الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

زيارة خاصة للأرض السمراء..(4).. الخريطة الكاملة لأشهر أماكن التنقيب عن الذهب وطرق الوصول إليها..«كى الجمال » و«السمسار » و«الوكيل ».. مهن وبيزنس خاص..الجربوعى يبتلع أسماك شلاتين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سلسلة جبال البحر الأحمر على الحدود المصرية السودانية والتى تضم فى ثناياها ثروة من الذهب الخام جعلها قبلة للمنقبين من أبناء شلاتين وحلايب والسودان، وأحيانًا أبناء الصعيد من المحافظات القريبة من هذه المنطقة. حينما سألت عن الذهب لم يكن أمرًا غريبًا على سكان المنطقة، فالكثيرون أكدوا لى تنقيبهم عن الذهب بمنطقة وادى العلاقى وراء منجم السكرى، وعلى طول امتداد سلسلة الجبال عند منطقة أبرق والجاهلية وجبل علبة.
خوف الكثير منهم مِن قطع أرزاقهم جعلهم يرفضون اصطحابى معهم.. رحلة محفوفة بالمخاطر، فقد تواجهنا قوات الأمن وتلقى القبض علينا، وهو الأمر الذى يحتاج شجاعة خاصة حيث يتم قطع مسافات بعيدة فى قلب الجبل مع المنقبين ولا يعلم عنك أحد شيئا فأنت ذاهب إلى المجهول.. ولكن بحثى عن الحقيقة والتفرد جعلنى لا أكتفى برواية الناس كما يفعل البعض نكشف العالم السرى للمنقبِّين.


قررت أن أخوض تجربة البحث عن الذهب بنفسى وأعيشها بكل تفاصيلها وصعوبتها.. بعد محاولات عديدة أقنعت أحد كبار المنقبين عن الذهب من خلال وسيط امتلاكى جهازا حديثا للكشف عن الذهب، ولدىّ قدرة على إدخاله ولكنى أريد أن أعيش التجربة بنفسى وأرى إمكانيات الجهاز القديم الذى يستخدمونه ولأنهم يعرفون أن هناك طفرة وتطورا فى أجهزة البحث وافقوا بعد مشقة.
اشترطتُّ عليهم اصطحاب السائق الخاص بى فى الرحلة ووثقوا به لأنه من أحد سكان المنطقة.. وافقوا وخرجنا لأخذ «الزوادة » معنا، فرحلة البحث والتنقيب التى استغرقت يومين من البحث الشاق معهم يجب أن تكون مستعدا لها، فلا يوجد هناك أى مقومات للحياة.
فى طريقنا أخذتُ أسأل عن كل شىء خاص بالرحلة وبمراحل استخراج الذهب، خرجنا بسيارة ربع نقل وقطعتُ مسافة كبيرة قرب وادى سهيل، والسائق يعرف جيدًا الطرق والوديان والمدقات البعيدة عن السيطرة الأمنية.


«قرار» هو أحد الباحثين عن الذهب من أهالى شاتين أخبرنى أن الجهاز الذى بحوزتهم الآن جهاز عالمى يصُدر ذبذبات معينة حينما يتعرف على الذهب ونفس الجهاز يكشف عن الألغام، مؤكدًا أن الأجهزة أصبحت متوافرة فى مصر خصوصا الصينى منها الذى وصل سعره إلى 16 ألف جنيه، أما الأصلى فيتم استيراده من إحدى الدول العربية بسعر 36 ألف جنيه، وهناك أشخاص فى المنطقة يملكون أكثر من جهاز ويقومون بتأجيره.
كما أخبرنى بأن عائد الذهب يتم تقسيمه إلى ثلاث حصص متساوية بين العمالة التى تقوم بالحفر، وبين صاحب الجهاز، وبين صاحب السيارة. 
بعد أكثر من ساعتين لا ترى حولك سوى الرمال الصفراء وشجرة السيال المنتشرة وسط الصحراء، وعلى امتداد النظر تجد قمم الجبال كأنها حراس على الذهب تتأهب لاستقبالك.. تنتشر الخيام الصغيرة وكل خيمة بجوارها سيارة ربع نقل، عرفت بعد ذلك أنها أماكن البحث والتنقيب وتم توزيعها على الموجودين كلٌّ حسب ثقل عائلته، منطقة لأشراف وأخرى للعبابدة وثالثة للبشارية، والكل يلتزم بمنطقته ولا يعتدى على غيرها.
خلف منجم السكرى تنتشر عمليات التنقيب المضمونة، وليس هناك شبكة للاتصالات ولا أى معالم للحياة سوى خيام صغيرة ومجموعة من البطاطين وبعض الأغراض البسيطة التى تعينهم على الحياة تشبه النقطة فى بحر الرمال، تقترب منها تجد مجموعة تنقب وتنحت فى الصخور باحثة عن جرامات الذهب.. إنسان بدائى يعرف كيف يصل إلى مراده اكتسب خبرة وباعًا فى التنقيب كأفضل من أى جيولوجى، فهو يتميز بأنه خبير بالدروب والمسالك ويعرف من الوهلة الأولى صخور الذهب متحديًا التكنولوجيا والأجهزة البحثية. 


اقتربتُ من شخص من أشراف شلاتين، تردد فى البداية وبدا عليه الذعر حينما رآنى؛ ولكن سرعان ما زال التوتر والرهبة، حينما رأى معى «قرار» فهو يحظى بثقة كبيرة لديهم، وبرر لى خوفه بقطع رزقه وتعرضه للمساءلة القانونية، إلا أن اعتباره الذهب من حقه ومن حق أبناء شلاتين ولا ينازعهم عليه أحد هو ما دفعه للبحث والتنقيب.
حكى لى عن رحلته قائاً: نخرج من شلاتين متخذين طرقنا التى نعرفها فى المدقات والوديان فى رحلة شاقة، جزء منها تسلُّق لأعلى الجبل وسط مغارات نأخذ معنا «الزوادة »، وغالبًا نتعامل مع أصحاب سوبر ماركت نأخذ منهم ما نحتاجه من طعام يكفى لمدة 15 يوما، ونسدد لهم بعد عودتنا بالذهب، أيضًا نأخذ «الكلا » وهى مجموعة لا تقل عن 5 أفراد توزَّع عليهم الأدوار فى الحفر وصاحب السيارة التى تصحبنا، ولا تستطيع الدخول سوى السيارات الحديثة ربع نقل بدلا من سيارات الدفع الرباعي المحرم دخولها هذه المناطق الحدودية، ونستعيض عنها بتهوية إطارات السيارة الخلفية حتى لا تغوص فى الرمال.
وتابع قائلًا: أعمل فى التنقيب منذ أكثر من عام تقريبًا والكثير هنا لا يقدر قيمة الذهب ويسرقه مننا التجار، لأننا مضطرون لبيعه لهم خصوصا أنه يمدنا بالزئبق الذى ننقّى به الذهب ونخرجه من الصخور، وقال لنا إن أهم ثلاثة مواقع فى الصحراء الشرقية لإنتاج الذهب مسافة 25 كم جنوب غرب مدينة مرسى علم حيث يقع منجم السكرى ومنطقة وادى حمش، وفاجأنى بأن عمليات التنقيب بدأت على يد مجموعة من السودانيين الذين تسللوا من الحدود السودانية.
وبعد حفر شاق بدأ الجهاز يصدر ذبذبات تشبه «الأزيز » عرفت أنهم وجدوا قطعة صخرية تحتوى على ذهب على عمق حوالى متر تحت الأرض، قاموا بتكسيرها ووجدوا بها خام الذهب على شكل أسلاك حلزونية.
وهنا هلَّل الموجودون فرحًا ورقصًا وقبَّل بعضهم بعضا، ابتهاجا بالوصول للذهب وأعربوا لى عن أن وجهى عليهم «فأل حسن»، وغالوا فى الترحيب بى وقام أحدهم بإعداد «الجبنة » لاحتسائها واستكمال عملية التنقيب بالحفرة. 


وقالوا إن هذه المنطقة يستخرجون منها عشرات الكيلو جرامات من الذهب.. والمفاجأة كانت أنهم أحيانًا يستخدمون جرافات ومعدات ثقيلة فى الحفر بدلًا من الحفر اليدوى البسيط.
«حجاج » شاب فى أواخر العشرينيات من عمره، أخبرنى بأنه يبحث عن عروسة، قال لى: لو الدولة تعطينا تصاريح وتشترى منا الذهب بدلًا من استغلال التجار لنا فكميات الذهب التى نعثر عليها نقوم بطحنها كى تخرج فى شكل قطع صغيرة توضع فى محلول وبودرة، يعطيها لنا تجار الذهب بسعر 50 جنيها للشيكارة، وتوضع فى ماء لتنقيتها من الرواسب والشوائب ليأخذها تجار الذهب بشلاتين بسعر الجرام الخام المخلوط بالنحاس الذى يتراوح سعره ما بين 200 و 220 جنيها.
وفى خيمة قريبة من منطقة حفر «حجاج » هناك رجل عجوز وحفيده الذى لا يتجاوز عمره 14 عاما جاء هو الآخر باحثًا عن الذهب، ذلك العجوز خبير فى الأثر ومن قصَّاصى الأثر المعروفين حكى لى حكايات كثيرة عن كيف أنه كان يكشف عن السارق ويعرفه من أى قبيلة من خلال قدمه ويعرف إذا كانت الفتاة متزوجة أم بِكرًا من قدمها، وأنه جاء هنا لأنه دليل لهم حتى لا يتعرضوا للضياع داخل الصحراء أو يضلوا الطريق وأنه يأخذ نسبة مقابل إرشادهم عن المناطق التى بها تنقيب من شركات الدولة.


