القسم يضم 30 فردا يكلف الواحد منهم الدولة 25 ألف جنيه سنويًا.. وطابور العاطلين ينتظرهم
مصر لديها 1883 عالمًا نوويًا موزعون على تخصصات نادرة ومنتشرون فى أمريكا وكندا واليابان
خريجو «الهندسة النووية»: لم نجد فرصة عمل وانتقلنا لمجالات أخرى
كان خبر دخول مصر المجال النووى بمثابة حلم وهدف وطنى تعثر تحقيقه أكثر من 50 عامًا، ولكنه فشل فى إنعاش آمال طلاب قسم الهندسة النووية فى إيجاد فرصة العمل التى طالما حلموا بها قبل دخول الجامعة، وفى الوقت الذى كان توقيع اتفاقية إنشاء محطة نووية فى الضبعة بمثابة إنعاش للحلم العام الذى داعب خيال المصريين، فإن تحديات الواقع حطمت آمال هؤلاء الطلاب تدريجيًا.
ولأن الاتفاقية الموقعة مع الجانب الروسى فى 19 نوفمبر 2015 لا تمثل سوى حجر الأساس فى إعادة بناء الحلم القديم إذ يستغرق إنشاء المحطة فى المتوسط 5 - 7 سنوات، فإن آمال طلاب الهندسة النووية فى إيجاد فرصة عمل داخل الوطن بدلًا من البحث عنها فى الخارج لاتزال رهينة نجاح المشروع.
بعضهم داعبه حلم السفر للخارج للعمل أو استكمال الدراسة بعد الجامعية عند التفكير فى الالتحاق بالكلية، وبعضهم الآخر كان دخول القسم أمرًا فرضه عليه التنسيق الداخلى لكلية الهندسة جامعة الإسكندرية، غير أن أغلبهم تحطمت أحلامه على صخرة الواقع، ليجد نفسه عقب التخرج يعمل فى مجال بعيد كليًا عن تخصصه.
مصر لديها 1883 عالمًا نوويًا موزعون على تخصصات نادرة ومنتشرون فى أمريكا وكندا واليابان
خريجو «الهندسة النووية»: لم نجد فرصة عمل وانتقلنا لمجالات أخرى
كان خبر دخول مصر المجال النووى بمثابة حلم وهدف وطنى تعثر تحقيقه أكثر من 50 عامًا، ولكنه فشل فى إنعاش آمال طلاب قسم الهندسة النووية فى إيجاد فرصة العمل التى طالما حلموا بها قبل دخول الجامعة، وفى الوقت الذى كان توقيع اتفاقية إنشاء محطة نووية فى الضبعة بمثابة إنعاش للحلم العام الذى داعب خيال المصريين، فإن تحديات الواقع حطمت آمال هؤلاء الطلاب تدريجيًا.
ولأن الاتفاقية الموقعة مع الجانب الروسى فى 19 نوفمبر 2015 لا تمثل سوى حجر الأساس فى إعادة بناء الحلم القديم إذ يستغرق إنشاء المحطة فى المتوسط 5 - 7 سنوات، فإن آمال طلاب الهندسة النووية فى إيجاد فرصة عمل داخل الوطن بدلًا من البحث عنها فى الخارج لاتزال رهينة نجاح المشروع.
بعضهم داعبه حلم السفر للخارج للعمل أو استكمال الدراسة بعد الجامعية عند التفكير فى الالتحاق بالكلية، وبعضهم الآخر كان دخول القسم أمرًا فرضه عليه التنسيق الداخلى لكلية الهندسة جامعة الإسكندرية، غير أن أغلبهم تحطمت أحلامه على صخرة الواقع، ليجد نفسه عقب التخرج يعمل فى مجال بعيد كليًا عن تخصصه.
تكلفة طالب الهندسة النووية
يكلف طالب الهندسة بصفة عامة الجامعة ٢٠ ألف جنيه سنويًا، بحسب ما يقول الدكتور رشدى زهران، رئيس جامعة الإسكندرية، فيما يكلف طالب الهندسة النووية الجامعة ٢٥ ألف جنيه فى السنة الواحدة، وذلك بسبب التجارب والمعامل، كما أن عدد الطلاب الملتحقين بهذا التخصص محدود، ويبلغ فى المتوسط ٣٠ طالبًا سنويًا، ومن المتوقع أن يزداد العدد خلال السنوات المقبلة بسبب وجود سوق عمل متعطشة للمهندسين النوويين.
تاريخيًا لم يتجاوز عدد الطلاب بالقسم الستين طالبًا سنويًا منذ أن تم إنشاؤه فى ١٩٦٧، فيما بلغ أعلى معدل للطلاب بالقسم فى عام ١٩٨٦، وهو العام التالى لتخريج أول دفعة من القسم، إلا أن القسم عاد مرة أخرى لتدنى عدد طلابه فى الأعوام المتتالية للحرب.
رغم أن قسم الهندسة النووية فى مصر يعد واحدًا من أقدم الأقسام على مستوى جامعات العالم، فإنه لا يعد الوحيد فى هذا المجال، فهناك ٣٤ جامعة على مستوى العالم تضم برامج للهندسة النووية، منها ٢٣ جامعة تمنح شهادة البكالوريوس فى هذا التخصص، بالإضافة إلى شهادتى الماجستير والدكتوراه، كما يتبين أن من هذه الجامعات ٨ فقط تتضمن أقسامًا متخصصة فى الهندسة النووية، أما الباقية فإن الاسم يتضمن تخصصات أخرى مثل الهندسة الكيميائية أو الميكانيكية أو الفيزيائية أو غيرها، أما متوسط عدد الخريجين من الـ٣٤ جامعة خلال أعوام ٢٠٠٣ - ٢٠٠٦، فهو يساوى الألف طالب سنويًا.
الإحصائية الأهم صادرة عن الاتحاد العام للمصريين بالخارج ٢٠١٣، واعتمد فيها على البيانات الصادرة من مركز الإحصاء التابع للأمم المتحدة، وتقول إن هناك ١٨٨٣ عالمًا نوويًا مصريًا موزعين على تخصصات نووية نادرة، وإن أغلب هؤلاء العلماء فى الولايات المتحدة وأمريكا وكندا واليابان وكوريا الجنوبية.
