قبل شهور كان إسلام بحيرى صاخبًا مقتحمًا حادًا فى نقده للتراث ورجاله وقضاياه، يطل على جمهوره من شاشة «القاهرة والناس»، يتفاعل مع مؤيديه ومعارضيه عبر شبكات التواصل الاجتماعى، يشتبك مع خصومه بمداخلات تليفزيونية وحوارات صحفية، وقتها قلت إن القضية باطلة، فالصراع بين إسلام ومشايخ الأزهر الذين أصروا على إسكاته لم تكن فى مصلحة الإسلام فى شىء، رأيته فى حجمه الطبيعى، معركة تعلو فيها المصالح الشخصية والذوات المتضخمة على الرغبة فى تجديد الخطاب الدينى، وهى الدعوة التى أطلقها رئيس الدولة نفسه، الذى كان يرى ولا يزال أنه لن ينجح فى حربه ضد الإرهاب دون خطاب دينى جديد يواجه أفكار التطرف وشرور المتطرفين.
الآن إسلام بحيرى فى السجن، لا أحد عاقل فى هذا الوطن يقر هذا المصير، لا أعترض هنا على حكم القضاء ولا أعلق عليه، لكن من حق إسلام أن يجد من يدافع عنه، وأنا هنا بلا مواربة أدافع عنه وعن حقه فى أن يفكر ويجتهد ويفند ما جاء فى كتب التراث، وإلا فكيف نفسر القاعدة الفقهية الشهيرة: من اجتهد فأصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر. فحتى لو كان الشاب المجتهد أخطأ فله عند الله أجر، فكيف نتعامل معه نحن بهذه الغلظة والجفوة، وبدلًا من أن نخلى الطريق بينه وبين ربه يحاسبه على عمله كيف يشاء، وضعناه فى السجن، وكأننا نعلن ببساطة أن الزنزانة تنتظر من يفكر، والسجن مصير من يجتهد.
إننا لم نسجن إسلام بحيرى الذى خاض المجتمع ضده أكبر حملة تشويه، لا لشىء إلا لأنه تجرأ على الثوابت فأراد هزها، اقتحم كتب التراث وأخرج عيوبها وعوراتها، رفضنا ما يفعله، وكأننا نقول له: نحن نحب كل هذا العفن الذى نعرف أنه موجود فى كتبنا وتاريخنا وتراثنا، قطعنا عليه الطريق فى رسالة واضحة لرغبتنا فى تعطيل العقل واعتقاله، فالعقل لمجتمع متخلف هو العدو الأكبر.
إذا فتشتم زنزانة إسلام بحيرى، لن تجدوا الشاب المجتهد وحده، ستجدون عقل الإسلام مسجونًا إلى جواره، لقد جاء الإسلام ناقدًا لكل ما كان قبله، بدد ظلمات عقول وقلوب كان أصحابها يتمسكون بما وجدوا عليه آباءهم، كان ثورة على الظلم، وصرخة فى وجه الجهل والاستبداد، فلماذا نعاقب إسلام على منهجه الذى هو من روح الإسلام؟
بعد عام وربما قبل ذلك سيخرج إسلام من سجنه، سيظل قابضًا على مشروعه الفكرى الخاص، لن ينساه ولن يتنازل عنه، سيتنازل فقط عن إيمانه بهذا المجتمع، وقناعته بأنه يمكن تغييره، أغلب الظن أنه سيترك الأرض لمن يريدون أن يعيش أهلها فى ضلال باسم الدين، ولن يكون حزينا ولا غاضبا، فكيف يحزن على من لم يحزنوا عليه، وكيف يأسف على من تجاهلوه، بل ربما باركوا سجنه.
ستقول لى إن إسلام ركبه الغرور بعض الشىء، لعب به العناد بعض الشىء، لكنه فى النهاية يمتلك طرحًا علميًا محترمًا، قد تختلف معه منهجيًا، وقد ترفض طريقته فى الاشتباك، لكن فى النهاية لا تملك إلا أن تحترم طرحه وتقدره، وتكون على يقين أن طرحه هذا لا يمثل خطرًا على الإسلام، فالإسلام الحقيقى، وليس إسلام الفقهاء والكهنة المضلين والمضللين، أعز وأقوى من أن يهدمه اجتهاد، أو تهزه فكرة.
لا أدعو لتحرير إسلام بحيرى، إننى أدعو لتحرير عقل الإسلام من الزنزانة المظلمة، لا أطالب بتحرير مفكر، بقدر ما أطالب بإطلاق سراح الحرية، ليس أمامنا إلا أن نعلن التضامن مع إسلام بحيرى، هذا ما تملكونه فقط، لكننا نملك أيضًا أن نطالب مجلس الشعب أن يعيد النظر فى المنظومة التشريعية المعادية للحرية، فلا مستقبل دون تفكير، ولا أمل دون عقل، ولا حياة دون اجتهاد.
