لم يكد مجلس النواب يلتقط أنفاسه حتى انهالت ضده حملات التشويه .. فراح "نوشتاء" الفيس بوك يمارسون هوايتهم المقيتة في السخرية والتندر على أداء بعض النواب من جهة .. كما قامت ميليشيات الإخوان الإلكترونية بالتبشير برسوب مجلس النواب من أول جلسة .. مما يكشف حجم المؤامرة الدنيئة التي تحاك ضد الوطن .. فيما تناسى المغرضون هذا الإنجاز الكبير رغم الظروف الخطيرة التي تحيط بمصر من كل جانب.
فبانعقاد جلسات مجلس النواب، عادت مصر مرة أخرى للساحة الدولية عبر اكتمال شخصيتها القانونية أمام العالم بوجود مؤسساتها الدستورية الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، والتي تعرضت لهزة عنيفة عقب 25 يناير ، وخسرت مكانها الدائم في البرلمان الدولي ، بعد قرار تجميد عضويتها في أكتوبر عام 2013.
ورغم كل الانتقادات التي قد توجه لأداء النواب ورئاسة المجلس خلال الجلسة الإجرائية الأولى ، إلا أن وجود المجلس واستمرار عمله التشريعي والرقابي ، وحتى التشاحن السياسي بين أعضائه يعد أمرًا في غاية الأهمية لإحياء العمل السياسي والبرلماني في مصر بعد سنوات من غيابه ، فما نراه إرهاصات لضعف الخبرة البرلمانية ، ستنتهى بعد فهم النواب لدورهم وقدر مجلسهم.
حتى الانتقادات الشعبية لأداء البرلمان أراها ظاهرة صحية و في محلها تماما ومطلوبة لضبط ممارسة النواب القدامى والجدد، الذين يجب أن يعرفوا أن سيف النقد الشعبي هو الذى سيهذب سلوكهم البرلماني وينبههم لمطالب الناس التي وضعت ثقتها فيهم ، ما يحدث فى البرلمان يؤكد أن مصر تغيرت والممارسات القديمة لا يمكن استنساخها أو إعادة تشكيلها مرة أخرى ، فالمصريون لن يقبلوا بأنصاف الحلول أو التمثيل الشكلي لنواب البرلمان بعد ثورتين ، ولعل رفض لجنة القوى العاملة بالإجماع لقانون الخدمة المدنية المثير للجدل، يؤكد أن المجلس لن يكون أداة طيعة في يد الحكومة كما يروج البعض .
أول المطالبين باعتذار للمجلس هو الدكتور محمد البرادعى ، الذى ظهر علينا بإحدى تويتاته السياسية وربط بين تعيين المستشار سرى صيام ورئاسة المجلس ، وهو ما لم يحدث وجاء رئيس المجلس من الأعضاء المنتخبين وضاعت على البرادعى أول محاولة لتشويه المجلس.
بالمعايير الدولية للتمثيل البرلماني ، كل مكونات المجتمع ممثلة في البرلمان الحالي من نسب تمثيل المرأة والأقباط والشباب وذوى الاحتياجات الخاصة، يبقى سعي المجلس لإقناع الشارع بأهمية دوره ، ومن ثم إقناع العالم بأن مصر استقرت وتنتظر تعاون العالم معها ، وحينما التقطت قوى الفوضى حديث بعض النواب عن ما وصفوه بالتدخلات الأمنية فى تشكيل ائتلاف دعم مصر ، بدأت الهواجس تعود مرة أخرى إلى أن سقطت عمليًا بانتخاب سليمان وهدان وكيلا للمجلس من خارج الائتلاف فى تجربة ديمقراطية محترمة شاركت فيها أحزاب المصريين الأحرار ومستقبل وطن والمستقلون وهو ما ينبئ بوجود أغلبية ومعارضة داخل المجلس.
وخلال زيارته الأخيرة لمصر قال مرزوق الغانم، رئيس الاتحاد البرلماني العربي و رئيس مجلس الأمة الكويتي، إن الاتحاد يواصل جهوده لإعادة مصر إلى عضوية الاتحاد البرلماني الدولي، لاستعادة دورها الرائد عربيًا وإقليميًا ودوليًا عقب انتخاب رئيس للبرلمان حتى يتسنى التقدم بطلب لإعادة عضوية مصر وبرلمانها، لممارسة دورها الطبيعي والرئيسي والمهم في منظومة البرلمانات العربية والدولية مشيرًا إلى أنه اتفق على ذلك مع ممثلي الاتحاد البرلماني الدولي، خلال لقائه معهم قبل أيام في جنيف.