واقع الخريجين القدامى
واقع خريجى قسم الهندسة النووية مليء بالتفاصيل التى تستحق أن تروى، ولنبدأ من فادى عماد، خريج قسم الهندسة النووية والإشعاعية جامعة الإسكندرية، ومع ذلك فهو يعمل فى مجال الهندسة المدنية، ويقول: لا توجد وظائف لخريجى القسم، فالهيئة الوحيدة التى توظف خريجى قسمنا تمنح الفرصة لطالب واحد فقط أو طالبين كل عام.
عن أسباب التحاقه بالقسم يقول عماد، لم يكن أمامى سوى قسمين، الأول الهندسة النووية والثانى هندسة الغزل والنسيج، وكلاهما لا يجد خريجوه فرصًا للعمل، واختيارى لقسم الهندسة النووية جاء بسبب أن خريجه يمكن أن يعمل فى أى مجال من مجالات الهندسة مثل الميكانيكا أو المدنى، وفى غالب الأمر يتجهون للعمل كمهندسى كهرباء.
ويضيف عماد: جميع طلاب الهندسة النووية يعلمون جيدًا أن الخريج لن يجد فرصة عمل داخل مصر، وأن عليه أن يتجه إلى الخارج، أو البحث عن منحة لاستكمال تعليمه، أو أن يبحث عن فرصة عمل جيدة بإحدى الدول الأوروبية، وهو ما يقوم به أغلب طلاب القسم، والباقون يظلون دون عمل أو يلجأون للعمل فى أى مجال خارج الهندسة النووية.
ويتابع عماد: ربما تحمل الفترة المقبلة الخير لخريجى القسم وتكون هناك فرص عمل لهم، بعد دخول مصر الحقبة النووية والسعى لإنشاء عدد من المفاعلات النووية، شرط أن يستمر المشروع ويخرج للنور.
على الجانب الآخر، يرى محمد داوود، الذى تخرج العام قبل الماضى من نفس القسم، أنه لا أمل فى الحصول على عمل له علاقة بدراسته داخل مصر، فالمؤسسة الوحيدة التى يمكن العمل بها هى هيئة الطاقة الذرية، والتى ذهب إليها محمد مباشرة عقب تخرجه، ليصطدم بالواقع المؤلم - على حد قوله - بأن الهيئة لا تقبل سوى طالب واحد كل عام، فيما تقوم بتوظيف خريجى الأقسام الأخرى، مثل الكهرباء والميكانيكا.
الحصول على عمل يناسب تخصص محمد ليس بالسهولة التى كان يتوقعها، فلا توجد سوق عمل لتخصصه داخل مصر، لأنه ليس هناك من الأساس مصانع نووية أو مؤسسات نووية داخل مصر، والجهات الوحيدة التى تحتاج تخصصه ليس بها فرص للعمل، فبرغم أن عدد خريجى القسم لا يتعدى ٣٠ طالبا سنويًا إلا أن أغلبهم بلا عمل، ومن يعمل لا يعمل بنفس تخصصه.
يضيف محمد: عقب فشلى فى الحصول على وظيفة فى تخصصى، ذهبت للبحث عن عمل، وبدأت فى العمل فى بعض مراكز الأبحاث كباحث فى العلوم الحيوية، إلا أن الأمر لم يف بالغرض، فبدأت فى البحث عن فرصة عمل بالخارج إلا أن الأمر لم يفلح، فاستقر بى الأمر للعمل كمندوب للمبيعات داخل إحدى شركات القطاع الخاص التى تعمل فى مجال الأجهزة الطبية.
يؤكد محمد أن من يريد الالتحاق بقسم الهندسة النووية بمصر لا بد أن يبحث قبل الالتحاق عن فرصة للسفر خارج مصر، لأنه لا يوجد عمل نووى داخل مصر، أما عن المشروع النووى المصرى وفرصة الالتحاق للعمل فيه، يقول محمد: لا أعتقد أن الأمر بهذه السهولة، ولا أعتقد أنه من الممكن أن يخرج للنور قريبًا، كان لدينا أمل فى العام الأول لنا داخل الكلية أن يكون هناك مشروع قومى نووى، حتى يتثنى لنا العمل فى المجال الذى درسته لخمس سنوات.
لم يختلف الأمر كثيرًا مع مروة مجدى، دفعة ٢٠١٤، والتى ترى أنه لا فرصة للعمل داخل المشروع النووى الجديد، وتقول مروة: العمل فى هذا المشروع سوف يكون مقتصرًا على العمالة والمهندسين الروس، ولن يتم اختيار أى من خريجى القسم، ولكن هو مشروع جيد للدولة فى المقام الأول ولكن ليس جيدًا لنا، فمن الصعب أن تكون داخل هذا المشروع عمالة مصرية أو مهندسون مصريون.
لم تختلف معاناة مروة عن زملائها الآخرين من خريجى القسم، التحقت بالقسم أملًا فى الخروج للعمل فى مفاعل نووى أو أى من هيئات الطاقة بمصر، إلا أن واقع البلد وقف حائلًا بينها وبين أحلامها، فعقب تخرجها عانت الأمرين - على حد تعبيرها - للعمل لدى أى من هيئات الطاقة فى مصر أو أى من مجالات عملها، ورغم إصابتها بالإحباط نتيجة عدم العمل فى تخصصها، قررت كباقى زملائها العمل فى أى من المجالات الأخرى، وعملت بالفعل لمدة سبعة أشهر كمندوب للتسويق بإحدى شركات التجميل بالإسكندرية.
تقول مروة: إن الالتحاق بقسم الهندسة النووية أمر ممتع للغاية، ولكن الحصول العمل فى هذا التخصص متعب للغاية، وربما يصل لمرحلة المستحيل، وهذا المستحيل يتحقق فقط خارج مصر كالعادة.
