الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

المرأة في القرون المسيحية المبكرة

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد موت كليوباترا دخلت المسيحية إلى مصر وفي العصر المسيحي وحتى دخول الإسلام، كانت هناك مواقف عدة تجاه المرأة، وأصدقك القول -عزيزي القارئ- إنني فوجئت بمكانة المرأة في العصر المسيحي.
كان الفكر اللاهوتي المسيحي في القرون الخمس الأوائل يتحدث عن أن العذراء مريم هي حواء الثانية، كما أن هناك آدم الثاني"السيد المسيح" والعذراء مريم هي أيضًا رمز الكنيسة عند "إمبرسيوس" و" كبريانوس" و"إفرايم السرياني" وعند "ترتليان" وكثيرين من الآباء ونجد هنا فكرة هامة جدًا تقول إنه بتجسد المسيح من العذراء أعيدت المرأة إلى كرامتها الأولى والتي فقدتها بالخطية، ويفسر هذا "كيرلس الإسكندري" في إنجيل لوقا بقوله: قبل مريم كانت حواء بابًا يؤدي إلى الموت، أما بميلاد عمانؤيل الذي يعنى المسيح فقد أصبحت المرأة بابًا يؤدى إلى الحياة، وكل الآباء الذين فسروا ظهور المسيح أولًا للمريمات في القيامة بأنه ربط واضح بين قيامة المسيح وعودة الجنس البشري إلى الكرامة المفقودة بسبب السقوط، ونجد كذلك أن كل الآباء بدون استثناء قالوا أن المريمات أرسلن ليبشرن الرسل بالقيامة لأنهن يربطن بين حدث السقوط في العهد القديم وحدث القيامة، فالسقوط بدأ بالمرأة في الجنة وهكذا بشرت المرأة للجنس البشرى بالسقوط والفشل لكنها بقيامة المسيح تحولت المرأة إلى تبشير الجنس البشري بالخلاص والحياة الأبدية لأن المخلص أصلا مولود من امرأة وهكذا كان فهم المسيحى المصري للمرأة – آنذاك - في الكنيسة يخلو أصلا من الحساسيات التي أثيرت خلال الجدل اللاهوتى السياسي في ذات العصروأدى إلى انقسام الكنيسة.
يقول جوريجوريوس النزنيزي:
"كل من لا يحب النساء يكره الكنيسة، ومن يحتقر المرأة يحتقر الكنيسة" فقد أخذت المرأة مكانتها في الكنيسة عندما ارتبطت في كتابات الآباء بعلاقة المسيح بالكنيسة وهناك شواهد قانونية على أن المرأة كانت تمارس في الطقس السرياني "الدسقولية السريانية" دهن المرأة البالغة بزيت الميرون بعد المعمودية وهو الحق المعطى للأسقف فقط، وهناك نصوص عن تكريس المرأة لدرجة الشماسية ووضع اليد عليها واستدعاء الروح القدس وسمح للمرأة في الطقس البيزنطي أن تدخل الهيكل وأن تناول من الكأس للآخرين ولقد توقفت الممارسات الطقسية الخاصة بالنساء نسبة للظروف الاجتماعية التي تغيرت والتي تسيدت فيها الرهبانية على الكنيسة فأخفت دور العلمانيين من رجال ونساء فأصبح الراهب هو الأسقف وهو الكاهن. إن المسيحية في القرون الأربعة الأولى وقفت تمامًا تدافع ضد الهرطقات التي وضعت المرأة في درجة دونية مثل المانوية والغنوسية والآريوسية والنسطورية إن تجربة القرون الثلاثة الأولى ما قبل "نيقية" توضح أن لاهوت الكنيسة حينئذ كان يعتبر أن جماعة الرب في الكنيسة هم صورة أرضية للثالوث ويعتمدون في ذلك على ما جاء في إنجيل يوحنا 17: 21" ليكون الجميع واحدًا "أي أن الكنيسة تصبح على مثال وحدة الآب والابن والروح القدس، وهذه الوحدة قائمة على التمايز بين كل اقنوم مع وحدة الجوهر.