الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

جولة في عالم يوسف القعيد المبدع المنحاز للكادحين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بقدر ما تبدو هموم الريف حاضرة حتى في عناوين رواياته وقصصه القصيرة، يحق وصف يوسف القعيد العضو بمجلس النواب بأنه "المبدع المنحاز للكادحين في ربوع الوطن"، وخاصة في الريف الذي أهداه للمدينة، كما يحق وصفه بأنه "أحد أبرز فرسان الصحافة الثقافية" في مصر والعالم العربي.
ومعروف أن يوسف القعيد دخل مجلس النواب ضمن ال28 عضوا الذين عينهم الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرا.. ولد القعيد في الخامس من أبريل عام 1944 بمحافظة البحيرة فاز بجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2008 وصنف بعض النقاد روايته "الحرب في بر مصر" في مرتبة متقدمة هي الرابعة ضمن قائمة أفضل 100 رواية عربية.
القعيد كاتب غزير الإنتاج، فهو إلى جانب عشرات الأعمال الإبداعية، له المئات من الطروحات والمقالات في المجلات والصحف المصرية والعربية، كما أنه صاحب اهتمامات سياسية ويتمتع بنزعة نقدية، فيما يحمل أيضا "رؤية قومية مهمومة بقضايا الأمة العربية".
وعرفت بعض أعماله الإبداعية طريقها للشاشة الصغيرة أو الكبيرة مثل "قطار الصعيد"، و"بلد المحبوب"، و"وجع البعاد"، و"عزبة المنيسي" و"زيارة السيد الرئيس".
وصاحب "البيات الشتوي"، و"يحدث في مصر الآن" والقلوب البيضاء"، أوضح خلال استخراج بطاقة عضويته في مجلس النواب أمس الأحد أنه سيكون من "المستقلين" داخل المجلس، فيما تشمل اهتماماته قضية تدريس الأدب في المدارس، كما تجلى في طرح له مؤخرا.
ويرى القعيد أن "الجحيم المصري في السنوات التي مضت قبل ثورة 25 يناير 2011- 30 يونيو 2013 تمثل في عجز المصريين عن القدرة على الحلم"، فيما اعتبر في تصريحات صحفية قرار تعيينه نائبا بالبرلمان "تكليفا وطنيا خلال فترة حرجة من عمر مصر بعد انتخاب برلمان ثورة 30 يونيو"، معربا عن أمله في أن يكون "على مستوى المسئولية التي أوكلت إليه لخدمة الوطن".
وجاء تعيين يوسف القعيد بمجلس النواب بعد أيام من حصوله في نهاية العام الماضي على جائزة أدبية وثقافية رفيعة المستوى هي جائزة "العويس" الإماراتية للإبداع الروائي، ومن رواياته "بلد المحبوب"، و"لبن العصفور"، و"أطلال النهار"، و"الحداد"، و"أربع وعشرون ساعة فقط"، و"قطار الصعيد"، و"قسمة الغرماء"، و"أخبار عزبة المنيسي"، و"المجهول".
وكان الدكتور محمد عبد الله المطوع؛ الأمين العام لمؤسسة سلطان بن على العويس الثقافية قد نوه بأن لجنة التحكيم منحت يوسف القعيد جائزة الرواية بفضل منجزه الإبداعي الروائي الذي تمحور حول علاقة الإنسان بالغربة وجمعه ما بين التجريب الأدبي والنقد الاجتماعي بسردية حداثية جعلته واحدا من الأقلام المتميزة في عصره.
وشأنه شأن صديقه الحميم الكاتب والروائي الراحل جمال الغيطاني، كان يوسف القعيد من مريدي سيد الرواية المصرية والعربية النوبلي نجيب محفوظ، فيما أعاد للأذهان عقب إعلان فوزه بجائزة العويس أن نجيب محفوظ كان أول من رشحه لهذه الجائزة منذ عدة سنوات.
ويقول يوسف القعيد إن صداقته مع الغيطاني عمرها أكثر من نصف قرن منذ اللقاء الأول في منتصف ستينيات القرن العشرين، "في رحاب نجيب محفوظ بمقهى ريش"، وحتى لحظة رحيل جمال الغيطاني عن الحياة الدنيا يوم 18 أكتوبر الماضي.