تضيف مروة: خريج الهندسة النووية هو خريج متكامل لأنه أثناء الدراسة يقوم بدراسة العديد من المجالات الهندسية، لذلك فهو مؤهل للعمل فى أى من المجالات، ولكن للأسف مجالات عمل القسم فى الخارج، وكل من يسافر للخارج يُثبت كفاءته، ولكن جميع من بقوا فى مصر لا يعملون، ومن يعمل بالتأكيد خارج تخصصه، فهناك من يعمل بمهنة التدريس وبعضهم كسكرتير، ومن حالفهم الحظ عملوا كمعدين.
ربما لم يكن سامح جمعة، والذى تخرج هذا العام من أولئك الذين حالفهم الحظ للعمل كمعيدين داخل القسم الذى أحبه منذ أن كان طالبًا فى مدرسة المراشدة الثانوية المشتركة، والذى حلم أن يكون ذات يوم عالمًا نوويًا، متخذًا من مصطفى مشرفة مثلًا أعلى، وبحوزته حلمه الصغير وهو أن تصبح مصر يومًا مثل ألمانيا.
يرى سامح أن لكى تصبح مصر مثل ألمانيا فليس أمامها إلا طريق واحد وهو أن تصبح دولة نووية، وتملك تكنولوجيا نووية وليس مفاعلات نووية فحسب، وأن تكون لديها صناعة نووية حقيقية، وتكون لديها محطات نووية أو صناعة النظائر المشعة، لأنه إن لم تكن مصر دولة نووية ستظل دائما دولة ضعيفة - على حد قوله - ومن هنا بدأ حلمه، الذى انتهى أيضًا فى مهده.
عقب الانتهاء من الثانوية العامة وحصوله على مجموع ٨٧٪، قرر الالتحاق بأحد المعاهد الفنية، ومن ثم المعادلة حتى يلتحق بالجامعة، وهو ما حدث، والتحق بكلية الهندسة جامعة الوادى الجديد، إلا أنه قرر أن يتمسك بحلمه وأن يلتحق بقسم الهندسة النووية، فسافر للإسكندرية عقب اجتيازه للفرقة «إعدادى هندسة» - يطلق على السنة الأولى بكلية الهندسة إعدادى هندسة حيث يتم تعريف الطلاب بالكلية وأقسامها ودراسة شاملة لعدد من المواد ثم يلتحق الطالب بالقسم الذى يرغب فيه بحسب المجموع الذى حصل عليه - والتحق بقسم الهندسة النووية.
يقول سامح: برغم الحالة المادية التى كنت أعانيها، إلا أننى قررت السفر للالتحاق بالقسم، وعند دخولى القسم وقعت تعهدًا بعدم التحويل من القسم أو العودة لجنوب الوادى، وكأن القسم عقاب أو مأوى لمن ليس له مأوى، وهو الأمر الذى تطلب منى العمل حتى أستطيع توفير نفقات الدراسة والسكن، فعملت كفرد أمن بإحدى الشركات الخاصة بالإسكندرية لمدة ثلاث سنوات.
يضيف سامح عن مشقة الالتحاق بالقسم وانبهاره به: القسم من الناحية العلمية والمعامل جيد ومقبول مقارنة بمثيله خارج مصر، أما عن أعضاء هيئة التدريس فهم من الأفضل، وربما هم أفضل من الخارج، وهو ما يساعد على تخريج خريج جيد تتلاهف عليه الجامعات فى الدول الخارجية، وهو ما يحدث بالفعل، حيث يتم «خطف» الطلاب المتميزين من القسم للالتحاق بالجامعات الأوروبية والأمريكية.
ويؤكد سامح: هناك أربع دول تهتم دائمًا بطلاب قسم النووى، وهى أمريكا وكندا واليابان بالإضافة لألمانيا، أما من ليس لهم حظ، وهم من يهتمون بأن يكونوا أعضاء هيئة تدريس أو معيدين، بالإضافة للطلاب العاديين، فيستقر بهم الحال فى مصر بلا عمل، وهو حالى الآن، فبرغم أننى الأول على الدفعة لم يتم تعيينى معيدًا، فقررت البحث عن العمل إلا أننى فى النهاية عاطل عن العمل «وده كأس ويدور على الكل وخاصة خريجى نووية فى مصر» - على حد قوله - فقررت اللجوء للدراسات العليا حتى يتسنى لى السفر للخارج، لأنه إذا أردت أن تصبح مهندسًا نوويًا لا بد أن تسافر، وهو دائما مرحب بذلك، فهذه الدولة خيرها لغيرها.
يكلف طالب الهندسة بصفة عامة الجامعة ٢٠ ألف جنيه سنويًا، بحسب ما يقول الدكتور رشدى زهران، رئيس جامعة الإسكندرية، فيما يكلف طالب الهندسة النووية الجامعة ٢٥ ألف جنيه فى السنة الواحدة، وذلك بسبب التجارب والمعامل، كما أن عدد الطلاب الملتحقين بهذا التخصص محدود، ويبلغ فى المتوسط ٣٠ طالبًا سنويًا، ومن المتوقع أن يزداد العدد خلال السنوات المقبلة بسبب وجود سوق عمل متعطشة للمهندسين النوويين.
تاريخيًا لم يتجاوز عدد الطلاب بالقسم الستين طالبًا سنويًا منذ أن تم إنشاؤه فى ١٩٦٧، فيما بلغ أعلى معدل للطلاب بالقسم فى عام ١٩٨٦، وهو العام التالى لتخريج أول دفعة من القسم، إلا أن القسم عاد مرة أخرى لتدنى عدد طلابه فى الأعوام المتتالية للحرب.
