الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

رقابة على الرقباء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم كل الأعمال التى أوقفتها الرقابة لي، لكنى واصلت الكتابة، وفى نفس الوقت واصلت الرقابة نفس تعنتها معى. كنت قد كتبت تمثيلية اجتماعية للتليفزيون باسم (لا وقت للخوف)، وعرضتها على المخرج المشرف على الدراما وكان مشهودا له بين المخرجين بالجرأة. وقرأ النص وتحمس له وقلت الحمد لله. ثم عاد ووافق على رفضها دون أى سبب. ولكن فى عام ٢٠٠٢ أى بعد أكثر من عشرين عاما عرضت كفيلم قصير فى التليفزيون دون أى حذف. لأنه لم يكن هناك من البداية أى شيء يستحق الحذف!.
وكان لدىّ قصة قصيرة قد نشرتها فحولتها إلى تمثيلية، وكان بها سيدة ومعها ابنتها فى كازينو، عندما لمحت حبيبها القديم جالسا بظهره، وقد مرت سنوات بعد أن لُفقت له قضية اختلاس، لكنه بعد سجنه لمدة قصيرة خرج براءة فى النقض. والآن تراه بعد مرور السنين وأصبحت متلهفة لتتحدث معه وتخبره أن أهلها جعلوها تتزوج آخر. وفى جلستها تتخيل ثلاثة مواقف، فمرة تراه حاقدا عليها ومرة محايدا وفى الثالثة يعلن أنه مازال يحبها ويريدها أن تتزوجه بعد أن تترك زوجها الذى لا تحبه. وفى كل خيال كان موقفها هى أيضا يتغير. فتدافع عن نفسها لكنه يتركها ويمشى. ثم تتخيله يتحدث بحياد كصديق فيعذبها هذا أكثر. وفى الثالثة تقول إنها لا تقدر أن تتخلى عن ابنتها. ثم تقرر أن تعرف الحقيقة فتنهض وتتحرك نحوه وعندما يلمحها يصافحها ويسكت لحظة، وهى أيضا، ثم يهز يدها ويقول لها فرصة سعيدة وكأنهما غريبان. لكن الرقابة رفضتها كالعادة ولما سألت مع المخرج موظفى الرقابة عن المشكلة سكتوا طويلا ثم قالوا بصراحة إنه لا توجد بها مشكلة ولكنهم يخشون أن يظهر بعد تسجيلها معان لم يدركوها فيحاسبهم عليها الرؤساء. هذه الواقعة تجعلك تعرف كيف كان المسئولون فى هذا العهد المجيد يختارون من يمثلهم فى جهاز الرقابة!.
أما عرض (العنكبوت والذباب) التى كان من المفترض أن يعرضها محمد صبحى فى مدخل وسلالم المعهد العالى للفنون المسرحية أمامه، فقد رفضه رشاد رشدى دون أن يطلع على المسرحية بحجة أنى شيوعى ولكنه تحمس لأن يعرض صبحى عرضا آخر، وابتسمت، فلم يكن هناك أى مفاجأة لى. وعدت لخطة إعداد أعمال لغيرى كما فعلت مع قصة (بيت سيئ السمعة) لنجيب محفوظ، فالرقابة من الصعب أن ترفض عملا لكاتب مشهور، واخترت مسرحية قصيرة تأليف ألفريد فرج اسمها (الفخ) وأعطيتها اسم (المصيدة) فوافقت عليها الرقابة بسرعة وتم تصويرها بسرعة. لكنها لم تظهر أبدا! وحتى هذه اللحظة وأغلب ظنى أنها مسحت تماما فقد كنا قد دخلنا فى عهد السادات وكان فلول الناصريين قد هبوا كلهم ضده وخرج كثيرون ممن يطلق عليهم النخبة إلى بلاد عربية أخرى مثل العراق وليبيا والجزائر، ربما لأن الحرية هناك أوسع من مصر كثيرا!! وكان منهم ألفريد فرج وكان هذا هو سبب عدم إذاعة التمثيلية. وبالطبع لم يكن فيها أى شيء يهدد الأمن والسلام!. ولكنى أعتقد أنهم سافروا إلى هذه البلاد وحرروا صحفا وكتبا لأن هذه البلاد كما تعرف كانت موضع الحرية التامة!
عدت أواصل كتابة القصص القصيرة حتى ولو كانت لنفسى وليس لجهة معينة، وكذلك لتمثيليات بل مسلسلات إلى جانب أفكار كثيرة لمسرحيات أكتب فيها من حين لآخر. وكان منها مسلسل فى ١٣ حلقة وتحمس مخرج شهير يترأس جهاز الأفلام ليخرجه سينمائيا ثم كف عن حماسه فجأة ولم أشأ أن أسأله حتى لا أحرجه. لكن بعد وقت قصير أعجب مخرج تليفزيونى آخر بالعمل، ووافقت عليه الرقابة وبدأنا التصوير بالفعل. لكن صادف هذا الوقت بدء التظاهر فى الجامعات والميادين لأن السادات لم يبد أنه متحمس للحرب رغم تصريحاته بأنه سيحارب، لكنه كان يبرر تقاعسه بأشياء مثل حدوث الضباب وغيرها من الحجج!. كان المسلسل يذاع أسبوعيا ونحن نسجله حلقة بعد أخرى، فكان التليفزيون يلغى الحلقة تلو الأخرى ليفسح مكانا لخطب السادات. وعندما فاجأ السادات كل الناس فى أكتوبر ببدء الحرب، أحسست أننا سنتجه بعدها إلى السلام، وأننى قد أستطيع عندئذ أن أكتب بحرية ولو بعض الشيء. رغم أنى لم أقصد فى كل أعمالى أن يكون لها صبغة سياسية عكس ما يعتقده معظم أصدقائى أو أعدائي! ولكن لم يكن تفاؤلى بقدر كبير، فقد وعيت مبكرا أن الرقابة ليست رقابة الدولة فقط ولكن..