الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

أين المسيحيون العرب؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
معاناة العرب المسيحيين تزايدت في السنوات العشر الأخيرة، وسط صمت الأنظمة، بل وإنكار البعض وجود هذه المعاناة يزيد بلا شك من قسوتها على أصحابها، ونتيجة لهذه المعاناة خسر الشرق الأوسط أكثر من 2 مليون مسيحي هاجروا إلى أمريكا وأوروبا، وزادت هموم المسيحيين العرب بعد ثورات الربيع العربي وصعود تيار الإسلام السياسي وإقدامه على تصفية الحسابات ودخوله في خصومة تاريخية مع شركاء الوطن قبل بناء جذور الود والديمقراطية.
بدعوة من مركز القدس للدراسات السياسية شاركت في ورشة عمل إقليمية في عمان بعنوان “,”المسيحيون وربيع العرب“,” بمشاركة عدد من نواب برلمانات الأردن والعراق وسياسيين من مصر وسوريا وعدد من المثقفين والباحثين.
اللافت للنظر هو إنكار بعض المشاركين وجود مشكلات للمسحيين في الشرق الأوسط، واتهام أمريكا وأوروبا بنسج خيوط المؤامرة لتفريغ الشرق من مواطنيه المسيحيين، وعلى الرغم من استعراض خطابات وتحليلات عديدة تشير فيها أصابع الاتهام إلى التيارات الراديكالية التي قامت باستهداف المسيحيين من أجل مواجهة الأنظمة، فإن هؤلاء لا يزالون يرون أن الشرق الأوسط ينعم بالتعددية والمساواة بين كل مواطنيه، وأن إسرائيل تعمل على تقسيم المنطقة وتفتيتها، وعلى المسيحيين عدم الانصياع إلى هذه المخططات.
بالطبع الأمر ليس بهذه البساطة، فالمسيحيون العرب عانوا طوال سنوات عديدة من خيارين، فإما أن يكونوا في صف النظام الذي يعارض تيارات الإسلام السياسي المتشدد، وإما أن ينضموا إلى الحركات المدنية التي لا تتمتع بتأثير حقيقي داخل الشارع العربي، أو الرضا بمواطنة من الدرجة الثانية، خصوصًا أن هناك تيارات وأحزاب سياسية ذات مرجعيات دينية لا تزال تنظر بأن المسيحيين هم مواطنون من الدرجة الثانية ومحظور عليهم تولّى المناصب العليا، فلا ولاية لغير المسلم.
المشكلة أن هناك مَن لا يزال ينكر فقدان العراق أكثر من مليون ونصف المليون مسيحي هاجروا بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003، وهناك مَن ينكر تراجع الوجود المسيحي في سوريا منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، وهناك مَن يقلّل من حرق 67 كنيسة في أقل من شهر بمصر بعد فض اعتصامي النهضة ورباعة العدوية، بعد أن شارك قطاع كبير من المسيحيين في مظاهرات 30 يونيو الداعية لعزل الرئيس السابق محمد مرسي.
كثيرًا ما يتداول شعار “,”الجريمة لا تفيد“,”، ولذلك لا أعرف لماذا لا تقدم الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط الحلول المناسبة والممكنة لحل أزمة المواطنين المسيحيين بالشرق الأوسط، خصوصًا أن حلّها لن يكون بمعزل عن تحقيق المواطنة الكاملة وتعزيز قيم الديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان بالمنطقة برمتها، بعد سنوات من القمع والاستبداد؟ لماذا لا تتبنّى هذه المنظمات منظومة ثقافية لتغيير ثقافة الإنكار داخل مجتمعاتنا؟ لماذا لا تتبنّى الأحزاب السياسية في برامجها تغيير البنية التشريعية التي تنتقص من حقوق المواطنين غير المسلمين في منطقتنا؟
الإنكار لا يفيد، والحل لن يكون إلا من خلال دولة مدنية دستورية وطنية حديثة تؤمن بالتعددية وقبول الآخر وترسيخ دعائم الديمقراطية التي لا تقف عند صناديق الانتخاب، والدفاع عن الموروث الثقافي والحضاري الذي أسهم فيه العرب المسيحيون عبر قرون، وإلا سيكون الشرق مفرغًا من مواطنيه وحضارته وتنوّعه!