السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الخراب المستعجل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بتصريحه الشهير، أن «٩٩٪ من أوراق اللعبة فى يد أمريكا»، أدخل السادات الرئيس المؤمن الأسبق مصر والمنطقة العربية والشرق أوسطية برمتها، مرحلة جديدة من الاستسلام التام للعمى الأمريكى الذى يرى ويسمع بعيون وآذان إسرائيلية خالصة، ومكنت ساكنى البيت الأبيض من التصرف وفق الهوى الصهيونى، الذى اعتبر تصريح السادات المتسرع وغير المدروس بل والأحمق، بمثابة نصر استراتيجى غير مسبوق يعادل إعلان دولة إسرائيل فى ١٥ مايو ١٩٤٨ الذى سجل فى التاريخ الفلسطينى والعربى باعتباره «عام النكبة»، لتبدأ بعده التداعيات الدراماتيكية على حاضر المنطقة ومستقبلها الذى أصبح مشكوكًا فيه على جميع الصعد والزوايا، لتجيء بعدها مرحلة الإخفاقات الجيو سياسية والتراجعات الاقتصادية التى تمثلت فى تحطيم أنموذج القاعدة الصناعية التى بناها المصريون بالدم والحرمان والدموع، والتى كادت تحول مصر إلى بلد متقدم كما حدث للنمور الآسيوية التى بدأت بعد مصر وتقترب الآن من مصاف الدول الغنية.
كان هدف السادات الذى وضعته أمريكا له بعد استسلامه المطلق للكاوبوى المغامر، هو تحويل مصر من بلد منتج مصدر، إلى جمهورية بائسة من جمهوريات الموز اللاتينية التى تعيش فى «كنف» أمريكا وبفضل مساعداتها الاقتصادية التى تمنحها قبلات الحياة بلا إرادة حرة ولا استقلال فى قرار وإنما تبعية مطلقة، وألقى السادات بحاضر بلاده ومستقبلها فى مهب الريح والأنواء والفقر والحاجة، فازدادت مصر فقرًا على فقر، وكان انفجار القنبلة السكانية بمثابة إشهار إفلاس علنى لنظام أحمق حاصر نفسه بنفسه بمعاهدة كامب ديفيد المشبوهة التى كانت آخر مسمار فى نعشه، بعد أن امتنع العرب الذين بدت عليهم علامات الثراء التى يسميها مثقفو الخليج بسنوات «الطفرة» التى تمت أيضا برعاية أمريكية خالصة، لأن تريليونات الدولارات من العوائد النفطية لم تخرج من الخزائن الغربية وما زالت حتى الساعة تدور فى رحى الاقتصاد الأمريكى والغربى، فى شكل أذون خزانة وشراكات عملاقة فى عجلات الصناعة التى تضع إسرائيل أولًا، وقبل أصحاب المال على أولويات مساعداتها، ولم تكن مظاهر الترف التى أصيبت بها هذه المجتمعات الصحراوية إلا نتيجة «للفتات» الأمريكى، بل إن الثمانينات شهدت رفض الملك خالد بن عبدالعزيز لأن تتسلم المملكة السعودية عشرات المليارات من الدولارات أرباحًا من شراكتها الاقتصادية لأمريكا، باعتبارها مالًا «حرامًا»، ولايجوز استلامه حسب «الشريعة» الوهابية التى تشارك آل سعود الحكم من وراء «حجاب»، فتحولت هذه المبالغ الطائلة إلى برامج المساعدات الخارجية للدول الموالية للسياسة الأمريكية وإلى دعم غير محدود حصلت عليه إسرائيل وساهم فى إطلاقها برامج تصنيع عسكرية، وفى دعم برنامجها النووى فى مفاعل ديمونة، لكن الملوك الذين خلفوا خالد لم يأنفوا من استلام تلك «الحصص» ودمجها فى الاقتصاد السعودى القائم على صناعة النفط، ثم تنويع مكونات احتياطيات هذا الاقتصاد - الذى تشكل السندات الأمريكية ما بين ٧٠ و٩٠ بالمائة منها، وغير بعيد عن الذاكرة فإن الأزمات الكبرى للاقتصاد الأمريكى دفعت دول الخليج جزءًا من «ثمنها»، وكان آخرها أزمة عام ٢٠٠٨ حيث عانى الاقتصاد الأمريكى من محصلة ثلاث سنوات على التوالى من الأزمات المتتالية، وكان أبرزها أزمة المضاربات على شركات المعلومات والإنترنت، ثم أزمة أسعار العقارات التى انهارت بسبب تخلف ملايين الأمريكيين عن دفع أقساط العقارات، وهكذا تتحكم الولايات المتحدة - التى تتحكم الرغبات الإسرائيلية فى سياستها الخارجية المتعلقة بالشرق الأوسط - فى صناديق المستقبل الخليجى أو ما يسمى «صناديق الأجيال» أو «صناديق الثروة السيادية» التى تزيد قيمتها على عدة تريليونات دولار «التريليون يساوى ١٠٠٠ مليار دولار»، وبالتالى فإن الاستثمارات السعودية فى أى بلد عربى وخصوصًا مصر محكومة بالأداء الاقتصادى الأمريكى، ولأن السياسة السعودية تدور فى الفلك الأمريكى مثل الاقتصاد، دخلت السعودية حربًا تدميرية ممنهجة ضد اليمن الفقير بدعوى إعادة «الشرعية» وتتكلف عشرات الملايين من الدولارات يوميًا، وما زالت تنفق مئات الملايين من الدولارات على التنظيمات المسلحة التى حولت سوريا لأرض خراب، وأهمها جبهة النصرة وجيش الإسلام إضافة للعديد من جهات استقدام المرتزقة عبر تركيا وتحت جناحها الشمالى، وكادت مملكة آل سعود أن تدخل المنطقة فى أتون حرب مذهبية قد تأتى على الأخضر واليابس فى المنطقة بأكملها، وذلك عبر محاولتها تفجير الصراع السنى الشيعى وإعلانها تحالفًا «سنيًا» قبل أسابيع قليلة، لينهض فى وجه الجمهورية الإيرانية لخلط الأوراق فى المنطقة، وتفجير الدول العربية من الداخل، وهو ما يمنح النظرية الأمريكية «الفوضى الخلاقة» التى فشلت فى تحقيق هدفها الأساسي، وهو إعادة رسم خريطة المنطقة، ويعطيها «قبلة الحياة» التى ستكون خرابًا مستعجلًا قد يعيد الدول العربية إلى النقطة «صفر»، وينقل إسرائيل من حالة «الحق» فى الحياة إلى أن تحيا وحيدة فى المنطقة، وتتوسع كيفما شاءت من أراضٍ أصبحت أطلال دول وليس لها «صاحب».