فى سوق الجمال
«كى الجمال » و«السمسار » و«الوكيل » و«المستخلص ».. مهن وبزنس خاص ارتبطتْ بسوق الجمال مهن تبدو بسيطة لكنها تفتح بيوتا كثيرة ويعتمد عليها أهالى حلايب وشلاتين، ولا يبدع فيها غيرهم، فختم «الجمال » أو كيّها عملية مهمة جدا وبالغة الصعوبة والخطورة وتتطلب خبرة ومهارة ليست بالقليلة ويقوم على هذه العملية عم عيد 50 « سنة» حينما تدخل سوق شلاتين للجمال ترى مشهد الكى، حيث يعمل عيد فى صمت وبخفة ورشاقة كأنه جراح ماهر.
و«مهنة ختم الجمال» من أهم المهن فى سوق الجمال، فهى تعتبر أهم الخطوات فى سوق الجمال، تتجه إليه جميع الأنظار وتبدأ هذه العملية فور الانتهاء من عملية البيع ودفع الرسوم ومن ثم يتم وشم الجمل أو ترقيمه وترحيل الجمال من منطقة السوق إلى التبة ليعبر الجمل طريقه الشرعية لمحافظات
مصر، والختم هو جواز مرور الجمل ودخوله مصر ويعتبر شهادة صحية بأنه خالٍ من الأمراض. وعم عيد رجل فى الأربعينيات من العمر ملامحه تبدو واضحة أنه رجل من شلاتين بشرته سمراء وجهه عليه علامات الشقاء والبراءة.. لا تفارق وجهه ابتسامة الرضا، يقول «المكواة عليها علامات خاصة بالحَجْر الصحى بحلايب وشلاتين »، وهو يعمل فى هذه المهنة من سنوات ويرى أنها مهنة تبدو من الوهلة الأولى بسيطة ولكن لا يستطيع أى شخص ممارستها، فهو يعرف درجة الحرارة التى يستطيع ختم الجمل فيها دون إصابته بحروق كما أنه لا يختم الجمل إلا فى الفخد اليمنى كما تتطلب حرصًا وحذرا من الحركات المفاجئة من الجمال التى قد ترفس أو تعض.


وعم عيد لديه أسرة مكونة من أربعة أولاد فى مراحل التعليم المختلفة، يقول «لم أعرف فى حياتى سوى هذه المهنة وأتقاضى أجرا يوميا من المحجر قدره 60 جنيها». 
أما «الحمّال » فيتمم نقل الجمل إلى منطقة التبة التى تقع خلف السوق وتعلو التبة عن الأرض بقدر مناسب بحيث يتوافق مستوى سيارة الشحن ومستوى التبة، لتيسير عملية الشحن ويتم وضع مجموعات من الجمال المجهزة للشحن على مسافات من بعضها البعض بصورة عرضية فى مواجهة ممرات التحميل من التبة إلى السيارات ويقوم الرجال المنتشرون هناك والمتخصصون فى
هذه المهنة بالتحميل مقابل 10 جنيهات فى اليوم الواحد بتقييد الساق الأمامية اليسرى للجمل حتى يسهل التحكم بها وتوجيهها إلى سيارات الشحن حيث يتم جر الجمال ودفعها فى سيارات النقل بمحازة أحدها للآخر ويتم تثبيت الجمال بحبال داخل سيارة الشحن حتى لا تحاول النهوض أثناء رحلة النقل من الجنوب إلى الشمال بمناطق مختلفة من الجمهورية.
ناصر، 20 سنة، شاب من شلاتين لا يعرف منذ نعومة أظافره سوى مهنة تعقيل الجمال «ربط الجمال » فى التبة.. يومه ينتهى ب 50 جنيها مع انتهاء السوق فى الرابعة عصرا، يقول «لم أجد مهنة غيرها هنا فالحياة فى شلاتين تنتعش داخل سوق الجمال». 


