الإثنين 01 يوليو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

مصر تخوض حربًا عالمية (1 من 4)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
موجز أصول المشهد
بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 م عندما ضربت القاعدة البنتاجون ومانهاتن في أمريكا، اكتشفت الإدارة الأمريكية أن دعمها الطويل لأنظمة الحكم الاستبدادية في بلادنا لم يحم أمريكا من ضربها بداخل أراضيها منذ “,”بيرل هاربر“,” في الحرب العالمية الثانية، بل لعل ضربة القاعدة كانت هي الأعمق والبعيدة عن أي تصور أو توقع، فمزقت بطن أمريكا من الداخل، وأسقطت الاستنامة لفكرة الأمن القومي المحمي، وأن الدرع الصاروخية التي يمكنها أن تكون مفيدة في مواجهة حرب عظمى لم تكن لها أي فائدة، فلم تتمكن الدرع التي تكلفت الترليونات من رصد وكشف لون آخر من الحرب، يقوم على ثقافة مختلفة وأسلوب حرب مختلف، أسلوب تجاوزته البشرية ينتمي إلى ما قبل الزمن الحديث، كان اختراق الطائرات المخطوفة كالقذيفة لبطن غرض واقف كأبراج التجارة، هو ابن ثقافة قديمة تعتمد قذف الحربة لاختراق بطن الخصم، ووجدت أمريكا نفسها عارية من أي درع تستطيع مواجهة هذا اللون من الحروب .
بعد الضربة الهائلة بأشهر صدر كتاب “,”ساميويل هانتنجتون“,” (صدام الحضارات)، و“,”هانتنجتون“,” ليس كاتبا عاديا فهو كادر هام من كوادر السي أي إيه، وعندما يكتب فهو يعطي صورة واضحة لخطط السياسة الخارجية الأمريكية المستقبلية للمنطقة التي تصدر الإرهاب. وخص “,”هانتنجتون“,” منطقة الشرق الأوسط الإسلامية بالحظ الأوفر في كتابه الخطير والأكثر أهمية في الكشف عن إستراتيجية أمريكا المقبلة، وخلاصة ما قال هو أن الشعوب الإسلامية تتوق توقا إلى الحكم الإسلامي، فلنحقق لها أمانيها كهدف أول ترتبط به مجموعة أهداف هي الأهم، مع التدقيق وحسن الاختيار لممثلي التيارات الإسلامية لمن يتم ترشيحه لأداء المهمة، ورشح لهذا الغرض جماعة الإخوان، لإقامة كونفدرالية تقودها إسطنبول كآخر عاصمة للخلافة، وتكون هي المنوط بها تنفيذ الإرادة الأمريكية في المنطقة كزعيم للمسلمين، ورشح “,”هانتنجتون“,” تركيا لقيادة الهلال السني مع تقوية الهلال الشيعي بحيث يتكافأ اللدودان، ومن هنا جاءت الضربة الأمريكية باحتلال بغداد وتقوية التيار الشيعي بالعراق وتفكيك الجيش، مع السماح للقوى الشيعية بالصعود وغض الطرف تماما عن التسلل الإيراني إلى العراق، حتى أمست تحتشد بالإيرانيين جهارا ودون تخفِّ، وكلهم كوادر مهمتهم ضم العراق للهلال الشيعي بقيادة إيران شرقا مقابل الهلال السني بقيادة تركيا غربا .
حدث هذا في وقت وصلت فيه العلاقات التركية الإسرائيلة قمة تعاونها حتى إقامة المناورات العسكرية المشتركة، وفجأة بدأ التحول الإسطنبولي الدراماتيكي بقيام أردوغان المسرحي من حوار تلفزيوني تناظري-حضره بيريز من إسرائيل-وخروجه من الجلسة غاضبا من المذيع، لكنها اعتُبرت إهانة لبيريز لتعم الفرحة مشارق المسلمين ومغاربهم بالنصر الأردوغاني، وعاد الحديث عن قيام دولة الخلافة المرتقبة للعالم السني. وبعدها تتالت المسرحيات التركية بأسطول الحرية الداعم لـ“,”حماس“,” وهجمة سريعة من البحرية الإسرائيلية على أسطول الحرية، وتوتر العلاقات الإسرائيلية التركية على المسرح وليس في الكواليس، مع احتداد لغة تركيا ضد حليفتها إسرائيل في بناء شعبية تركية في العالم السني .
قبلها كانت التهيئة الأكثر إثارة بزيارة “,”أوباما“,” إلى مصر كممثلة للعالم الإسلامي، وألقى خطابه الشهير في صحن جامعة القاهرة في سابقة كانت الأولى من نوعها، ووجه خطابه للعالم الإسلامي وليس لمصر وحدها. وعندها نشرت أربع موضوعات بـ“,”المصري اليوم“,” تحت عنوان (أوباما. الخطاب وردود الفعل) انتهيت فيها إلى ما يحدث اليوم، ونعيت للعلمانيين والليبراليين الحالمين بمساعدة أمريكا لبلادنا من أجل مجتمع ديمقراطي حر، نعيت لهم حلمهم لأن خطاب “,”أوباما“,” أوضح بجلاء لمن لديه بصيص من فهم، أن إستراتيجية أمريكا المقبلة في منطقتنا ليست في صالح الدولة التي نحلم بها، وبربط الخطاب الأوبامي بخطاب “,”هانتنجتون“,” يتضح بجلاء أن أمريكا قد اختارت للمنطقة الحكم الإسلامي وأنها ستدعم الإخوان تحديدا وحسب اختيارات “,”هانتنجتون“,” المعلنة. وكالعادة مر الأمر بكل استخفاف ما يذكرنا بقول “,”دايان“,” إن العرب لا يقرأون وإن قرأوا لا يفهمون وإن فهموا لا يفعلون .
من جانبي قمت بزيارة إلى الولايات المتحدة مُفردا بدعوة من معهد “,”هدسون“,” بـ“,”واشنطون دي سي“,”، وبعلم الأمن المصري، لإلقاء محاضرة عن مدى جدوى التحالف الأمريكي الإسلاموي لأمريكا وللمنطقة وبالتحديد الإخوان، ومعهد “,”هادسون“,” ليس معهدا تعليميا إنما هو الواجهة المعلوماتية النخبوية للخارجية الأمريكية، يستضيف شخصيات علمية تهتم بالشأن السياسي من مختلف البلدان، لتستمع إليهم وتطرح الأسئلة عليهم لبناء سياسة أمريكية خارجية تقوم في أحد جوانبها المعرفية على خبراء من أهل الاختصاص، ومن ثقافات بلاد الضيوف الذين سيعرفون عن بلادهم ومجتمعاتهم أفضل من المستشرقين، ويتم بعدها تلخيص نتيجة النقاش في صفحة واحدة تُقدم للخارجية الأمريكية. وبعد المحاضرة استضافني سنيور المعهد ونائبه وشخصية عراقية أمريكية على وجبة خفيفة بغرض استكمال النقاش، وكان الثلاثة مع ما قلته عن كون الإخوان لا يمثلون الشعب المصري، ولا طبائع وعادات المجتمع المصري المتأصلة فيه منذ زمن الفراعين، من تقديس الأولياء وآل البيت وكرنفالات موالدهم وحبهم لحياة المرح والفكاهة، مع تقديمي سردا تاريخيا مع الصور والإحصاءات اللازمة، وأن إيصالهم للحكم في مصر هو تكرار لخطيئة القرن العشرين بتحالف أمريكا القديم مع “,”القاعدة“,”، وسيكون كارثة لمصر ولأمريكا وربما للعالم أجمع، وبلغة آسفة أفهمني السادة هناك أن القرار في النهاية لا يعول كثيرا على المعطيات الثقافية التي يقدمها “,”هدسون إنستتيوت“,”، لأنه يعتمد أساسا على التوصيات التي تقدمها أجهزة التجسس الأمريكية .
وجاء 25 يناير المجيد بالفرصة المواتية لبدء التنفيذ المرحلي للغرض الإستراتيجي بعدما وقع اختيار صانع القرار الأمريكي على الإخوان لعلم أمريكا أن جميع الفصائل الإسلامية قد خرجت من عباءة الإخوان وأن أيديولوجيتهم جميعا واحدة، وأن من خرج من الجماعة ليشكل فرقا أخرى هو لون من التعددية في أداء الأدوار وكلهم موصول برحم الأم جماعة الإخوان. مع يقين أمريكي باختيار الشعب المصري للإخوان للحكم، بينما الواقع المصري بعيون الباحث لا يرى الأصوات المؤيدة للإخوان مقصورة فقط على الجهلاء والمعدمين وانما هناك تيارات علمانية وليبرالية وقومية وشيوعية لها حضورها الذي برز واضحا في 25 يناير. هنا كان المطلب الأول هو تكسير سيقان العملية الديمقراطية قبل أن تبدأ لتؤول إلى الإخوان، بتأجيل وضع الدستور إلى ما بعد الانتخابات النيابية في جريمة فاضحة لا تفهم معها كيف دخلت الأحزاب الليبرالية معركة الانتخابات في وضع كهذا قلبت فيه كل الموازين إلى عكسها. ثم تم انتخاب “,”محمد مرسي“,” رئيسا للجمهورية، ومن مُكدرات الزمن وقوف التيارات العلمانية خلف “,”محمد مرسي“,” كراهية في نظام “,”حسني“,” و“,”أحمد شفيق“,”، كما كان الانحياز لـ“,”معاوية“,” ليس حبا فيه ولكن كراهية في “,”علي“,” مأساة للجميع. أما المجرم الذي لن تغفر له مصر أبدا فكان “,”المجلس العسكري“,” الذي سلم مصر للإخوان بأوامر أمريكية في جريمة عار وطنية لا تُمحى سواء هدد الإخوان بحرق مصر أو لم يهددوا. وترافق مع هذا الصعود السني في مصر عملية تصعيد للفصائل السنية المتشددة في بر الشام سوريا ولبنان، لتتحول الثورة السورية ضد الطغيان إلى حرب سنية ضد حكم علوي شيعي، حتى ينتظم وضع الهلالين الشيعي في العراق وما وراءه شرقا، والسني في سوريا ومصر ـ والأردن آجلا أو عاجلا ـ غربا .
يُتبع ..