رغم أن قسم الهندسة النووية فى مصر يعد واحدًا من أقدم الأقسام على مستوى جامعات العالم، فإنه لا يعد الوحيد فى هذا المجال، فهناك ٣٤ جامعة على مستوى العالم تضم برامج للهندسة النووية، منها ٢٣ جامعة تمنح شهادة البكالوريوس فى هذا التخصص، بالإضافة إلى شهادتى الماجستير والدكتوراه، كما يتبين أن من هذه الجامعات ٨ فقط تتضمن أقسامًا متخصصة فى الهندسة النووية، أما الباقية فإن الاسم يتضمن تخصصات أخرى مثل الهندسة الكيميائية أو الميكانيكية أو الفيزيائية أو غيرها، أما متوسط عدد الخريجين من الـ٣٤ جامعة خلال أعوام ٢٠٠٣ - ٢٠٠٦، فهو يساوى الألف طالب سنويًا.
الإحصائية الأهم صادرة عن الاتحاد العام للمصريين بالخارج ٢٠١٣، واعتمد فيها على البيانات الصادرة من مركز الإحصاء التابع للأمم المتحدة، وتقول إن هناك ١٨٨٣ عالمًا نوويًا مصريًا موزعين على تخصصات نووية نادرة، وإن أغلب هؤلاء العلماء فى الولايات المتحدة وأمريكا وكندا واليابان وكوريا الجنوبية.
واقع الخريجين القدامى
واقع خريجى قسم الهندسة النووية مليء بالتفاصيل التى تستحق أن تروى، ولنبدأ من فادى عماد، خريج قسم الهندسة النووية والإشعاعية جامعة الإسكندرية، ومع ذلك فهو يعمل فى مجال الهندسة المدنية، ويقول: لا توجد وظائف لخريجى القسم، فالهيئة الوحيدة التى توظف خريجى قسمنا تمنح الفرصة لطالب واحد فقط أو طالبين كل عام.
عن أسباب التحاقه بالقسم يقول عماد، لم يكن أمامى سوى قسمين، الأول الهندسة النووية والثانى هندسة الغزل والنسيج، وكلاهما لا يجد خريجوه فرصًا للعمل، واختيارى لقسم الهندسة النووية جاء بسبب أن خريجه يمكن أن يعمل فى أى مجال من مجالات الهندسة مثل الميكانيكا أو المدنى، وفى غالب الأمر يتجهون للعمل كمهندسى كهرباء.
ويضيف عماد: جميع طلاب الهندسة النووية يعلمون جيدًا أن الخريج لن يجد فرصة عمل داخل مصر، وأن عليه أن يتجه إلى الخارج، أو البحث عن منحة لاستكمال تعليمه، أو أن يبحث عن فرصة عمل جيدة بإحدى الدول الأوروبية، وهو ما يقوم به أغلب طلاب القسم، والباقون يظلون دون عمل أو يلجأون للعمل فى أى مجال خارج الهندسة النووية.
ويتابع عماد: ربما تحمل الفترة المقبلة الخير لخريجى القسم وتكون هناك فرص عمل لهم، بعد دخول مصر الحقبة النووية والسعى لإنشاء عدد من المفاعلات النووية، شرط أن يستمر المشروع ويخرج للنور.
على الجانب الآخر، يرى محمد داوود، الذى تخرج العام قبل الماضى من نفس القسم، أنه لا أمل فى الحصول على عمل له علاقة بدراسته داخل مصر، فالمؤسسة الوحيدة التى يمكن العمل بها هى هيئة الطاقة الذرية، والتى ذهب إليها محمد مباشرة عقب تخرجه، ليصطدم بالواقع المؤلم - على حد قوله - بأن الهيئة لا تقبل سوى طالب واحد كل عام، فيما تقوم بتوظيف خريجى الأقسام الأخرى، مثل الكهرباء والميكانيكا.
الحصول على عمل يناسب تخصص محمد ليس بالسهولة التى كان يتوقعها، فلا توجد سوق عمل لتخصصه داخل مصر، لأنه ليس هناك من الأساس مصانع نووية أو مؤسسات نووية داخل مصر، والجهات الوحيدة التى تحتاج تخصصه ليس بها فرص للعمل، فبرغم أن عدد خريجى القسم لا يتعدى ٣٠ طالبا سنويًا إلا أن أغلبهم بلا عمل، ومن يعمل لا يعمل بنفس تخصصه.
يضيف محمد: عقب فشلى فى الحصول على وظيفة فى تخصصى، ذهبت للبحث عن عمل، وبدأت فى العمل فى بعض مراكز الأبحاث كباحث فى العلوم الحيوية، إلا أن الأمر لم يف بالغرض، فبدأت فى البحث عن فرصة عمل بالخارج إلا أن الأمر لم يفلح، فاستقر بى الأمر للعمل كمندوب للمبيعات داخل إحدى شركات القطاع الخاص التى تعمل فى مجال الأجهزة الطبية.
يؤكد محمد أن من يريد الالتحاق بقسم الهندسة النووية بمصر لا بد أن يبحث قبل الالتحاق عن فرصة للسفر خارج مصر، لأنه لا يوجد عمل نووى داخل مصر، أما عن المشروع النووى المصرى وفرصة الالتحاق للعمل فيه، يقول محمد: لا أعتقد أن الأمر بهذه السهولة، ولا أعتقد أنه من الممكن أن يخرج للنور قريبًا، كان لدينا أمل فى العام الأول لنا داخل الكلية أن يكون هناك مشروع قومى نووى، حتى يتثنى لنا العمل فى المجال الذى درسته لخمس سنوات.
لم يختلف الأمر كثيرًا مع مروة مجدى، دفعة ٢٠١٤، والتى ترى أنه لا فرصة للعمل داخل المشروع النووى الجديد، وتقول مروة: العمل فى هذا المشروع سوف يكون مقتصرًا على العمالة والمهندسين الروس، ولن يتم اختيار أى من خريجى القسم، ولكن هو مشروع جيد للدولة فى المقام الأول ولكن ليس جيدًا لنا، فمن الصعب أن تكون داخل هذا المشروع عمالة مصرية أو مهندسون مصريون.
