الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"ازدواجية المعايير" خلقت "ازدواجية الضمير"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بدأ العام الجديد وإعلامنا يعلن عن نفسه وعن استمراره فى الدور السلبى الهدام الذى لا يبنى وطنًا أو ينقذ أمة مهددة من بين يديها ومن خلفها، وكأنه يهنئنا قائلا: «كل عام وأنتم ضائعون ومغيبون».. فنودع عامًا مضى ونستقبل عامًا جديدًا بحلقات التنجيم والأبراج والنبوءات والتى تمتد لساعات فى كل البرامج وفى كل القنوات، ليستمر التغييب والإلهاء ونجد أنفسنا محاصرين ببرامج تبث الفتن وتشكك فى الدين، وأخرى تغزونا بألفاظ وموضوعات تقضى على الحياء وتحرض على الإباحية مثل «أبلة فاهيتا» و«نفسنة» اللذين يتنافسان فى الألفاظ والموضوعات المبتذلة.. ونجد إعلاميينا يدعون بكلماتهم إلى الفضيلة ويبثون فى برامجهم الرذائل، ويدعمون الأجندات الغربية التى تستهدف طمس عقولنا وهويتنا، ونحن «سائرون نياما» لا نعى إلى أين نحن ذاهبون.. فنجد الصحفى الكبير «ممتاز القط» يستضيف فى بداية العام دجالة تسمى «فاطيما» تدعو المتصلين لإطفاء النور قبل محادثتها!!.. لنشعر وكأنهم سيستحضرون العفاريت كما نرى فى الأفلام والمسلسلات!!.. ثم يستضيف برنامج «خلاصة الكلام» على قناة «الحياة» أحد المدعين والذى يعتقد نفسه المهدى المنتظر، ويتركون له المساحة لكى يتحدث فى خرافاته والتى من ضمنها أن الكعبة الشريفة ليست فى مكة المكرمة وإنما فى منطقة الأهرامات!!.. وننتقل من الإباحية والتغييب، لما أصاب مجتمعنا من أمراض فرغم أننا نغضب ونحن نواجه ازدواجية المعايير فى تعامل الغرب مع قضايانا، ولكن للأسف تنتقل العدوى إلينا كمجتمع دون أن ندرى لنتعامل مع أنفسنا بنفس الازدواجية!!.. ويتعرى مجتمعنا ليظهر على حقيقته، ففى إحدى حلقات الإعلامى الكبير «وائل الإبراشي» والتى تجلى فيها ازدواجية الضمير والمعايير، حيث تمت استضافة «سلمى» بطلة كليب سيب إيدى بعد إطلاق سراحها، حيث كان قد تم القبض عليها فى أحد الكافيهات فى المهندسين، لاتهامها بالتحريض على الفسق والفجور من خلال الكليب، وتم الحكم عليها بالفعل سنة حبسًا تم تخفيفها إلى ستة أشهر مع الخضوع لمراقبة الشرطة لستة أشهر أخرى.. والغريب أن المجتمع بمثقفيه وفنانيه الذين كانوا ينتفضون عند أى تدخل أو رقابة على أى عمل مهما كانت ركاكته وابتذاله بدعوى أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر والفن لا يواجه إلا بالفن، لم يحركوا ساكنا رغم أنها لم تفعل أكثر مما رأيناه فى العديد من الكليبات والأفلام أو ما تفعله فنانات الرقص الشرقي!!.. أما الأغرب أنها بدت مستسلمة لكل ما تعرضت له من إهانات ولعنات من المتصلين، بل كانت ترد بكل أدب واحترام بأنها فعلت ذلك أسوة بالكثير من الفنانات من أجل تحقيق الشهرة سريعًا، ولم تدافع عن نفسها سوى بأنها لم تمنح فرصة لكى تحسن من نفسها وتقدم فنًا جيدًا، وتساءلت «إشمعنى أنا»!!.. واستفزنى رد أحد المشاهدين المتصلين وهو يسألها «هل ستقولين عند الحساب أمام الله إشمعنى أنا».. متناسيًا أن الله العادل الذى حرم على نفسه الظلم لن يحاسب الضعفاء فقط بل سيحاسب كل منا على فعله وقوله، «فما من قول يقال إلا لديه رقيب عتيد» وسيحاسبنا أيضا على قدر رحمتنا بخلقه، وسيحاسب كل من قدم أعمالًا مخلة وحرض على الفسق والفجور أو حرض الطبقات على بعضها، أو حرض على الفوضى!!.. لن يفرق الله بين عباده كما نفعل نحن كمجتمع يسجن «سلمى» ويراقبها ويلعنها، ويقبل بمن يماثلها فى مقعد المنظرين السياسيين!!.. كيف لنا أن ننتظر العدل ونطالب به ونحن كمجتمع لا نرحم ولا نعدل ونجلد الضعيف ونصفق للقوى على نفس الشىء!!.. فنعاملها بكل القسوة لضعفها، ويتسابق المجتمع مع من يماثلها للتعارف والتصوير، فالعبرة ليست فى العمل، وإنما فى قدر القوة الذى يتحقق بالشهرة والمال، والنفوذ الذى يتأتى بالعلاقات مع الشخصيات العامة والمهمة، هل من العدل أن تحاكم على ما يكرم به غيرها!!.. فالعقاب لا يقع إلا على الضعيف، ونحاكمه ونجلده، بينما القوى الذى يستند إلى المال والشهرة والعلاقات الاجتماعية تفتح له الأبواب المغلقة ويعامل وكأنه من أرباب الفضيلة.. فالكبار حين يقدمون الابتذال والفجاجة ويحرضون على الفجور نسمى ما يفعلونه فنًا وإبداعًا، وتنطلق الأقلام والألسن للدفاع عنهم وعما يسمونه حرية إبداع، وحين يتخذهم البعض قدوة وتغريهم هذه الصورة الذين يريدون من خلالها أن ينالوا نفس الشهرة والمال والمجد تنهال عليهم اللعنات وكأنهم ليسوا ضحية لمجتمع يتعامل بمائة مكيال ومائة ضمير.. نحن نحتاج للفن الجيد والأعمال الراقية، ويجب أن نحارب السوقية والابتذال والفجاجة، ولكن يجب أن تكون معاييرنا واحدة، فمن الظلم أن نحاكم «سيب إيدي» الذى لم يذع سوى على اليوتيوب فقط!!.. فى الوقت الذى نفتح فيه الشاشات للبرامج التى تقتل الحياء وتنشر الإباحية، وتخترق بيوتنا فلا نستطيع حجبها حتى عن الأطفال، ومن الظلم أن نجلدها بكلماتنا فى الوقت الذى تستضاف فيه الراقصات والفنانات ممن لا يقللن ابتذالا ويستقبلن استقبال الفاتحين!!.. نحن نحتاج لاستعادة ضميرنا وإحيائه، حتى لا نهلك بازدواجيتنا وينطبق علينا الحديث الشريف: «لقد هلك الذين من قبلكم لأنهم كانوا إذا سرق فيهم القوى تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد».