السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الفساد و"سنينه"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعيش المصريون هذه الأيام حالة من الجدل المحبط أمام العديد من القضايا الاستراتيجية المتصلة بحيواتهم الخاصة والعامة، منها ما يتعلق بمستقبلهم المائى الذى يبدو «صراع الحصة» لمواردهم، قد بدأ فور إعلان إثيوبيا البدء فى تنفيذ إنشاء سد النهضة، وتفاقم الجدل حول ردة فعل القيادة السياسية حول المشكلة التى تتدحرج وتكبر فى وجوههم، وتكاد تصيب الشعب كله بالقلق، من أن يصحوا الجميع على نهرهم الخالد، وقد تحول إلى ترعة طويلة بائسة تموت الحياة على جانبيها، بعد أن كانت ضفتاه تفيضان بالخير والنماء.
ورغم أن القيادة السياسية ما زالت تبحث المشكلة، إلا أنها تبدو بطيئة إلى حد مزعج فى ردة فعلها وسرعة هذه الردة، وآخر ذلك الاجتماع الذى بحث فيه السيسى مع وزيرى الدفاع والرى ورئيس المخابرات، ما توصلت إليه حتى اﻵن مفاوضات سد النهضة فى اجتماع هو الأول من نوعه منذ توليه مهام منصبه، وكذا منذ تفاقم أزمة السد مع إثيوبيا.
الاجتماع استمر أكثر من ساعتين، فى أمر اعتبره مراقبون «بمثابة رسالة مقصودة موجهة إلى إثيوبيا بأن الأمر يبحث جديًا من قبل القيادة المصرية، وفى استحضار لما رأى متابعون أنه قد يمثل خيارات كانت مستبعدة طوال الفترة الماضية، على الرغم من أنها كانت مطروحة من قبل فى عهدى الرئيسين أنور السادات وحسنى مبارك، اللذين كانا وجها تهديدات صريحة إلى إثيوبيا بضرب السد حال التفكير فى إقامته».
فى قلب هذا الجدل جاء انفجار قنبلة الفساد، ليثير حالة من «التوهان العام» على كل الصعد والطبقات، ويكاد المشهد العام أن يتحول إلى شظايا متنافرة تدافع كل «شظية» منها عن قناعاتها الخاصة بالأزمة، وإن لم يخف الجانب الاقتصادى عن الشهد العام فى ظل الرقم المفزع الذى أعلن عنه وهو ٦٠٠ مليار جنيه، ففريق يذهب إلى أن الإعلان عن نهب هذا الرقم يؤثر على نظرة المستثمرين للنظام العام فى مصر، وقلقهم على استثماراتهم ما يسبب تراجعًا حادًا فى التوجه نحو المستقبل بعافية اقتصادية مرجوة، وفريق يرى فيما حدث بداية حقيقية لمواجهة «غول» الفساد، الذى يكاد يبتلع الحاضر، وفريق «متخصص» يرى عبثية ما يحدث فى محاولات متعددة للحكومة لطمس الحقائق والتعامى عن المشكلة، أو على الأقل تحجيمها، فى حين يفترض فيها -وهى تقوم بإعادة البناء- أن تبنى «على نضافة»، وبدون معوقات قد يكون الفساد أهمها على الإطلاق، لكن المشكلة أن أحدًا من أى فريق منهم، لم يطالب بالتحقيق فى تقرير جنينة المفزع، وتحولت القضية إلى مطالب بإزاحة الرجل عن منصبه، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
المشكلة أننا جميعًا نعرف أننا فى مستنقع عميق من الفساد، بدءًا من أصغر رشوة يدفعها المواطن «لتمشية حاله»، وانتهاءً بالاستيلاء على أراضى الدولة، ووضع اليد على الصناديق الخاصة، وإهدار مقدرات الدولة فى السرقة والنهب أو تبنى سياسات غبية، تساعد على تبديدها و«تصحيرها»، وأننا جميعا نعرف أن السياسة الوحيدة التى تلقى إجماعًا كاسحًا بين عموم الشعب، هى سياسة «شيلنى وأشيلك» صاحبة المقام الرفيع فى الكوارث الوطنية، التى يعايشها الجميع على أنها أمر قدرى لا فُكاك منه، والمشكلة أننا جميعًا غير مقتنعين بجدوى مواجهة الفساد -العام والخاص، لأن الجميع يمارس الفساد بشكل أو بآخر والأمثلة بلا حصر.
بدأ الفساد ينخر فى عظام الدولة منذ زمن القطط السمان أيام السادات، وبدأ يترسخ فى بدايات حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، الذى أسهمت سياساته الداخلية المتواضعة فى «منهجة الفساد والمفسدين»، من خلال مرتبات الولاء، التى كان يمنحها لمن يشاء من الراضين عن سياساته الفاشلة، ومن المدافعين عنها، وحين ترسخ ذلك الفساد «الفوقي» كان سهلًا على عموم الناس أن «ينولوا من الحب جانب» فتحللت مجموعة القيم التى كانت تحكم سلوكيات الناس، وقفزت قيم أخرى غريبة و«مستخرجة» من واقع الحال ومن تسارعاته أيضًا، وهبطت قناعات مراوغة تبرر الأخطاء، وتمنحها أفقًا من الجدل الواسع الذى يساهم بدوره فى تفتيت المجتمع على ما فيه من تفتيت، وتحول الجميع إلى قضاة ومتهمين فى نفس الوقت.
ما نحتاجه فى المرحلة الراهنة هو الاتفاق العام على جملة أهداف على رأسها مواجهة الفساد و«سنينه»، وجدولة تلك المواجهات، بحيث تكون أهدافًا قومية، يجب تنفيذها، وتغيير المنظومات التى ثبت فشلها، ومنها المنظومة التعليمية، والصحية، والإدارية، والتخطيطية، ومنظومة الأجور الظالمة، ولن تتعافى الدولة بغير تلك المواجهة التى تشبه حربًا شاملة يجب ألا يكون فيها هوادة ولا رحمة.