لم تختلف معاناة مروة عن زملائها الآخرين من خريجى القسم، التحقت بالقسم أملًا فى الخروج للعمل فى مفاعل نووى أو أى من هيئات الطاقة بمصر، إلا أن واقع البلد وقف حائلًا بينها وبين أحلامها، فعقب تخرجها عانت الأمرين - على حد تعبيرها - للعمل لدى أى من هيئات الطاقة فى مصر أو أى من مجالات عملها، ورغم إصابتها بالإحباط نتيجة عدم العمل فى تخصصها، قررت كباقى زملائها العمل فى أى من المجالات الأخرى، وعملت بالفعل لمدة سبعة أشهر كمندوب للتسويق بإحدى شركات التجميل بالإسكندرية.
تقول مروة: إن الالتحاق بقسم الهندسة النووية أمر ممتع للغاية، ولكن الحصول العمل فى هذا التخصص متعب للغاية، وربما يصل لمرحلة المستحيل، وهذا المستحيل يتحقق فقط خارج مصر كالعادة.
تضيف مروة: خريج الهندسة النووية هو خريج متكامل لأنه أثناء الدراسة يقوم بدراسة العديد من المجالات الهندسية، لذلك فهو مؤهل للعمل فى أى من المجالات، ولكن للأسف مجالات عمل القسم فى الخارج، وكل من يسافر للخارج يُثبت كفاءته، ولكن جميع من بقوا فى مصر لا يعملون، ومن يعمل بالتأكيد خارج تخصصه، فهناك من يعمل بمهنة التدريس وبعضهم كسكرتير، ومن حالفهم الحظ عملوا كمعدين.
ربما لم يكن سامح جمعة، والذى تخرج هذا العام من أولئك الذين حالفهم الحظ للعمل كمعيدين داخل القسم الذى أحبه منذ أن كان طالبًا فى مدرسة المراشدة الثانوية المشتركة، والذى حلم أن يكون ذات يوم عالمًا نوويًا، متخذًا من مصطفى مشرفة مثلًا أعلى، وبحوزته حلمه الصغير وهو أن تصبح مصر يومًا مثل ألمانيا.
يرى سامح أن لكى تصبح مصر مثل ألمانيا فليس أمامها إلا طريق واحد وهو أن تصبح دولة نووية، وتملك تكنولوجيا نووية وليس مفاعلات نووية فحسب، وأن تكون لديها صناعة نووية حقيقية، وتكون لديها محطات نووية أو صناعة النظائر المشعة، لأنه إن لم تكن مصر دولة نووية ستظل دائما دولة ضعيفة - على حد قوله - ومن هنا بدأ حلمه، الذى انتهى أيضًا فى مهده.
عقب الانتهاء من الثانوية العامة وحصوله على مجموع ٨٧٪، قرر الالتحاق بأحد المعاهد الفنية، ومن ثم المعادلة حتى يلتحق بالجامعة، وهو ما حدث، والتحق بكلية الهندسة جامعة الوادى الجديد، إلا أنه قرر أن يتمسك بحلمه وأن يلتحق بقسم الهندسة النووية، فسافر للإسكندرية عقب اجتيازه للفرقة «إعدادى هندسة» - يطلق على السنة الأولى بكلية الهندسة إعدادى هندسة حيث يتم تعريف الطلاب بالكلية وأقسامها ودراسة شاملة لعدد من المواد ثم يلتحق الطالب بالقسم الذى يرغب فيه بحسب المجموع الذى حصل عليه - والتحق بقسم الهندسة النووية.
يقول سامح: برغم الحالة المادية التى كنت أعانيها، إلا أننى قررت السفر للالتحاق بالقسم، وعند دخولى القسم وقعت تعهدًا بعدم التحويل من القسم أو العودة لجنوب الوادى، وكأن القسم عقاب أو مأوى لمن ليس له مأوى، وهو الأمر الذى تطلب منى العمل حتى أستطيع توفير نفقات الدراسة والسكن، فعملت كفرد أمن بإحدى الشركات الخاصة بالإسكندرية لمدة ثلاث سنوات.
يضيف سامح عن مشقة الالتحاق بالقسم وانبهاره به: القسم من الناحية العلمية والمعامل جيد ومقبول مقارنة بمثيله خارج مصر، أما عن أعضاء هيئة التدريس فهم من الأفضل، وربما هم أفضل من الخارج، وهو ما يساعد على تخريج خريج جيد تتلاهف عليه الجامعات فى الدول الخارجية، وهو ما يحدث بالفعل، حيث يتم «خطف» الطلاب المتميزين من القسم للالتحاق بالجامعات الأوروبية والأمريكية.
ويؤكد سامح: هناك أربع دول تهتم دائمًا بطلاب قسم النووى، وهى أمريكا وكندا واليابان بالإضافة لألمانيا، أما من ليس لهم حظ، وهم من يهتمون بأن يكونوا أعضاء هيئة تدريس أو معيدين، بالإضافة للطلاب العاديين، فيستقر بهم الحال فى مصر بلا عمل، وهو حالى الآن، فبرغم أننى الأول على الدفعة لم يتم تعيينى معيدًا، فقررت البحث عن العمل إلا أننى فى النهاية عاطل عن العمل «وده كأس ويدور على الكل وخاصة خريجى نووية فى مصر» - على حد قوله - فقررت اللجوء للدراسات العليا حتى يتسنى لى السفر للخارج، لأنه إذا أردت أن تصبح مهندسًا نوويًا لا بد أن تسافر، وهو دائما مرحب بذلك، فهذه الدولة خيرها لغيرها.
إنشاء أقسام جديدة
فيما يقول الدكتور محمد شعيرة، رئيس اللجنة الهندسية بالمجلس الأعلى للجامعات، إنه لا توجد نية لإنشاء أقسام للهندسة النووية، لأن الأمر يعتمد فى المقام الأول على المتاح، فنحن بحاجة لأعضاء هيئة تدريس وإمكانيات بشرية لإقامة القسم، وهو غير متوفر، وأى جامعة توفر هذا سوف نوافق على الفور على إنشاء القسم لها.
أما الدكتور يسرى أبوشادى، كبير مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبق، فيقول إنه عقب توقيع اتفاقية إنشاء المفاعلات النووية التى أبرمتها الحكومة المصرية، مع نظيرتها الروسية، فلا يكفى قسم واحد، سوف نحتاج لأقسام أخرى فى حالة تنفيذ هذه الاتفاقية.