تمايز في العمل لكن يظل الثالوث ثالوثًا ومن هنا يقدراللاهوتيون وضع المرأة في الكنيسة في إطار الثالوث فلا توجد عوائق جنسية: ليس رجل وامرأة عبد أو حر ولكن هناك تمايز في الوظائف وهذا التمايز في الوظائف يعطى الكنيسة حرية اختيار القيادات وحرية الحركة والاختيار على أساس الموهبة وليس على أساس الجنس أو النوع وهكذا تتجسد علاقة الرجل والمرأة في الكنيسة وتتحقق من علاقة المسيح بالكنيسة وإذا كان الرسول بولس قد طلب من الرجال أن يحبوا نساءهم كما أحب المسيح الكنيسة وطلب من النساء أن يخضعن لرجالهن فإنهم يجب أن يعرفوا أنه منذ التجسد وبالصليب والقيامة أصبحت السلطة والقوة سلطة خادمة أو قوة خادمة فهي ليست في الحقيقة سلطة أو قوة مجردة إنما هي سلطة وقوة المحبة والإتضاع الإلهي فخضوع المرأة للرجل ليس خضوع العبودية فإذا كانت المحبة لها شركة فالشركة وحدة والوحدة خضوع "خاضعين بعضكم لبعض" وهذا يعني الخضوع المتبادل أي الخضوع للفكر الصحيح لأي من الزوجين وليس خضوع جنس لآخر.
وفى الكنيسة البيزنطية يقول "مكسيموس المعترف في كتابه "فصول عن المحبة" إن الكامل في المحبة، لا يعرف مؤمنًا ولا كافرًا لا عبدًا ولا حرًا لا رجلًا ولا امرأة ولكن عندما اجتاحت عبودية الأهواء الإنسان وثبت نظره على طبيعة البشر جاءت التفرقة بين البشر بسبب العرق أو الجنس أو الدين وكان الحل لهذا التدنى في العلاقات الإنسانية هو أن يعود الإنسان ويتأمل بعمق في كيفية انعكاس عقيدة الثالوث على الكنيسة وهنا يرى الجميع سواسية وهوما اختبره بولس الرسول بخلفيته اليهودية العنصرية المتعصبة والتي كانت تعتبر أن من ليس يهوديًا كلبًا وخنزيرًا ولكن عندما إنفتحت عيناه فجأة على الجميع فرأي اليهودي لا يسبق اليوناني ولا الرجل يسبق المرأة ولا الحر يسبق العبد لكن المسيح الكل" في الكل" ثم يردف مكسيموس بالقول: " إنها نعمة يمنحها الله لمن يتحرر من الأهواء إذ يرى المساواة بينهم جميعًا متحققة وواقعة في المسيح " وينَّظر لاهوتيًا لهذا الفكر بالقول: محبة الله الآب تجمع ما كان منقسمًا،وتساوى بين ما كان غير متسا وٍ. وبالطبع هذه المساواة تقود إلى اللامساواة الممدوحة والطيبة حيث يجذب كل واحد ألأخر إلى نفسه طوعًا ويؤثره على ذاته،بنفس القدر الذي كان مسارعًا إلى إبعاده عنه من قبل ويعلق المطران جورج خضر على هذه الكلمات بقوله "إن الكلمات المنسوبة لبولس الرسول بأن الرجل متقدم على المرأة وأنه رأسها لا وجود لها عند مكسيموس المعترف ولا معنى عنده للقول بأن الرجال قوامون على النساء إذ عندما ندرك المسيح لاهوتيًا ونفهمه جيدا فليس هناك من له القدرة مهما كان أن يتقدم على آخر فنحن جميعًا نصل في المسيح إلى المساواة الكاملة في الكرامة لكن يبقى لكل واحد خصائصه سواء للرجل أو المرأة، وبسبب هذا التنوع نلقى نوعًا من اللامساواة الإيجابية المحمودة حيث يجذب كل واحد الآخر إلى نفسه طوعًا ويؤثره على ذاته فليس لدينا هايراركى تراتبي "رتب كهنوتية متدرجة" فهذه خرافة فليس هناك من هو أعلى من الآخر ويؤكدعلى ذلك بالقول إن مائدة الرب عليها الإنجيل والميرون والكأس المقدسة والجميع يلتفون حول المائدة في إستدارة وليس هناك من هو على رأس المائده كرمز لرئاسته على الآخرين، وهنا يقول مكسيموس "لقد حقق المسيح وحدة الإنسان بقوة الروح القدس وبصورة سرية وأزال الفارق القائم بين الجنسين وجعل طبيعتهما حرة من كل سيطرة يقول مكسيموس المعترف "ليس لدى حديث عن المرأة والرجل إنما عندى حديث عن المسيح لاهوتيًا حيث لا أرى المرأة منفردة ولكنى أراها مع الرجل مسيحيا".