وأضاف في سياق تناوله لقضية الموت بعد رحيل صديق العمر جمال الغيطاني "إن الأرض المالحة"، هي التعبير الأفضل عن "الفقد والفراق بالنسبة لمن أتى من القرية مثلي"، فيما تتجلى هموم الريف والبسطاء في قرى مصر المحروسة في قلب الاهتمامات الإبداعية لصاحب "شكاوى الفلاح الفصيح".
ومن قصصه القصيرة؛ "الفلاحون يصعدون إلى السماء"، و"البكاء المستحيل"، و"تجفيف الدموع"، و"طرح البحر"، والضحك لم يعد ممكنا"، و"قصص من بلاد الفقراء"، و"في الأسبوع سبعة أيام".
وروايته "الحرب في بر مصر"، هي من أهم الأعمال الإبداعية المصرية في أدب الحرب، تماما مثل "حكايات الغريب"، و"الرفاعي" لجمال الغيطاني و"نوبة رجوع" لمحمود الورداني.
يتخذ القعيد مواقف قوية دفاعا عن حرية المبدع في التعبير ولا يتردد في مناهضة القيود الرقابية، فيما كان قد انتقد من قبل الرقابة على الكتب واستنكر ظاهرة استمرار هذا النمط الرقابي بما يخلقه من مناخ "يزدهر فيه الفكر الذي يمكن أن يأخذنا إلى العصور الوسطى"، وقال "تبقى الرقابة بأنماطها المتعددة قضية تشغل المثقفين في كل مكان بهذا العالم".
و"الزمن" حاضر بقوة في هموم وشجون يوسف القعيد الذي قال عندما بلغ ال70 عاما إنه اكتشف أنه أصبح في السبعين "والسبعين سن متقدمة في زماننا والسبعين في أيامنا رقم مخيف كأنني مثل طيار الطائرة الماليزية المختفية اخترقت حاجز السحاب ودخلت في سدرة المنتهى".
وفيما اعترف صاحب "حكايات الزمن الجريح" بأن سنواته "لم تكن سعيدة"، فإنه أيضا يقول "تخيفني السبعين لأنني عندما قرأت مذكرات تولستوي مازلت أذكر عبارة قال فيها إن الإنسان بعد سن الخمسين يبدأ رحلة العودة رغم أن تولستوي تجاوز المائة من عمره وكان في أكمل صحة وأحسن حال حتى لحظته الأخيرة في هذه الدنيا".
ومضى القعيد في "تأملاته السبعينية" ليقول "لا أعتقد أن أي قاعدة يمكن أن تحكم اقتراب الموت منا فهو الحقيقة الوحيدة المؤكدة في هذا العالم"، موضحا أنه توقف أمام رحلة العودة التي تحدث عنها الأديب الروسي العظيم تولستوي وكان يقصد العودة إلى القبر.
وتابع "عندما ذهبت مع الأستاذ محمد حسنين هيكل لدفن شقيقه الوحيد الدكتور فوزي في مقابرهم بجوار مقابر الكومنولث وجدت مكتوبا على المقبرة من الخارج: دار العودة"، فيما ينتقل القعيد لعودته الثانية لدار "الهلال"؛ تلك المؤسسة الصحفية الثقافية العريقة التي نظمت احتفالية مشهودة بمناسبة بلوغه سن السبعين عاما بقدر ما كانت هذه الاحتفالية إحياء لقيم تاهت.
وكان القعيد قد استهل هذا الطرح الممتع بقوله "بحثت طويلا في كتاب سبعون لميخائيل نعيمة لكي أدخل سبعينيتي مسلحا بقراءته ولكني عجزت عن العثور عليه ولأنه كتاب قديم لم يكن من السهل اللجوء للبحث عنه في المكتبات لقراءته"، موضحا أن مكتبته غير منظمة، فهو يهتم كثيرا بشراء الكتب لكن ترتيبها وتبويبها مسألة صعبة ومضنية ويتصور أنها تأكل الوقت.