وأضاف أبوشادى: إن الاحتياج جاء بسبب أن القسم الوحيد الموجود بالإسكندرية قد غير اتجاهاته عما أنشىء عليه فى الستينيات، عندما كانت هناك بوادر لإنشاء مفاعلات نووية، وعندما وجد القسم أنه لا توجد مفاعلات، بالإضافة إلى أن خريجى الجامعات لم يجدوا لهم فرصة للعمل، بدأوا فى إضافة محاور أخرى للقسم «التطبيقات الإشعاعية» حتى يجد خريجو القسم عملًا فى المستشفيات وفى المصانع، ولم يصبح القسم يهتم بالمفاعلات، نحن بحاجة إلى قسم يكون مهمته الأولى، تخريج مهندسى مفاعلات نووية فى المقام الأول.
أما عن التعليم الفنى النووى، يقول أبوشادى: أعتقد أن تفكير الحكومة بإنشاء مدرسة فنية نووية هو تفكير فى الاتجاه السليم، لأننا بالفعل بحاجة إلى فنيين نوويين، لأن المحطات النووية كل عام تقف لتغيير الوقود النووى، وصيانة سنوية، وكل أربع سنوات يتم عمل صيانة طويلة المدى، نحن بالفعل بحاجة إلى هؤلاء الطلاب وخريجى هذه المدارس.
وأكد أبوشادى أن القوات المسلحة كان لديها اقتراح جيد جدا، وهو إنشاء معهد تعليم نووى ويكون مقره الضبعة، ويكون هدفه «تعليم فنى متوسط»، وهو معهد جيد جدًا من حيث الفكرة، لأنه سوف يخرج طلابًا قادرين على العمل داخل المفاعلات النووية، وهم النواة الحقيقية للعمل النووي والأكثر احتياجًا داخل المفاعلات النووية.
أما عن سفر الطلاب واستقطاب بعض الدول لطلاب القسم يقول أبوشادى إنه عندما تخرج وجد عشرين منحة من كندا وأمريكا وفرنسا، وهو ما كان يحدث بالفعل أن طلاب القسم يتم خطفهم للعمل خارج مصر أو استكمال التعليم فى الجامعات الأوروبية، وكانت هناك فرص عالية جدًا لهم، ولكن الآن أصبح الأمر ضئيلًا للغاية ومعتمدًا على اجتهاد الطلاب فى المقام الأول.
ويؤكد أبوشادى أن ٩٥٪ من خريجى قسم الهندسة النووية، لا يعملون فى المجال النووى، كما أن بعضهم بلا عمل فعليًا، لأنه ليست هناك مفاعلات نووية بمصر لكى يعملوا فيها، فيقوم خريج القسم بالعمل فى أى شيء، حتى أن بعضهم يعملون مندوبى مبيعات - مع احترامى لكافة الأعمال - لأنهم لم يجدوا وظائف داخل مصر، ولذا يذهبون للعمل فى الخارج أو الدراسة، فيدرسون وتتحمل الدولة المصروفات الدراسية والتعليمية وفى نهاية المطاف يخرج لنا «عاطل» أو يخرج الطالب للعمل فى أى شىء أو يخرج للسفر خارج مصر، وهو ما يعتبر خسارة كبيرة للدولة.
أما عن الدكتور هناء أبوجبل، رئيس قسم الهندسة النووية، فتقول: القسم يستقبل الطلاب من جميع التخصصات الأخرى من الحاصلين على درجة الامتياز حتى الطلاب الراسبين فى بعض المواد، ومع بداية الفرقة الثانية أتفاجأ بتحويلات الطلاب. وتضيف أبوجبل: من يصطدم بالواقع بأن خريج القسم لا يجد وظائف له عقب التخرج، فالغالبية العظمى من الطلاب لا يلتحقون بالقسم من أجل دراسة النووى، ومن يلتحق بها بسبب حبه للتعليم النووى أعداد قليلة، وهم فى غالب الأمر الطلاب الذين يأتون من الجامعات الأخرى ومن يحصلون على درجة الامتياز.
تؤكد أبوجبل: أعداد الطلاب الذين يلتحقون بالقسم يتناسب طرديًا مع سياسة الدولة، فإذا كانت هناك سياسة للدولة لإنشاء مفاعلات نووية يكون هناك إقبال على الالتحاق بالقسم، واذا ماتت فكرة إنشاء مفاعلات يقل عدد الطلاب، فعلى سبيل فى ٢٠٠٦ ومع اقتراح إنشاء مفاعلات نووية، فوجئت بإقبال من الطلاب الحاصلين على دراسات عليا، وهو على غير المعتاد، ولكن هناك قلقًا كبيرًا من طلاب الهندسة وأولياء أمورهم من اسم «هندسة نووية» خوفًا من هوس المضايقات الأمنية، كما أن هناك عددًا كبيرًا من الطلاب يلتحقون بالقسم ولكن من يتخرجون من القسم نصف العدد، لأنهم يعلمون أنه لا توجد أماكن للعمل.
أما عن سوق العمل لطلاب الهندسة النووية، تقول أبوجبل: لدينا أربع هيئات نووية فى مصر وتمثل سوق العمل فى مصر، ولكنها لا تأخذ أيًا من طلاب القسم، وهذه الهيئات هى «الطاقة الذرية»، «المواد النووية»، «الرقابة النووية» و«هيئة المواد النووية»، بالإضافة لـ«المحطات النووية»، وهيئة المواد النووية لا تقبل أيًا من خريجى القسم، إلا أنها هذا العام أخذت أوائل الدفعات للتعيين لديها، غير أن هذه الهيئة تأخذ طلاب أقسام العلوم والكيمياء أو الفيزياء والجيولوجيا، أما عن هيئة الطاقة الذرية، فتأخذ كادر هندسى وكادر أكاديمى ولكنها لا تأخذ أعداد كبيرة، وهيئة المحطات النووية أيضا أغلقت أبوابها فى تعيين الطلاب، كما أن خريج القسم لا يغلب فى الحصول على عمل لأن القسم يؤهل للعمل فى المجالات الأخرى فى البترول أو الكهرباء أو الهندسة الإشعاعية وهم يعملون فى المستشفيات أو المصانع.