أما يوحنا ذهبي الفم فيقول عن المرأة: "من المألوف أن تبقى المرأة في المنزل في حين ينصرف الرجل إلى شئون المدينة، أما في الصراعات والمحن التي يجب إحتمالها من أجل الكنيسة، نجد المرأة أكثر شجاعة من الرجل، فإذا كان ينبغى أن يخوض الإنسان هذه الصراعات وأن يجابه هذه الأتعاب فالمرأة في هذه الحالة متقدمة على الرجل الأمر الذي هو مخالف للناموس عند بولس الرسول، حيث إنه في الترتيب الحضاري يكون الرجل رأس المرأة ولكنه ترتيب أفسدته الخطية، فإذا كانت المرأة سباقة في الصراع لحماية الكنيسة فهي إذن رأس الرجل وعلى كل حال، لا يستطيع أحد منا أن يكون رأسًا إلا إذا كان رأسًا فعليًا، فالإنسان لا يخترع لنفسه وضعًا لا أساس له فهو يكون أو لا يكون، الإنسان زعيم أولا زعيم، رئيس أو نفر، فطبيعة الأشياء هي هكذا وبهذه البساطة، فمن كان سباقًا في خوض المعارك المسيحية يكون هو الرأس وحتى الآن لا استطيع أن أعَّرف ما هية المرأة، فأنا لا أعرف ماهية المرأة كما لا أعرف ما هية الرجل لكنى أستطيع أن أعرف ماهية الرجل والمرأة معًا في المسيح، لاهوتيًا ليس عندى ما يخبرنى أن المرأة منفصلة عن الرجل ومنفصلة عن المسيح لكني أراها في مسيرة مع الرجل في المسيح، وإذا لم تكن في هذه المسيرة، فهى في بحر الظلمات كالرجل".
يقول المطران جورج خضر تعليقًا على كلمات يوحنا ذهبى الفم: "لماذا أصبح الحديث عن الإنسان كذكرٍ وأنثى فاسدًا مما أدى إلى تدني وضع المرأة في الكنيسة رغم إن هناك نصًا مسيحيًا آبائيًا يسمح للمرأة بالقيام بمناوله القرابين؟وإجابتى إن العهد القديم هو الذي أفسد الحديث عن المرأة عندما تسرب إلى القوانين المجمعية بفعل فاعل يقول د. جورج بباوي في محاضرة بعنوان " المرأة – دراسة في الآباء والقانون الكنسي" ليس لدينا في كتابات الآباء من فسر طاعة المرأة كطاعة العبد للسيد أو كطاعة الأقل للأعظم، إن الكنيسة تطيع الرب وتدعوه سيدى ليس لأن الكنيسة في أغلال العبودية بل لأنها ذاقت المحبة الإلهية.