هامش:
دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى تجديد الخطاب الدينى، استجاب إسلام بحيرى، وقدم طرحه الذى يعتقد أنه صواب، وهو الآن فى السجن، فهل فكر الرئيس أن يسأل مجرد سؤال عن أحوال إسلام فى زنزانته؟ هذا مجرد سؤال، وللرئيس حق الإجابة أو الامتناع، لكن عليه أن يعرف أن من حاولوا مساعدته فى حربه على الإرهاب بالأفكار مصيرهم السجن... أنتظر إجابة من الرئيس، وأتمنى ألا يطول انتظارى.
الآن إسلام بحيرى فى السجن، لا أحد عاقل فى هذا الوطن يقر هذا المصير، لا أعترض هنا على حكم القضاء ولا أعلق عليه، لكن من حق إسلام أن يجد من يدافع عنه، وأنا هنا بلا مواربة أدافع عنه وعن حقه فى أن يفكر ويجتهد ويفند ما جاء فى كتب التراث، وإلا فكيف نفسر القاعدة الفقهية الشهيرة: من اجتهد فأصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر. فحتى لو كان الشاب المجتهد أخطأ فله عند الله أجر، فكيف نتعامل معه نحن بهذه الغلظة والجفوة، وبدلًا من أن نخلى الطريق بينه وبين ربه يحاسبه على عمله كيف يشاء، وضعناه فى السجن، وكأننا نعلن ببساطة أن الزنزانة تنتظر من يفكر، والسجن مصير من يجتهد.
إننا لم نسجن إسلام بحيرى الذى خاض المجتمع ضده أكبر حملة تشويه، لا لشىء إلا لأنه تجرأ على الثوابت فأراد هزها، اقتحم كتب التراث وأخرج عيوبها وعوراتها، رفضنا ما يفعله، وكأننا نقول له: نحن نحب كل هذا العفن الذى نعرف أنه موجود فى كتبنا وتاريخنا وتراثنا، قطعنا عليه الطريق فى رسالة واضحة لرغبتنا فى تعطيل العقل واعتقاله، فالعقل لمجتمع متخلف هو العدو الأكبر.
إذا فتشتم زنزانة إسلام بحيرى، لن تجدوا الشاب المجتهد وحده، ستجدون عقل الإسلام مسجونًا إلى جواره، لقد جاء الإسلام ناقدًا لكل ما كان قبله، بدد ظلمات عقول وقلوب كان أصحابها يتمسكون بما وجدوا عليه آباءهم، كان ثورة على الظلم، وصرخة فى وجه الجهل والاستبداد، فلماذا نعاقب إسلام على منهجه الذى هو من روح الإسلام؟
بعد عام وربما قبل ذلك سيخرج إسلام من سجنه، سيظل قابضًا على مشروعه الفكرى الخاص، لن ينساه ولن يتنازل عنه، سيتنازل فقط عن إيمانه بهذا المجتمع، وقناعته بأنه يمكن تغييره، أغلب الظن أنه سيترك الأرض لمن يريدون أن يعيش أهلها فى ضلال باسم الدين، ولن يكون حزينا ولا غاضبا، فكيف يحزن على من لم يحزنوا عليه، وكيف يأسف على من تجاهلوه، بل ربما باركوا سجنه.
ستقول لى إن إسلام ركبه الغرور بعض الشىء، لعب به العناد بعض الشىء، لكنه فى النهاية يمتلك طرحًا علميًا محترمًا، قد تختلف معه منهجيًا، وقد ترفض طريقته فى الاشتباك، لكن فى النهاية لا تملك إلا أن تحترم طرحه وتقدره، وتكون على يقين أن طرحه هذا لا يمثل خطرًا على الإسلام، فالإسلام الحقيقى، وليس إسلام الفقهاء والكهنة المضلين والمضللين، أعز وأقوى من أن يهدمه اجتهاد، أو تهزه فكرة.
لا أدعو لتحرير إسلام بحيرى، إننى أدعو لتحرير عقل الإسلام من الزنزانة المظلمة، لا أطالب بتحرير مفكر، بقدر ما أطالب بإطلاق سراح الحرية، ليس أمامنا إلا أن نعلن التضامن مع إسلام بحيرى، هذا ما تملكونه فقط، لكننا نملك أيضًا أن نطالب مجلس الشعب أن يعيد النظر فى المنظومة التشريعية المعادية للحرية، فلا مستقبل دون تفكير، ولا أمل دون عقل، ولا حياة دون اجتهاد.
هامش:
دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى تجديد الخطاب الدينى، استجاب إسلام بحيرى، وقدم طرحه الذى يعتقد أنه صواب، وهو الآن فى السجن، فهل فكر الرئيس أن يسأل مجرد سؤال عن أحوال إسلام فى زنزانته؟ هذا مجرد سؤال، وللرئيس حق الإجابة أو الامتناع، لكن عليه أن يعرف أن من حاولوا مساعدته فى حربه على الإرهاب بالأفكار مصيرهم السجن... أنتظر إجابة من الرئيس، وأتمنى ألا يطول انتظارى.