وأثناء بحث القعيد في كتب السير الذاتية والتراجم وقع في يده كتاب "مشارف الخمسين" للشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، فيما يصفه القعيد بأنه من شعراء العمر القصير، فقد مات مبكرا.
وحياة القعيد كما وصفها في عامه السبعين لم تكن حياة "العمر المستقر"، موضحا أن في حياته "انتقالات وتقلبات ورحلات تبعد بالعمر كثيرا عن حكاية الاستقرار"، غير أنه ينظر لمن يعيشون حياة مستقرة إن كانوا من الكتاب ويسأل نفسه "لماذا يكتبون وكأن الكتابة مرتبطة بالعناء والمعاناة وتعب كل يوم الذي يسلم الإنسان لتعب آخر".
وإلى جانب ترحاله المستمر في الزمان، فإن يوسف القعيد من الأدباء المعنيين بثقافة المكان، كما أن له إسهاماته الثقافية في أدب الرحلات وهو مؤلف كتاب "يوميات من أوراق النيل"، فضلا عن "الكتاب الأحمر: رحلاتي في خريف الحلم السوفيتي"، و"مفاكهة الخلان في رحلة اليابان".
وبعد أن تعرضت العاصمة الفرنسية باريس لهجمات إرهابية في أواخر العام الماضي، استعاد يوسف القعيد ذكرياته مع هذه المدينة التي وصفها "بالفاتنة التي لا حد لجمالها"، معيدا إلى الأذهان دور باريس في التكوين الثقافي لمبدعين كبار في قامة وقيمة ارنست هيمنجواي.
ويقول القعيد إنه تأثر بثلاثة مبدعين أمريكيين؛ هم ويليام فوكنر صاحب "الصخب والعنف"، وجون شتاينبك مؤلف "ناقيد الغضب"، وارسكين كالدويل مؤلف "طريق التبغ".
وفي الوقت ذاته، فيوسف القعيد صاحب توجه قومي ومن المدافعين عن القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للأمة العربية، فيما كان قد انتقد بشدة الزيارة التي قام بها إسماعيل قدري مطلع العام الماضي للقدس المحتلة وحصوله على جائزة إسرائيلية معتبرا أن قدري قد بات في زوايا النسيان و"يحاول أن يجد لنفسه مكانا في صفحات زماننا".
ورأى القعيد أن إسماعيل قدري عاد لباريس سعيدا بأن الجائزة الإسرائيلية "ستكون مقدمة لتحقيق حلم عمره بالحصول على جائزة نوبل في الآداب التي ظل مرشحا لها لسنوات ولم يحصل عليها لدرجة أنه سخر من نفسه قائلا إنه من كثرة ترشيحه لها يبدو أمام الناس كما لو حصل عليها!.
ويوسف القعيد مؤلف كتاب "محمد حسنين هيكل يتذكر:عبد الناصر والمثقفون والثقافة"، عرف بعلاقته الوثيقة مع الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل وقال في سياق حديث عنه بمناسبة بدء عامه الأول بعد التسعين من عمره إنه لاحظ على مكتب الأستاذ هيكل الجديد من الكتب ومن بينها كتاب "رأس المال في القرن الحادي والعشرين" لتوماس بيكيتي، "وهو الكتاب الذي صدر فقلب الدنيا رأسا على عقب".
ويضيف القعيد أن المؤلف رغم أنه في الثالثة والأربعين من عمره إلا أن كتابه وصف بأنه تسونامي فكري وإعلامي وقد استغرقت الدراسة والكتابة 15 عاما لكي يخرج هذا الكتاب الذي يعد صرخة تنبه لافتقار الدنيا كلها لعدالة توزيع الثروة.
إنه يوسف القعيد الذي تدخل قضية العدالة في صميم همومه كمبدع مصري كبير يدافع عن أحلام الكادحين في ربوع الوطن.. ها هو صوت قوي للجماعة الثقافية المصرية تحت قبة البرلمان.. مثقف وطني وصاحب رؤية قومية ينتمي لملح الأرض ويحمل حكمة الفلاح الفصيح وعطر شجر الحنين في أرض الكنانة الطيبة.