أما عن سفر الطلاب، تقول أبوجبل: بالفعل هناك اتجاه كبير بين الطلاب للحصول على منح للسفر خارج مصر أو العمل، حتى أن بعضهم يدخل القسم للسفر لأن الطلاب مطلوبون للعمل فى الخارج فى بعض الدول، فى مقدمتها كندا وأمريكا - تستحوذان على نسبة ٩٠٪ من الطلاب المهاجرين - كما أن بعضهم يذهب إلى اليابان وكوريا الجنوبية وبعضهم يذهب إلى جنوب إفريقيا، وكان الطلاب فى الوقت الماضى يسعون للذهاب إليها، والآن أصبح هناك اتجاه لجذب الطلاب لاستكمال الدراسات العليا هناك.
وتؤكد أبوجبل على أن مصر ليست بحاجة لإنشاء أقسام هندسة نووية أخرى بأى من الجامعات المصرية، لأن المحطة النووية لا تحتاج فى المقام الأول لمهندسى نووى بقدر حاجتها لمهندسى كهرباء أو ميكانيكا، لأن المحطة الواحدة تحتاج لـ٢٠ مهندسًا فقط، وبالنظر إلى خطة الحكومة لإنشاء أربعة مفاعلات نووية فإننا نجد أننا بحاجة لـ١٠٠ مهندس فقط، فى حين أن القسم يخرج ٣٠ مهندسًا سنويًا، ولكن ما تحتاجه مصر هو العمال النوويين.
من جانبه أكد الدكتور رشدى زهران، رئيس جامعة الإسكندرية: هناك خطة فى الجامعة لتطوير قسم الهندسة النووية، وفى ٢٠٠٣ كان لدينا خطة، وأدخلنا بعض التعديلات إلى القسم، وأضفنا إليه العلوم الإشعاعية، وغيّرنا اسمه من الهندسة النووية إلى «الهندسة النووية والإشعاعية»، وفى ٢٠٠٨ نفذنا خطة لتطوير القسم والدخول فى شراكة مع هيئة الطاقة النووية، ولدينا تعاون مشترك فى الأبحاث والتجارب، كما تم تطوير معامل القسم، وتم عقد اتفاقيات مع أكثر من معهد فى كوريا الجنوبية، وحاليًا يتم التعاقد مع أحد المعاهد المتطورة فى روسيا لتبادل الخبرات على مستوى أعضاء هيئة التدريس والطلاب.
فيما يقول الدكتور محمد شعيرة، رئيس اللجنة الهندسية بالمجلس الأعلى للجامعات، إنه لا توجد نية لإنشاء أقسام للهندسة النووية، لأن الأمر يعتمد فى المقام الأول على المتاح، فنحن بحاجة لأعضاء هيئة تدريس وإمكانيات بشرية لإقامة القسم، وهو غير متوفر، وأى جامعة توفر هذا سوف نوافق على الفور على إنشاء القسم لها.
أما الدكتور يسرى أبوشادى، كبير مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبق، فيقول إنه عقب توقيع اتفاقية إنشاء المفاعلات النووية التى أبرمتها الحكومة المصرية، مع نظيرتها الروسية، فلا يكفى قسم واحد، سوف نحتاج لأقسام أخرى فى حالة تنفيذ هذه الاتفاقية.
وأضاف أبوشادى: إن الاحتياج جاء بسبب أن القسم الوحيد الموجود بالإسكندرية قد غير اتجاهاته عما أنشىء عليه فى الستينيات، عندما كانت هناك بوادر لإنشاء مفاعلات نووية، وعندما وجد القسم أنه لا توجد مفاعلات، بالإضافة إلى أن خريجى الجامعات لم يجدوا لهم فرصة للعمل، بدأوا فى إضافة محاور أخرى للقسم «التطبيقات الإشعاعية» حتى يجد خريجو القسم عملًا فى المستشفيات وفى المصانع، ولم يصبح القسم يهتم بالمفاعلات، نحن بحاجة إلى قسم يكون مهمته الأولى، تخريج مهندسى مفاعلات نووية فى المقام الأول.
أما عن التعليم الفنى النووى، يقول أبوشادى: أعتقد أن تفكير الحكومة بإنشاء مدرسة فنية نووية هو تفكير فى الاتجاه السليم، لأننا بالفعل بحاجة إلى فنيين نوويين، لأن المحطات النووية كل عام تقف لتغيير الوقود النووى، وصيانة سنوية، وكل أربع سنوات يتم عمل صيانة طويلة المدى، نحن بالفعل بحاجة إلى هؤلاء الطلاب وخريجى هذه المدارس.
وأكد أبوشادى أن القوات المسلحة كان لديها اقتراح جيد جدا، وهو إنشاء معهد تعليم نووى ويكون مقره الضبعة، ويكون هدفه «تعليم فنى متوسط»، وهو معهد جيد جدًا من حيث الفكرة، لأنه سوف يخرج طلابًا قادرين على العمل داخل المفاعلات النووية، وهم النواة الحقيقية للعمل النووي والأكثر احتياجًا داخل المفاعلات النووية.
أما عن سفر الطلاب واستقطاب بعض الدول لطلاب القسم يقول أبوشادى إنه عندما تخرج وجد عشرين منحة من كندا وأمريكا وفرنسا، وهو ما كان يحدث بالفعل أن طلاب القسم يتم خطفهم للعمل خارج مصر أو استكمال التعليم فى الجامعات الأوروبية، وكانت هناك فرص عالية جدًا لهم، ولكن الآن أصبح الأمر ضئيلًا للغاية ومعتمدًا على اجتهاد الطلاب فى المقام الأول.
ويؤكد أبوشادى أن ٩٥٪ من خريجى قسم الهندسة النووية، لا يعملون فى المجال النووى، كما أن بعضهم بلا عمل فعليًا، لأنه ليست هناك مفاعلات نووية بمصر لكى يعملوا فيها، فيقوم خريج القسم بالعمل فى أى شيء، حتى أن بعضهم يعملون مندوبى مبيعات - مع احترامى لكافة الأعمال - لأنهم لم يجدوا وظائف داخل مصر، ولذا يذهبون للعمل فى الخارج أو الدراسة، فيدرسون وتتحمل الدولة المصروفات الدراسية والتعليمية وفى نهاية المطاف يخرج لنا «عاطل» أو يخرج الطالب للعمل فى أى شىء أو يخرج للسفر خارج مصر، وهو ما يعتبر خسارة كبيرة للدولة.
أما عن الدكتور هناء أبوجبل، رئيس قسم الهندسة النووية، فتقول: القسم يستقبل الطلاب من جميع التخصصات الأخرى من الحاصلين على درجة الامتياز حتى الطلاب الراسبين فى بعض المواد، ومع بداية الفرقة الثانية أتفاجأ بتحويلات الطلاب. وتضيف أبوجبل: من يصطدم بالواقع بأن خريج القسم لا يجد وظائف له عقب التخرج، فالغالبية العظمى من الطلاب لا يلتحقون بالقسم من أجل دراسة النووى، ومن يلتحق بها بسبب حبه للتعليم النووى أعداد قليلة، وهم فى غالب الأمر الطلاب الذين يأتون من الجامعات الأخرى ومن يحصلون على درجة الامتياز.
تؤكد أبوجبل: أعداد الطلاب الذين يلتحقون بالقسم يتناسب طرديًا مع سياسة الدولة، فإذا كانت هناك سياسة للدولة لإنشاء مفاعلات نووية يكون هناك إقبال على الالتحاق بالقسم، واذا ماتت فكرة إنشاء مفاعلات يقل عدد الطلاب، فعلى سبيل فى ٢٠٠٦ ومع اقتراح إنشاء مفاعلات نووية، فوجئت بإقبال من الطلاب الحاصلين على دراسات عليا، وهو على غير المعتاد، ولكن هناك قلقًا كبيرًا من طلاب الهندسة وأولياء أمورهم من اسم «هندسة نووية» خوفًا من هوس المضايقات الأمنية، كما أن هناك عددًا كبيرًا من الطلاب يلتحقون بالقسم ولكن من يتخرجون من القسم نصف العدد، لأنهم يعلمون أنه لا توجد أماكن للعمل.
أما عن سوق العمل لطلاب الهندسة النووية، تقول أبوجبل: لدينا أربع هيئات نووية فى مصر وتمثل سوق العمل فى مصر، ولكنها لا تأخذ أيًا من طلاب القسم، وهذه الهيئات هى «الطاقة الذرية»، «المواد النووية»، «الرقابة النووية» و«هيئة المواد النووية»، بالإضافة لـ«المحطات النووية»، وهيئة المواد النووية لا تقبل أيًا من خريجى القسم، إلا أنها هذا العام أخذت أوائل الدفعات للتعيين لديها، غير أن هذه الهيئة تأخذ طلاب أقسام العلوم والكيمياء أو الفيزياء والجيولوجيا، أما عن هيئة الطاقة الذرية، فتأخذ كادر هندسى وكادر أكاديمى ولكنها لا تأخذ أعداد كبيرة، وهيئة المحطات النووية أيضا أغلقت أبوابها فى تعيين الطلاب، كما أن خريج القسم لا يغلب فى الحصول على عمل لأن القسم يؤهل للعمل فى المجالات الأخرى فى البترول أو الكهرباء أو الهندسة الإشعاعية وهم يعملون فى المستشفيات أو المصانع.
أما عن سفر الطلاب، تقول أبوجبل: بالفعل هناك اتجاه كبير بين الطلاب للحصول على منح للسفر خارج مصر أو العمل، حتى أن بعضهم يدخل القسم للسفر لأن الطلاب مطلوبون للعمل فى الخارج فى بعض الدول، فى مقدمتها كندا وأمريكا - تستحوذان على نسبة ٩٠٪ من الطلاب المهاجرين - كما أن بعضهم يذهب إلى اليابان وكوريا الجنوبية وبعضهم يذهب إلى جنوب إفريقيا، وكان الطلاب فى الوقت الماضى يسعون للذهاب إليها، والآن أصبح هناك اتجاه لجذب الطلاب لاستكمال الدراسات العليا هناك.
وتؤكد أبوجبل على أن مصر ليست بحاجة لإنشاء أقسام هندسة نووية أخرى بأى من الجامعات المصرية، لأن المحطة النووية لا تحتاج فى المقام الأول لمهندسى نووى بقدر حاجتها لمهندسى كهرباء أو ميكانيكا، لأن المحطة الواحدة تحتاج لـ٢٠ مهندسًا فقط، وبالنظر إلى خطة الحكومة لإنشاء أربعة مفاعلات نووية فإننا نجد أننا بحاجة لـ١٠٠ مهندس فقط، فى حين أن القسم يخرج ٣٠ مهندسًا سنويًا، ولكن ما تحتاجه مصر هو العمال النوويين.
من جانبه أكد الدكتور رشدى زهران، رئيس جامعة الإسكندرية: هناك خطة فى الجامعة لتطوير قسم الهندسة النووية، وفى ٢٠٠٣ كان لدينا خطة، وأدخلنا بعض التعديلات إلى القسم، وأضفنا إليه العلوم الإشعاعية، وغيّرنا اسمه من الهندسة النووية إلى «الهندسة النووية والإشعاعية»، وفى ٢٠٠٨ نفذنا خطة لتطوير القسم والدخول فى شراكة مع هيئة الطاقة النووية، ولدينا تعاون مشترك فى الأبحاث والتجارب، كما تم تطوير معامل القسم، وتم عقد اتفاقيات مع أكثر من معهد فى كوريا الجنوبية، وحاليًا يتم التعاقد مع أحد المعاهد المتطورة فى روسيا لتبادل الخبرات على مستوى أعضاء هيئة التدريس والطلاب.