يقول المرجع الإخواني أبو الأعلى المودودي في كتابه "منهاج الانقلاب الإسلامي": "الإسلام فكرة انقلابية ومنهاج انقلابي يريد أن يهدم نظام العالم السياسي بأسره ويؤسس بنيانه من جديد حسب فكرته ومنهاجه العلمي".
ويضيف: "والإسلام يتطلب العالم كله ولا يقنع بقطعة أو جزء منه وإنما يتطلب العالم كل العالم ليقيم فيه حاكميته".
بهذه الكلمات المنمقة، جاءت تلك الفكرة الشيطانية لأبي الأعلي المودودي "الحاكمية" التي لا يخفي على من اشتم رائحة العلم ما تحمله من مخالفات شرعية وعقدية تجعل الإسلام مجرد حركة سياسية تسعى فقط للهيمنة على الدنيا باسم الدين، وتحصر الغاية التي بعث الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم في أمور الدنيا وحدها وتخلع عنه ثوب النبوة.
ولأول مرة في التاريخ الإسلامي يظهر مصطلح "الحاكمية"- وإن كانت له أصول لدى فرقة الخوارج- إلا أنهم زادوا على ما كان لدى تلك الفرقة المارقة باعتبار "الحاكمية" أصلا من أصول الدين، وأحد أركان الإيمان، ليصبح منطلقا لفكر كل الجماعات المتطرفة التي خرجت من عباءة الإخوان فيما بعد، والتي أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن، وكأي فكرة منحرفة بارك أعداء الأمة ذلك الوليد الجديد حتى صار فتا يافعا وشكل خنجرا مسموما في جسد الأمة، فصار انقلابا على الإسلام.
لقي هذا المصطلح ترحيبا من قيادات الجماعة ومفكريها وصار منهجا في كل كتاباتهم ومؤلفاتهم وتعاملهم مع الحاكم والمحكوم، وهو ما يمكنك أن تراه في كتاب "معالم في الطريق" الذي اعتبره الكثير من الكتاب والباحثين خطأ المرجع الأول للجماعات التكفيرية، والحقيقة أن سيد قطب قد استمد هذه الفكرة التي اتخذها عمودًا فقاريا في كتابه "في ظلال القرآن" من أبي الأعلى المودودي.
وظلت نظرة الإخوان للإسلام على أنه "فكرة انقلابية" مسيطرة على قياداتها حتى جاء فتحي يكن واستلهم الفكرة من سابقيه ودَوَّن مؤلفا من أمهات مراجع الجماعة وهو كتاب "الإسلام فكرة وحركة وانقلاب" وهو ما يعكس ذلك التشوه الفكري والعقدي لديهم لما يلي:
أولا: اعتباره أن الإسلام "فكرة" تنسف مسألة الوحي والنبوة من أساسها وتدعم نظرة المستشرقين إلى النبي صلى الله عليه وسلم على أنه شخصية عبقرية وصاحب فكر فلسفي وليس نبيا يوحى إليه من السماء، وكأن النبي صلي الله عليه وسلم اخترع دينا من عنده وأسماه الاسلام وأرسل اتباعه لتحقيق مصالح شخصية.
ثانيا: اعتباره الإسلام "حركة" والحركة تنفي أيضا أن الإسلام أتى بوحي من السماء باعتباره عاملًا بشريًا من عند مخترع الحركة ومؤسسها يتيح له المراوغة والمداهنة والدخول في صفقات من أجل تحقيق مصالح ذاتية.
ثالثا: أما مسألة أن الإسلام مرادف للانقلاب، فأمر يثير العجب، فعلى أي شيء انقلب النبي صلي الله عليه وسلم؟! وهل كان النبي والصحابة رضوان الله عليهم يسعون إلى "انقلاب" على سادة مكة ليحلوا محلهم في الحكم ومن ثم يبدأون في نشر الدين؟!
فلو كان النبي صلي الله عليه وسلم يريد أن يصل الى الحكم أولا ليطبق شرع الله، وينشر دينه فيما بعد، لما تردد عن ذلك لحظة واحدة، إلا أنه أبى ذلك حينما جاءه وفد من مشركي مكة يعرضون عليه المال والإمارة كما أخبرنا القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة الشورى: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ).
ليس الغاية من الحديث في هذه المسألة الهجوم فقط علي الجماعة وليس كلامنا موجها لقياداتها فقد فات الأوان على إفاقتهم من غفلتهم، حسبنا فقط هنا لفت نظر المخدوعين فيها، قبل أن يقعوا في ذلك الشرك الشيطاني يوم لا ينفع الندم.