السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

.. ولو "صدفوا"!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم مرور ٤٥٠ عامًا على رحيله عن دنيانا فإن العالم يتذكره مع رحيل كل عام وقدوم آخر، مستدعيا فى المناسبة نبوءاته التى حظيت باهتمام غير مسبوق، رغم أنه ولد فى عصر مختلف فى مفرداته الحياتية، وتواضع «تقنياته»، ومحدودية علومه وآفاقها، وتواضع إمكانياته ومعطياتها.
إنه الفرنسى ميشيل دى نوسترادام أو نوستراداموس الذى وُلد فى عام ١٥٠٣، وأنجز أسفاره الشعرية التى احتوت على نبوءاته الغريبة التى ظهرت فى شكل رباعيات غامضة احتوائها ٣٥٣ مقطعا شعريا، وتحدثت عن مستقبل البشرية فى القرون اللاحقة، وهو فى عامه الثانى والخمسين بعد تخرجه فى جامعة مونبيليه، وحصوله على درجة الدكتوراه التى منحته ترخيصا بالعمل صيدلانيا فى صدر شبابه، وتخصصه فى العلاج بالأعشاب الذى ابتكر طرقا إبداعية فى العلاج منحه استقرارا ماديا بعض الشىء جعله يتفرغ لكتابة «أشعاره» شديدة الغموض تلقاها المجتمع الأوروبى وقتذاك على أنها مجرد ألغاز، بينما أصر هو على التأكيد بأنها نبوءات لأحداث سيشهدها العالم فى «مئات السنين القادمة».
وكانت شهرته الأولى مبنية على عمله الصيدلانى، وليس على تقاويمه الفلكية للأحداث فى كل مئة عام، التى ذاع بعضها فى حياته ثم الكثير منها بعد مماته، خصوصا أن ما كتبه أصلا يلفه الغموض الشديد ويصعب تفسيره، وأن الأحداث التى صاغها بطريقة شعرية ملغزة يمكن قراءتها بأكثر من وجه، ويمكن الإشارة بالخصوص إلى أنه على الرغم من شهرة نوستراداموس الواسعة فإن الباحثين يؤكدون أن القليل من تنبؤاته كانت صحيحة.
ومع كل ذلك يدافع عنه أنصاره بالتأكيد على أنه منذ أكثر من أربعة قرون ونصف القرن تنبأ بهجمات ١١ سبتمبر فى نيويورك، وأنه كتب بهذا الشأن قائلا: «فى اليوم الحادى عشر من الشهر التاسع طائران حديديان سيصطدمان بصرحين سامقين»، ويقول بعض دارسى أسفاره إن هذا المنجم الفرنسى الشهير رأى أن عام ٢٠١٥ سيكون منعطفا هاما للبشرية، وبه تبدأ ركائز أحداث جسام يكون موعدها عام ٢٠١٦، لافتا إلى أن عام ٢٠١٥ شهد بزوغ هدف يوحد جميع شعوب الأرض و«يخلصها من خطاياها وآثامها»، أما عام ٢٠١٦ فقد رأى فيه الكثير من التناقضات، وفيه أشار إلى حدوث تحسن فى المجال الاقتصادى وإلى فتح أبواب استعمال الطاقة الشمسية، مما يسمح بخفض تكاليف الكهرباء، وإلى أن الضرائب فى أوروبا ستصبح من الماضى، إلا أنه ذكر أيضا أن الأزمة المالية ستبقى على حالها، ولن تفقد تأثيرها، كما ألمح إلى إمكانية حدوث انهيار فى الاقتصادات الكبرى آخر العام من خلال تأويل قوله: «الأغنياء سيموتون مرات عديدة».
ولم يكتف نوستراداموس بذلك، بل أضاف إلى الحرب كوارث طبيعية، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة ستفقد إحدى مدنها بسبب الإعصار، وأن عام ٢٠١٦ سيشهد هطول أمطار شديدة الغزارة، وأن المياه ستغمر دول أوروبا شهرين من دون انقطاع، وأن الفيضانات ستتسبب فى غرق أجزاء من أراضى التشيك وإيطاليا والمجر وبريطانيا!
وينقل أنصار هذا المنجم عنه أن أوروبا ستخلو من سكانها، وأن مدنها ستتحول إلى ركام، وأنها ستبقى كذلك ١٠ سنوات قبل أن تعود الحياة إليها، وسيكون الخراب ناتجا بشكل أساسى عن انفجار عنيف لبركان فيزوف فى إيطاليا، وأن هذه الكارثة الطبيعية ستعقبها سلسلة من الهزات الأرضية التى ستقضى على حياة آلاف من البشر.
فى المقابل ينتشر عدد من المتنبئين العرب بين القنوات الفضائية العربية، محاولين استباق الأحداث من واقع ما يتفاعل على الأرض العربية من قضايا لم تحسم بعد ويقدمون «تحليلات سياسية» أكثر منها تنبؤات، خصوصا أنهم مكبلون بآراء دينية ترى فى مثل تلك القضايا خروجا عن الدين الصحيح القائل إن الثابت عن النبى -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد»، فتعلم التنجيم لمعرفة الحوادث ودعوى علم الغيب يعد منكرا عظيما، بل من الشرك الأكبر، ومع ذلك فإننا نشهد كل عام تسابقا على استضافة المنجمين الذين يسيرون على درب المنجم الفرنسى الشهير فى مواجهة جمهرة المتدينين الذين يرفعون فى وجوه الجميع حديثا شهيرا يقول: «كذب المنجمون.. ولو صدقوا»، وبعيدا عن تناقض التناص اللغوى، حيث لا يستوى الكذب والصدق فى جملة واحدة، وأن الأصح القول «ولو صدفوا» أى تصادف إن تحققت، ومبلغ الأمر فهذه العبارة «كذب المنجمون ولو صدقوا» ليست آية ولا حديثا، وإنما هى من العبارات الصحيحة المعنى التى اشتهرت على ألسنة الناس، وهو ما جاء فى الفتوى رقم «٢٦١٧٦» لدار الإفتاء، وعليه يمكن القول إننا بنينا حكما نهائيا فى قضية متكئة على مسند غير موجود أصلا، ومع ذلك يظل الإنسان باحثا عن معرفة المجهول والغامض من أحداث مستقبلية تقض مضجعه وتلقى ظلالا من الخوف والشك فى مسيرة القادم من الأيام، خصوصا فى حالات الاضطراب السياسى والعسكرى، كتلك الحالة التى يعيشها العالم الآن فى مواجهة الإرهاب التى خرجت من الحالة المحلية فى الشرق الأوسط إلى الأفق العالمى المفتوح.