عثمان، 50 سنة، رجل يمتاز بخفة دم غير طبيعية وسخرية لاذعة من حياته، حينما بدأت الكلام معه وسألته عن مهنته قال «نأكل نشرب».. لم أفهم.. فضحك وأصر على هذا الاسم وبعد ذلك شرح لى مهنته وهى أنه يرعى الجمل فى أكله وشربه ونقله وتعقيله من أحد القدمين ونقله من الحجر إلى السوق «التبة » مقابل 10 جنيهات عن كل جمل. 
محمد، 60 ، سنة، بشارى، يعمل فى بيع الحبال التى تستخدم فى ربط وتقييد الجمال منذ 10 سنوات. أما الثويب مرشود من الرشايدة فيعمل «وكيا » والوكيل يتعامل بالنيابة عن المالك «غير المصرى » ويأخذ نسبة على الجمال التى يبيعها للتجار، أما «المستخلص » فهو الذى ينهى جميع إجراءات الترخيص مقابل أجر على كل تصريح يبلغ 30 جنيها وقد يصل إلى 80 جنيها. 
أما السمسار فهو صاحب اليمين الباطلة ـ كما يطلقون عليه- وهو يوفق بين الوكيل والمشترى وعمولته تصل إلى 100 جنيه من البائع والمشترى ومعروف بكثرة اليمين كى يقنع الطرفين.
الجربوعى.. حوت الصيادين يبتلع أسماك شلاتين
يمتلك أكثر من 30 مركب صيد.. ويستأجر الصيادين الفارين من جحيم الديون
أهالى المدينة يطالبون بتوطينهم.. ويتهمون جمعية الصيادين بالوقوف فى صف التجار
سكان شلاتين لا يأكلون السمك ولا الدجاج، فهم رعاة يفضلون لحم الماعز، ورغم وقوع المدينة على ساحل البحر الأحمر مباشرة، فإنهم امتهنوا الصيد منذ فترة قريبة وأصبحت الأسماك جزء مهمًّا من تجارتهم. السيد الجربوعى، تاجر الأسماك ذائع الصيت بالمدينة والملقب ب «حوت شلاتين »، يعرفه القاصى والدانى، حيث يمتلك أكبر أسطول للصيد بالبحر الأحمر يضم حوالى 30 قطعة بحرية ما بين مركب ولنش صيد، فضلا عن العشرات من سيارات النقل المبردة، كل ذلك جعله المتحكم الوحيد فى سوق الأسماك.
ويعتمد الجربوعى فى إدارة أسطوله على الصيادين الفارين من جحيم الديانة بالسويس والمطرية والفيوم، والذين ينتهى بهم المطاف ببيع مراكبهم للجربوعى، الذى يستخدمهم للعمل عليها باليومية بعد أن كانوا مُلّاكًا لها.
وبحسبة بسيطة، يحتاج كل مركب لريس و 4 بحارة، ويتحمل كل واحد منهم حوالى 2000 جنيه تكلفة الرحلة بإجمالى 10 آلاف جنيه، إضافة إلى مبلغ 5 آلاف جنيه للزوّادة «البنزين والسجائر والطعام »، وبذلك تصل مديونية المركب إلى 15 ألف جنيه قبل أن يبدأ عمله ليدر دخلا لأصحابه، ونظرا لكون رزق البحر غير محدد، تتراكم الديون على أصحاب المراكب فيضطرون لبيعها لحوت شلاتين بسعر بخس، والذى يتركهم يعملون على المركب مقابل يوميات زهيدة تمنعهم من ترك العمل معه.
يقول أحد الصيادين بالمدينة، ويدعى أبو على، إن فساد جمعية الصيادين أصبح كارثة جديدة تضاف لمن يعملون فى البحر، فعلى الرغم من قيام محافظة البحر الأحمر بدعم الجمعية بـ 15 مركب صيد، فإن عدم استخراج أوراق رسمية لها، حال دون ترخيصها، كذلك تكاليف فرش المركب وتجهيز ثلاجاته، وهو ما وقّع عليه رئيس الجمعية بالاستلام على الورق فقط، مما يعد إهدارا للمال العام. من جانبه، يقول حسن محمد سعد مدير جمعية الصيادين، إن المراكب الجديدة أوراقها أوشكت على الاكتمال، وإن رخص الثلاجات هى ما تبقى حتى الآن، حيث تحتاج إلى رسوم تصل إلى 750 ألف جنيه. ويضيف محمد مصطفى شيخ الصيادين، أن الجهات المعنية لا تقف فى صف الصيادين، حيث تختار الوقوف بجانب التجار، وبعضهم استولى على أراضى الصيادين بدعوى شرائها من مجلس المدينة، وأصبح سكان البلد الأصليون يعيشون فى بلوكات وعشوائيات. 
محمد صالح رئيس مجلس إدارة جمعية الصيادين، قال: «نعيش فى عشش وأكشاك خشبية، ولا نستطيع أن نبنى منازل لأننا لا نملك الأرض التى نعيش عليها، ونطالب بتوفير وحدات توطين لنا كغيرنا من أبناء شلاتين.