لم يكن عام ١٩٢٤ هو تاريخ إسدال الستار على الخلافة الإسلامية كما يظن البعض، فالحقيقة الثابتة أن الخلافة الإسلامية باتت مجرد صورة باهتة منذ نهاية القرن السابع عشر الميلادى حين افتقد منصب الخليفة المقومات التى كان يقوم عليها وأصبح مجردًا من معظم السلطات الواسعة التى كان يملكها فيما سبق، وذلك بعدما نجحت الدول الاستعمارية فى احتلال معظم البلدان العربية الواقعة تحت السيطرة العثمانية، ما أدى إلى تآكل الدولة تدريجيًا، وتحول الخليفة إلى مجرد شخص يتم الدعاء له على المنابر فى خطب الجمعة فقط، كنوع من التبعية الروحية وهذه التبعية كانت مرفوضة من البعض إذ إن أكثر الشعوب العربية ظل لسنوات طويلة لا يعترف بالخلافة العثمانية ويعتبر الوجود التركى على أرضها احتلالاً تجب مقاومته، لذا فقد صار طومان باى بطلًا شعبيًا لكونه قد حارب الغازى وصمد أمامه حتى سقط فى قبضته وأعدم على باب زويلة بالقاهرة القديمة عام ١٥١٧ وبكاه الشعب المصرى الذى كان يدافع عن أرضه ضد المحتل العثمانى، لكن هذا الشعب الصبور رضخ بعد سنوات طويلة للأمر الواقع واعتبر آل عثمان خلافة جديدة هى الامتداد الروحى للسلطة الدينية السياسية التى تم العمل بها عقب وفاة النبى «صلى الله عليه وسلم»، ورغم ذلك فقد عانى الشعب المصرى وسائر الشعوب العربية التى وقعت تحت الاحتلال العثمانى من اضطهاد ملحوظ من الأتراك، فالوظائف القيادية فى الدولة العثمانية لا يمكن للعرب أن يشغلوها، كما أن الوالى التركى المعين بقرار من السلطان العثمانى كان يحكم بسياسة الحديد والنار ولا هم لديه غير تحصيل الخراج من الفلاحين والتجار وإرساله إلى الباب العالى فى الآستانة ليرضى عنه السلطان ويستمر حاكمًا لمصر أو الشام، وعلى مدار القرون الستة التى قبض فيها الأتراك على سلطة الخلافة كان الأمر لا يسلم من محاولات شعبية للثورة على هذا الحكم وقد حدث ذلك فى أرض الحجاز وفى السودان وفى الشام وفى مصر أيضا، وكانت هذه المحاولات تقابل بالبطش وبكثير من الدماء، وقد أطلق العثمانيون على أبطال هذه المحاولات التحررية لفظ العصاة والذين كانوا يزدادون جيلًا بعد جيل، لاسيما بعد تفشى الفقر والجهل بين الشعوب العربية ما جعل شبابها يبغض تلك السلطة الغاشمة التى تسببت فى تأخر البلاد والعباد، وأكثر الذين يدافعون عن العثمانيين لم يقرأوا سطرًا واحدًا من كتب التاريخ ولكنهم قرنوا الإسلام والخلافة بالأتراك فدافعوا عنها باستبسال واضح كدفاعهم عن دينهم رغم أن المدرك لحقائق التاريخ سيكتشف زيف هذه الأسطورة، فآل عثمان اغتصبوا الخلافة من العباسيين وبعض الناس بايعوهم والبعض الآخر رفض هذه البيعة ونادى بالاستقلال بل قاوم ما يسمى الخلافة العثمانية، والغريب أن الجماعات الإسلامية المنادية بعودة الخلافة والتى تقوم بالبكاء على العثمانيين هم أبناء الحركة الوهابية التى خرجت على العثمانيين ورفضت حكمهم وحاربتهم، ولكى لا يتوه القارئ بين الأزمنة والأمكنة فإننى سأبدأ من المشهد الأخير ثم أعود بطريقة الفلاش باك إلى قصة الخلافة عبر سلسلة مقالات متتابعة ولنبدأ بالمشهد الأخير والذى حدث فى ٣ مارس ١٩٢٤ حين أعلن مصطفى كمال أتاتورك إلغاء نظام الخلافة وقيام الجمهورية التركية وذلك عقب هزيمة تركيا فى الحرب العالمية الأولى والتى تحدثنا عنها تفصيلًا خلال المقالات السابقة، وبإعلان أتاتورك أصبح السلطان عبد المجيد بن عبد العزيز هو الخليفة العثمانى الأخير والذى تولى الخلافة لعامين فقط ثم طرد من الأراضى التركية هو وأسرته، ولا شك أن هذا القرار أحدث دويًا هائلًا فى سائر البلدان العربية فقابله البعض بالفرح والسعادة وقابله البعض بالحزن والاكتئاب، أما الذين قابلوه بالفرح والسعادة فهؤلاء الذين عانوا من قيد الاستعمار العثمانى وقسوته، وأما الذين قابلوه بالحزن والاكتئاب فهؤلاء الذين كانوا يرون فيه سلطة روحية تمتد إلى رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، وهؤلاء هم الذين دعوا إلى مؤتمر يرعاه الأزهر الشريف للبحث عن حل لتلك المشكلة الكبيرة التى يواجهها الإسلام حسبما قالوا.. وللحديث بقية.
آراء حرة
سقوط الخلافة "1"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق