هو واحد من كلاسيكيات أفلام السينما المصرية أيام الأبيض والأسود، «رصيف نمرة خمسة» تم عرضه ١٣ فبراير ١٩٥٦، من إخراج نيازى مصطفى وبطولة فريد شوقى وهدى سلطان ومحمود المليجى، يحكى عن «الشاويش خميس» أحد رجال القوات البحرية الذى تقتل زوجته ويسرق سلاحه فيفصل من الخدمة على يد عصابة لتهريب المخدرات، وكلما توصل الشاويش خميس إلى خيط يمكنه من إيقاع العصابة، يذهب على الفور إلى زكى رستم يبلغه ويطلب نصيحته، وتفشل خطة الشاويش خميس، حتى يكتشف فى نهاية الفيلم أن زكى رستم هو زعيم العصابة.
الحكاية دائمًا مكررة ليس فقط فى عالم المخدرات، ولكن فى كل مناحى الحياة عندما يلجأ المظلوم إلى كبير الظلمة، يطلب منه الإنصاف ورد الحقوق إلى أهلها، وحتى فى عالم السياسة كنا نرى أحزابًا من المفترض أنها ثورية تشكل وفودا، وتجمع توقيعات وفى النهاية تذهب بها إلى زكى رستم السياسى تطلب منه الإنصاف.
ورغم مرور سنوات وراء سنوات وتعاقب أجيال وراء أجيال وتراكم خبرات وراء خبرات، لكننا ما زلنا أسرى الذهاب بالمظالم إلى كبير الظلمة.
آخر مظلمة هى تلك المطالبات المقدمة للأزهر الشريف تناشده بتجديد الخطاب الدينى، وهى مناشدات ومطالبات قديمة تتجدد مع كل حادث إرهابى، نكتشف بالصدفة أن أبطاله من خريجى الأزهر الشريف.
لكن الأزهر الشريف «ودن من طين والأخرى من عجين».
وهنا نتوقف أمام المناهج التى يتم تدريسها فى الأزهر ونوعية هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم علماء الأزهر الشريف.
ونتساءل عن علماء الأزهر، ما قدراتهم العلمية والفكرية والحضارية؟ أغلب من يدخل الأزهر يكون موقنًا بأنه لن يكون من الناجحين بالتعليم العام، وأغلبهم من أبناء أسر ذات حضارات ريفية لا ترعى الثقافة والتطور الحضارى حق رعايتهما، وهم يدخلون مضمار التعليم بدولة ترتيبها فى كفاءة العملية التعليمية رقم ١٣٩ من أصل ١٤٠ دولة، ولا يدخل منهم الكليات الشرعية من خريجى الثانوية الأزهرية إلا أضعف الطلاب الناجحين بالثانوية الأزهرية، لأن أصحاب الدرجات العليا يلتحقون بطب الأزهر أو الزراعة أو التجارة، وهم يدخلون جامعة الأزهر التى يقع ترتيبها ٨٠١٩ على مستوى العالم.. وبالترتيب الأخير من بين كفاءة التعليم بجامعات مصر، وهم يدرسون النتاج الفكرى والفقهى للأقدمين بلا تطوير.. فعلومهم ومناهجهم الدراسية منذ عصر التدوين أى منذ أكثر من ألف سنة.
ومن العجيب أن هؤلاء بعد التخرج نقوم بتسميتهم علماء رغم أن أحدًا منهم لم يُقَدّم للفقه ولا السيرة ولا الحديث النبوى أى جهد جديد يُذكر، ولم يُقَدّم أحدهم للمجتمع أى نتاج متطور يعتد به.. ومع هذا فنحن اتفقنا على تسميتهم علماء، ويرجع المستشار أحمد عبده ماهر أصل هذه التسمية إلى أن الأزهر كان المعهد العلمى الوحيد بمصر قبل أن تكون هناك بمصر مدارس أو جامعات.. فكان من يتخرج فى الأزهر يسمونه عالمًا لأن باقى الشعب كان جاهلًا.
أما اليوم -والكلام ما زال لسيادة المستشار- فمن العار أن نسمى هؤلاء علماء وهم وسط وحوش من الثقافة والعلوم والعلماء من خريجى الجامعات الأجنبية والمصرية وأهل الحضارات المتقدمة.
ويضيف المستشار ماهر فى بحث آخر، يروى ابن حنبل، والحاكم، وابن ماجة، والترمذى، وابن أبى شيبة حديثًا واحدًا ينسبونه لرسول الله هو:
«العهد الذى بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر».
فهل يكفر الشخص لترك واجب أو فريضة.. نعم قال بذلك الإمام النووى.. ويرى السادة ابن تيمية والنووى وغيرهما وجوب قتله بعد استتابته ثلاثة أيام وقيل ثلاث مرات ولو فى ساعة واحدة ثم يقتل.
وعند ابن حنبل أنه يُقتل بالسيف وحده.. وذكر ذلك القتل لتارك الصلاة الشيخ السيد سابق بكتابه «فقه السنة» تحت عنوان «حكم تارك الصلاة».
وهذا معناه أن التزام السلف الذى يسمونه صالحًا بالصلاة فى المساجد فى غالبه كان خوفًا من القتل، فلتحيا حرية الدين فى ظل سيوف قطع الرقاب.. وليحيا فقه الأزهر الوسطى الذى لم يزدرِ هذا القتل ولم يستنكره ولا أنكره على قائليه بل قام بتدريسه.
وكنا قد كتبنا كثيرًا من قبل عن مناهج الأزهر، تلك المناهج التى تصدر الشريعة لدارسيها على أنها دعوة للقتل والعنف وإراقة الدم.. وتدعو كتب الفقه التى تدّرس لقتل المخالفين كتارك الصلاة والزانى المحصن والمرتد، ولو بغير إذن الإمام، كما يجوز قتل الجماعة فى الواحد، ولا يتوقف الأمر عند ذلك، إنما تقول بعدم القصاص لمن قتل أحدهم عن طريق إغراق إياه أو خنقه، لأن ذلك مما لا يقتل عادة، فى نظرهم.. وفيما يلى نصوص مناهج الأزهر: «وله ـ أى للمسلم ـ قتل الزانى المحصن، والمحارب، وتارك الصـلاة، ومن له عليه قصاص، وإن لم يأذن الإمام فى القتل، لأن قتلهم مستحق، ثم بعد ذلك يأكل منه ما يشاء»، «الشرح الصغير»، المقرر على الصف الثالث الثانوى.. وفى كتاب «الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع»، فله -أى للمسلم- كفاية لشر الكافر «أن يفقأ عينيه، أو يقطع يديه ورجليه، وكذا لو أسره، أو قطع يديه أو رجليه، وكذا لو قطع يدًا ورجلًا».. وفى صفحة ٣٥٧ من كتاب «الإقناع» يعلم الأزهر تلاميذه كيف يهينون أصحاب الديانات الأخرى المخالفين للإسلام: «وتعطى الجزية من الكتابى على وصف الذل والصِغَار ويقولون له «أعطِ الجزية يا عدو الله»، وليس هذا فقط، بل يكون المسلم الجابى جالسًا والذمى واقفًا ويأخذ بتلابيبه ويهزه هزًا ويقول: «أعطِ الجزية يا عدو الله».. وفى منهج السنة الثالثة من الثانوية الأزهرية، يرد: «قتال الكفار واجب على كل رجل عاقل صحيح حر قادر».. ص٢٩٠، و«يجوز قتال الكفار بغير إنذار وبغير أن يدعوهم لدين الإسلام، لأن شيوع الإسلام قام مقام الدعوة إليه».. ص٢٩١، و«فإن أبوا استعانوا بالله تعالى عليهم وحاربوهم، ونصبوا عليهم المجانيق، وأفسدوا زروعهم وأشجارهم وحرّقوهم ورموهم وإن تترسوا بالمسلمين».. ص٢٩٣، و«إذا كان للمسلمين قوة لا ينبغى لهم موادعة أهل الحرب، لأنه لا مصلحة فى ذلك، لما فيه من ترك الجهاد صورة ومعنى أو تأخيره».. ص٢٩٣.
آخر كلام: بتاريخ ٥ يونيو ١٩٢٧ تلقَّى «النائب العمومى» بلاغًا من شيخ الجامع الأزهر أبوالفضل الجيزاوى، متضمنًا علماء الأزهر يطلب اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، ومحاكمة عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، حيث إنه فى كتابه «فى الشعر الجاهلى» قد كذَّب القرآن صراحة، وطعن على النبى، وعلى نسبه الشريف.
بدأ محمد نور، رئيس نيابة مصر التحقيق مع طه حسين فور عودته من خارج البلاد.. وفى ٣٠ مارس ١٩٢٨ أصدر قراره التاريخى، الذى اختتمه بالفقرة التالية:.... وحيث إنه مما تقدم يتضح أن غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن والتعدى على الدين، بل إن العبارات الماسة بالدين التى أوردها، فى بعض المواضع من كتابه، إنما قد أوردها فى سبيل البحث العلمى، مع اعتقاده أن بحثه يقتضيها، وحيث إنه من ذلك يكون القصد الجنائى غير متوفر، ولذلك تُحفظ الأوراق إداريًا».. محمد نور ـ رئيس نيابة مصر ـ فى ٣٠ مارس ١٩٢٨.
كانت النيابة بجد تنطلق أحكامها من دماغها.
لكننا بعد مرور ٨٧ عامًا يأتى قاض لا يدرس القضية بل يذهب بها إلى الأزهر وتفتى هيئة كبار العلماء بتكفير الباحث الإعلامى إسلام البحيرى وخروجه عن الملة وازدرائه للدين الإسلامى والرسول والصحابة، وتقضى المحكمة بحبس «البحيرى» رغم حصوله على البراءة مرتين عن نفس التهمة.
الفرق بين عام ١٩٢٨ وعام ٢٠١٦، هو اللجوء إلى زكى رستم على «رصيف نمرة خمسة».