الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بوابة العرب

العدالة الانتقالية في الوطن العربي

بلا أسوار

العزاوي
العزاوي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news



أن مفهوم العدالة الانتقالية هو أحد المستحدثات في العمل السياسي العربي والذي ظهر بعد ثورات الربيع العربي وهذا المفهوم الشائك في تجارب الانتقال الديمقراطي، خصوصًا تلك إلى حدثت عقب انتهاء النزاعات السياسية المسلّحة أو عقب النزاعات السياسية التي صاحبها نشوء حالات عنف مسلح أو تطورات من داخل السلطة السياسية حيث وضعت حدًّا لحكم تسلطي أو استبدادي واتجهت نحو الديمقراطية، ذلك أن هذا الخيار، ظلّ ملتبسًا، وبخاصة إزاء المآسي التي تعرّض لها الضحايا، سواءً خلال النزاعات المسلحة والحروب الأهلية أو في ظل الحكم أو الأنظمة السلطوية الاستبدادية، لا سيّما مسألة الإفلات من العقاب (المساءلة العقابية) من جانب مرتكبي جرائم التعذيب والاختفاء القسري وبقية انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة. وإذا كان الفريق العامل الخاص بالاختفاء القسري قد وضع مسطرة فيها 10 شروط لحالات الاختفاء القسري ( العام 1993- الدورة ال50 للجنة حقوق الإنسان) بهدف عدم الإفلات من العقاب، فإن عوائق وضغوطًا بالغة اعترضت تطبيق مبادئ العدالة الانتقالية، وهي شروط سياسية وقانونية. على سبيل المثال، ظلّ موضوع الإفلات من العقاب في الأرجنتين هاجسًا قائمًا على الرغم من انتقال السلطة إلى المدنيين وتأليف الهيئة الوطنية حول اختفاء الاشخاص عام 1983 ولعلّ تجربة الأرجنتين من حيث شمولها واتساعها، ولا سيّما في موضوع المرتكبين، تقترب من تجارب البلدان الاشتراكية السابقة، وكذلك من التجربة العراقية في الماضي والحاضر، وإذا كانت مسئولية الماضي الأساسية تقع على عاتق النظام السابق وأجهزته الأمنية والحزبية، سواءً عمليات الاختفاء القسري والتعذيب أو التهجير أو العقوبات الجماعية. أن فريق الداعين إلى العدالة الانتقالية على المستوى الدولي أكّد أن المصالحة الوطنية بوصفها السبيل الممكن، والأقل كلفة والأوفر حظًا، للوصول إلى مسار الانتقال الديمقراطي بتحديد المسؤوليات وكشف الحقيقة وجبر الضرر وتعويض الضحايا وإجراء إصلاح مؤسسي ضروري في الأجهزة الحكومية القانونية والقضائية وخصوصًا الأمنية، إضافة إلى دور المجتمع المدني التنويري في نشر وتعميق الثقافة الديمقراطية والحقوقية، ولمنع عودة الماضي. لكن موضوع المساءلة ظلّ يثير أسئلة متناقضة وحادة؛ فوفق أي اعتبارات يمكن ملاحقة المرتكبين؟ هل استنادًا إلى قوانين قديمة كانت نافذة في العهد السابق أو استنادًا إلى قوانين جديدة يتم تشريعها حاليًا ويخضع لها المهتمون بأثر رجعي؟ مثّل موضوع الكشف عن الحقيقة أحد أهم التحديات الكبرى في تجارب الانتقال الديمقراطي بعد المساءلة الجنائية، ولعلّ الكشف عن الحقيقة يشكّل أحد خيارات صدقية رجال السياسة والقانون.
ويمكن إدراج ثلاث ضرورات ومبرّرات للكشف عن الحقيقة. - الأول، رغبة الضحايا وعائلاتهم في معرفة الإجابات عن أسئلة كانت تتواتر: لماذا تم كل ذلك؟
وكيف حصل؟ ومن المسئول؟ ولماذا وقعت كل تلك الانتهاكات والتجاوزات؟ وأين الحقيقة؟ وأي أماكن دفن الضحايا؟ وإلى غير ذلك من الأسئلة المشروعة والإنسانية.
- الثاني، الرغبة في عدم طمس الماضي، فالماضي أساس الحاضر والمستقبل ولا بدّ من توحيد الذاكرة وتوثيقها، ولا بدّ أيضًا من معرفة تفاصيل ما حدث. لكي لا ننسى؟
- الثالث، الرغبة في معرفة الحقيقة كاملة بكل عناصرها.
والسؤال: هل يمكن معرفة كل شيء؟
هل في إمكاننا إدراك ما حصل بتقادم السنين، وربما يرغب بعض صناع القرار في مثل ذلك، مثلما يذهب البعض ممن أرادوا النسيان. لكن وفق تجارب الكثير من البلدان حتى الآن لم يتم التوصل إلا إلى نتائج محدودة. تتطلب العدالة الانتقالية كشف الحقيقة أولًا، ثم المساءلة وإنصاف الضحايا وتعويضهم وجبر الضرر، وذلك تمهيدًا لإصلاح الأنظمة القانونية والقضائية والأمنية، وذلك لمنع تكرار ما حدث ووضع حد له في المستقبل، ناهيك عن إعادة تثقيف للمجتمع ككل بروح العدالة والتسامح.