من الشخصيات عالية المقام فى حياتنا الثقافية، والجديرة بأرفع جوائز الدولة، بل تفوز بذلك وتشرف الجوائز: محفوظ عبدالرحمن، ويسرى الجندى، وكلاهما من كبار مؤلفى الدراما المسرحية والتليفزيونية والسينمائية، وقد كتبت عنهما مؤخراً مقالين فى هذه المساحة، وصافى ناز كاظم الأديبة وناقدة المسرح والأدب الكبيرة، التى أكتب عنها مقال اليوم.
وكتابات صافى ناز، وكتبها، تعبر عن كونها فنانة أدب مبدعة مجددة، بقدر ما هى ناقدة مسرح استثنائية وناقدة أدب «قصاً وشعراً» متفردة. وهى فنانة أدب بالمعنى الشامل، سواء وهى تكتب القصص القصيرة والصور الأدبية والقصائدالشعرية (التى تطلق عليها «وتريات»)، أو التأملات بل والمقال النقدى.
وقد وصفها أكثر من مرة أحمد بهاء الدين هكذا: «صافى ناز كاظم: سيدة النقد المسرحي».. و«لبهاء الدين» عن استحقاق مكانة خاصة، وموقع «الأستاذ» و«الجليل» فى عقل وقلب صافى ناز «مع رائعين مثل فتحى رضوان وبابا شارو ومحمد محمود شعبان.. وغيرهم».. و«بهاء» هو الذى كتب لها مقدمة كتابها الأول «رومانتيكيات» الصادر عن دار الهلال ١٩٧٠، وقد كان هذا الكتاب من أكثر الكتب التى أعجبت بها، كما أن مقدمة أحمد بهاء الدين له من أجمل ما قرأت من مقدمات الكتب على الإطلاق.. إنه من الكتب التى قرأتها مرات لا تحصى، وقد كتبت عنه يوماً: (عندي: لو لم تبدع صافى ناز غير كتاب «رومانتيكيات» لكفاها).. إنه كتاب طزاجة وحساسية جديدة ونضج وحكمة وإحكام بامتياز، رغم أنه كتابها الأول، كتبته فى مرحلة مبكرة لها.. فى الستينيات أثناء وعقب عودتها من رحلة حافلة إلى أمريكا، حاصلة على ماجستير فى المسرح عام ١٩٦٦.. إن «رومانتيكيات» نموذج للكتاب الذى يتعذر تصنيفه، (رسائل، خواطر، قصص، قصائد)، وعلى نسقه أو ليس بعيداً عن روحه أصدرت لاحقاً كتباً مثل كتابيها الرائعين: «تلابيب الكتابة» ١٩٩٤، و«كتابة رؤى وذات» ٢٠٠٣، أما صافى ناز الناقدة المجددة الداعمة والداعية لنظرية متكاملة بعينها فى المسرح فنجدها كأوضح وألمع ما يكون، فى كتب مثل كتابيها العظيمين «مسرح المسرحيين»، و«من ملف مسرح الستينيات» ١٩٩١، وفى الأخير جمعت مقالاتها فى مجلة «المصور» أثناء رئاسة تحرير بهاء الدين، فى النقد التطبيقى عن عروض مسرحنا الستينى، مثل مقال: «النار والزيتون: البطل هو القضية»، ومقال: «ثورة الزنج: المشغولية هى الثورة» (ولا أدرى لماذا تم حذف العناوين المعبرة الجميلة عند النشر فى الكتاب)، ومقالها عن مسرحية «الهلافيت» لدياب، والذى نراه من النماذج لديها فى المقال النقدى بقدر ما يعد قطعة رفيعة من الأدب.
وقد التقيتها مبكراً، فى السبعينيات، كانت المرة الأولى على سلم دار الهلال، وهى تنزل عليه بينما أسأل عنها موظفى المدخل فأشاروا إليها، وكانت بصحبة زميلة وتترنم بأغنية بصوت مسموع ظريف مميز.. وما أن عرفتها بنفسى، ومتابعتى المنتظمة لما تكتب، حتى قالت لى بروح بسيطة مرحة: «تعال معنا إلى النقابة.. تحب تلتقى بشاعر مصر العظيم أحمد فؤاد نجم؟».. قلت: «ياريت»، وركبت معها وزميلتها سيارتهما.. وفى مبنى نقابة الصحفيين القديمة «حيث المدخل براح جميل و«جنينة» وليس كالبناء التقليدى الجامد الحالي!»، وصل «نجم» بمرحه وقفشاته وروحه الفريدة.. فبدأت علاقتى وصداقتى «بشاعر مصر العظيم» على حد عبارتها بحق وصدق.
واجهت صافى ناز بصلابة وشجاعة، كل ما تعرضت له من مواقف تعنت واضطهاد فى العمل أدى إلى المنع والنقل، ومن مواقف طغيان السلطات والأجهزة أدى إلى الاعتقال أكثر من مرة «آخرها ضمن اعتقالات سبتمبر الساداتية»، ومن مواقف إنسانية صعبة أنشأت خلالها وحمت طفلتها، فشبت «نوارة» مستبسلة مثل أمها ووالدها على استعداد لدفع الثمن مهما كان، فى سبيل كلمة حق فى وجه سلطان جائر.
وقد سافرت صافى ناز فى فترة لتقوم بتدريس المسرح فى إحدى جامعات العراق، وحينما عادت التقينا، وظلت دائماً ولليوم، علاقتى بها وصداقتنا كأرقى وأصفى ما يكون، لا تشوبها شائبة أبداً.. وهذا ما قد يبدو للبعض غريباً، اختلافنا إلى أبعد حد يمكن أن يكون: من حيث انتمائى للفكر الناصرى، ورؤيتها السلبية للغاية تجاه ثورة يوليو والناصرية.. وقد عرفت هى «مدى» ناصريتى، منذ قرأت لى مبكراً مخطوطة روايتى الأولى فى السبعينيات وعنوانها «سبتمبر الرابع».. وقالت فور أن ناقشتنى فيها: «ياه.. انت ناصرى متشدد جداً».. ومع ذلك فمن يعرفها، يتأكد أنه بقدر ما يكون الإنسان راقياً سامياً مثل صافى ناز، يستطيع أن يفصل بين الأمرين، وألا يؤثر أو يشوش «السياسي» و«الإنساني» أحدهما على الآخر.
وبعد، تظل «صافى ناز كاظم»، صادقة دوماً مع نفسها، تعبر عما تراه الحقيقة وما تحسبه الحق، ولديها دوماً شجاعة المواجهة والشجاعة الأدبية.. كما تظل صافى ناز من أكبر أعلامنا فى القرن العشرين ومنذ الستينيات لليوم، ومن أرفع شخصيات عصرنا مقاماً.. تظل من الرموز والقيادات الوجدانية التى تشعر الأجيال باستمرار وبازدياد نحوها، بالامتنان غير المحدود لقيمة صنيعها الجليل وإبداعها الجميل.
وكتابات صافى ناز، وكتبها، تعبر عن كونها فنانة أدب مبدعة مجددة، بقدر ما هى ناقدة مسرح استثنائية وناقدة أدب «قصاً وشعراً» متفردة. وهى فنانة أدب بالمعنى الشامل، سواء وهى تكتب القصص القصيرة والصور الأدبية والقصائدالشعرية (التى تطلق عليها «وتريات»)، أو التأملات بل والمقال النقدى.
وقد وصفها أكثر من مرة أحمد بهاء الدين هكذا: «صافى ناز كاظم: سيدة النقد المسرحي».. و«لبهاء الدين» عن استحقاق مكانة خاصة، وموقع «الأستاذ» و«الجليل» فى عقل وقلب صافى ناز «مع رائعين مثل فتحى رضوان وبابا شارو ومحمد محمود شعبان.. وغيرهم».. و«بهاء» هو الذى كتب لها مقدمة كتابها الأول «رومانتيكيات» الصادر عن دار الهلال ١٩٧٠، وقد كان هذا الكتاب من أكثر الكتب التى أعجبت بها، كما أن مقدمة أحمد بهاء الدين له من أجمل ما قرأت من مقدمات الكتب على الإطلاق.. إنه من الكتب التى قرأتها مرات لا تحصى، وقد كتبت عنه يوماً: (عندي: لو لم تبدع صافى ناز غير كتاب «رومانتيكيات» لكفاها).. إنه كتاب طزاجة وحساسية جديدة ونضج وحكمة وإحكام بامتياز، رغم أنه كتابها الأول، كتبته فى مرحلة مبكرة لها.. فى الستينيات أثناء وعقب عودتها من رحلة حافلة إلى أمريكا، حاصلة على ماجستير فى المسرح عام ١٩٦٦.. إن «رومانتيكيات» نموذج للكتاب الذى يتعذر تصنيفه، (رسائل، خواطر، قصص، قصائد)، وعلى نسقه أو ليس بعيداً عن روحه أصدرت لاحقاً كتباً مثل كتابيها الرائعين: «تلابيب الكتابة» ١٩٩٤، و«كتابة رؤى وذات» ٢٠٠٣، أما صافى ناز الناقدة المجددة الداعمة والداعية لنظرية متكاملة بعينها فى المسرح فنجدها كأوضح وألمع ما يكون، فى كتب مثل كتابيها العظيمين «مسرح المسرحيين»، و«من ملف مسرح الستينيات» ١٩٩١، وفى الأخير جمعت مقالاتها فى مجلة «المصور» أثناء رئاسة تحرير بهاء الدين، فى النقد التطبيقى عن عروض مسرحنا الستينى، مثل مقال: «النار والزيتون: البطل هو القضية»، ومقال: «ثورة الزنج: المشغولية هى الثورة» (ولا أدرى لماذا تم حذف العناوين المعبرة الجميلة عند النشر فى الكتاب)، ومقالها عن مسرحية «الهلافيت» لدياب، والذى نراه من النماذج لديها فى المقال النقدى بقدر ما يعد قطعة رفيعة من الأدب.
