما ظهر في الاجتماع بين الرئيس الصيني وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والاتفاق على دعم السعودية وتهدئة الأجواء بين الرياض وطهران بما يدعم الاستقرار والسلام في الخليج العربي.
وفي تقريرها عن الزيارة عرّفت وكالة شينخوا الصينية، السياسة الصينية فى الشرق الأوسط بأنها سياسة "العلاقات السليمة"، وأوضحت أن الصين من الدول المعدودة في العالم التي تحافظ على علاقات سليمة مع إيران والسعودية وتركيا وإسرائيل في وقت واحد، مؤكدة أن الزيارة تعكس الأولوية الكبرى التي توليها الصين للمنطقة في سياستها الخارجية والعمل على إعادة صياغة دور الصين في الشرق الأوسط وتحديد اتجاه النمو المستقبلي للعلاقات بين الصين والشرق الأوسط.
وتدعم الصين الحرب على الإرهاب، حيث قالت الوكالة إن الصين والشرق الأوسط من ضحايا الإرهاب وهما مشاركان مهمان في التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب، وأن الصين مستعدة لكل جهود هذه المعركة، لافتة إلى أنه خلال السنوات القليلة الماضية ضاعفت الصين جهودها للوساطة في القضايا الحساسة في الشرق الأوسط وقامت بدور فريد في حل الأزمة النووية الإيرانية وقضية جنوب السودان وأزمة اليمن.
وتتميز السياسة الخارجية الصينية بالثبات في مواجهة المعايير المزدوجة في مكافحة الإرهاب وربطه بدين معين وقضايا عِرقية معينة، بمعنى أدق ترفض الصين عملية الاتجار بقضايا حقوق الإنسان أو استخدامها كطريق للتدخل في الشئون الداخلية للدول، وكثيرًا ما عارضت توجه الولايات المتحدة وأوروبا لاستخدام هذا الملف لتهديد العديد من الدول.
 زيارة الرئيس الصيني رفعت العلاقات الثنائية إلى مستوى شراكة استراتيجية شاملة بين الصين من جانب ومصر والسعودية من جانب آخر، وهى إشارة مهمة لدعم الصين للمحور المصري - السعودي الداعم لاستقرار المنطقة، الصين تدخل للشرق الأوسط من الباب الشرعي الوحيد والثابت والتاريخي أيضًا، وتغلق الباب أمام الباب التركي - الأمريكي الذى تلاعب بالمنطقة خلال الربيع العربي، وانتهى لمحاولات تقسيم مستمرة سببها جهله وغبائه واعتماده على المتطرفين الذين يهددون اليوم ليس دول المنطقة فقط، بل العالم كله.