الخبر الجيد فى ذلك هو أن عودة البرلمان لدوره الدولى سيساعد مصر في الحصول على تصنيف ائتماني مستقر في تصنيفي موديز وفيتش الاقتصاديين وكذلك حصول مصر على قروض من البنك الدولي والبنك الأفريقي اللذين ينتظران موافقته لإرسال أولى أقساط القروض المتفق عليها مع الحكومة المصرية والتي تتخطى الـ 8 مليارات دولار أكثرها موجه لتنمية القطاع الخاص يخصص منها 3 مليارات لدعم الموازنة العامة منها الشريحة الأولى التي وقعت عليها الحكومة بقيمة مليار دولار .
أما مجلس إدارة بنك التنمية الإفريقي، فقد وافق على توفير قرض ميسر بمبلغ 500 مليون دولار في إطار برنامج شامل للتنمية الاقتصادية ودعم الموازنة العامة، بإجمالي 1.5مليار دولار على ثلاث سنوات.
كل هذه الاتفاقيات وغيرها تحتاج إلى وجود البرلمان، وإلى فاعليته في مناقشتها حيث سيعرض عليه اتفاقيات التنقيب عن البترول، والخطة والموازنة العامة للدولة ، إضافة إلى الحساب الختامي لـ2015 ، بعدما رفض الرئيس السيسي، اعتمادها كي يقوم المجلس بدوره في مراجعتها.
إقليميا ينتظر العرب عودة البرلمان للساحة؛ لاستكمال الدور الإقليمي المطلوب لمصر خاصة في الملفات الشائكة المفتوحة مثل الأزمة السورية والليبية واليمنية والتدخلات الإيرانية في المنطقة وتهديداتها للخليج ، كما نحتاج البرلمان أفريقيا لاستكمال تعامل الدولة مع أزمة سد النهضة .
نحتاج البرلمان للتعامل مع الكونجرس الأمريكي والبرلمان الأوروبي والمنظمات الدولية التي تترقب البرلمان المصري وتسعى للتعاون معه ، مصر تحتاجه للرد على الانتقادات الدولية المتعددة ، وحتى التآمر الدولي على مصر يحتاج كلمة وتحركا من نواب الشعب لنواب العالم .
قد يكون أداء النواب غير مقنع، ومنهم من يحب الشو الإعلامي، وحديث العهد بالعمل البرلماني ، لكن التجربة الديمقراطية بالتأكيد ستصقله بعد سنوات من التجريف والهدم ، إلا أن أصعب ما يمكن أن يواجه المجلس هو التشويه المتعمد لكل مخرجاته ، ذلك التشويه الذى يمكن أن يقضى على أهميته ودوره ونظرة العالم له ، وسنكون نحن أول المتضررين منه ، لأن كل محاولات الدولة لزيادة التعاون الدولي، وجلب الاستثمارات ستتعطل ليعود كما كان الحال بعد 25 يناير حينما أغلق اكثر من 6000 مصنع، وتشرد ربع مليون عامل بسبب حالة السيولة السياسية وعدم الاستقرار .
وعلى نواب الشعب، أن يعوا أيضا دقة الظروف المحيطة بالبرلمان ، وأن ينتبهوا إلى ما يحاك له من مخططات لشل فاعليته لصالح قوى الفوضى والهدم وعدم الاستقرار ، وعلى رئيس المجلس الدكتور على عبدالعال، أن ينتبه للرسائل السياسية والإشارات التي ستصدر عنه سواء للداخل والخارج وأبرزها انتخابات رؤساء اللجان وتصرفات الأغلبية ، والتعامل بحزم مع أي عضو يخل بواجباته البرلمانية.. الشعب ينتظر منكم أداءً منضبطًا يرتقى لمستوى طموحات الشعب .. أنتم في مهمة خطيرة ودعم الناس مرهون بما ستقدمونه لهم .