وقد التقيتها مبكراً، فى السبعينيات، كانت المرة الأولى على سلم دار الهلال، وهى تنزل عليه بينما أسأل عنها موظفى المدخل فأشاروا إليها، وكانت بصحبة زميلة وتترنم بأغنية بصوت مسموع ظريف مميز.. وما أن عرفتها بنفسى، ومتابعتى المنتظمة لما تكتب، حتى قالت لى بروح بسيطة مرحة: «تعال معنا إلى النقابة.. تحب تلتقى بشاعر مصر العظيم أحمد فؤاد نجم؟».. قلت: «ياريت»، وركبت معها وزميلتها سيارتهما.. وفى مبنى نقابة الصحفيين القديمة «حيث المدخل براح جميل و«جنينة» وليس كالبناء التقليدى الجامد الحالي!»، وصل «نجم» بمرحه وقفشاته وروحه الفريدة.. فبدأت علاقتى وصداقتى «بشاعر مصر العظيم» على حد عبارتها بحق وصدق.
واجهت صافى ناز بصلابة وشجاعة، كل ما تعرضت له من مواقف تعنت واضطهاد فى العمل أدى إلى المنع والنقل، ومن مواقف طغيان السلطات والأجهزة أدى إلى الاعتقال أكثر من مرة «آخرها ضمن اعتقالات سبتمبر الساداتية»، ومن مواقف إنسانية صعبة أنشأت خلالها وحمت طفلتها، فشبت «نوارة» مستبسلة مثل أمها ووالدها على استعداد لدفع الثمن مهما كان، فى سبيل كلمة حق فى وجه سلطان جائر.
وقد سافرت صافى ناز فى فترة لتقوم بتدريس المسرح فى إحدى جامعات العراق، وحينما عادت التقينا، وظلت دائماً ولليوم، علاقتى بها وصداقتنا كأرقى وأصفى ما يكون، لا تشوبها شائبة أبداً.. وهذا ما قد يبدو للبعض غريباً، اختلافنا إلى أبعد حد يمكن أن يكون: من حيث انتمائى للفكر الناصرى، ورؤيتها السلبية للغاية تجاه ثورة يوليو والناصرية.. وقد عرفت هى «مدى» ناصريتى، منذ قرأت لى مبكراً مخطوطة روايتى الأولى فى السبعينيات وعنوانها «سبتمبر الرابع».. وقالت فور أن ناقشتنى فيها: «ياه.. انت ناصرى متشدد جداً».. ومع ذلك فمن يعرفها، يتأكد أنه بقدر ما يكون الإنسان راقياً سامياً مثل صافى ناز، يستطيع أن يفصل بين الأمرين، وألا يؤثر أو يشوش «السياسي» و«الإنساني» أحدهما على الآخر.
وبعد، تظل «صافى ناز كاظم»، صادقة دوماً مع نفسها، تعبر عما تراه الحقيقة وما تحسبه الحق، ولديها دوماً شجاعة المواجهة والشجاعة الأدبية.. كما تظل صافى ناز من أكبر أعلامنا فى القرن العشرين ومنذ الستينيات لليوم، ومن أرفع شخصيات عصرنا مقاماً.. تظل من الرموز والقيادات الوجدانية التى تشعر الأجيال باستمرار وبازدياد نحوها، بالامتنان غير المحدود لقيمة صنيعها الجليل وإبداعها الجميل.