الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

خليل عبدالكريم.. القادم من الإخوان (5-5)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ويمضى خليل عبدالكريم ليواصل معركته ضد دعاة التخلف والتأسلم والرافضين للتجديد فى الفكر الإسلامي. وهو كعادته يأتيهم من حيث لا يتوقعون، وبحجج لا يتوقعونها. فهو لا ينقل عن معارك المجددين القدامى والمحدثين وإنما يعمل عقله وفكره ويرهق نفسه فى الرجوع إلى كتب التراث الموثوق بها، ومن ثم فإن خصوم التجديد الذين اعتادوا على الحجج القديمة ونقلوا الردود عليها عن القدامى يقفون حيارى أمام ما يقذفه من حجج يرونها غير قابلة للابتلاع، ولكنهم لا يملكون حججًا منقولة، ويعجزون عن البحث والدراسة للرد عليها إما كسلا أو عن غير علم، فلا يجدون مع حيرتهم سوى الشتائم والاتهامات بالكفر والردة وغيرها. وهكذا، وفجأة يفتح خليل عبدالكريم جبهة جديدة معلنا «نحن نعارض مقولة الغزو الفكرى من الغرب أو التغريب حسب توصيف البعض. ونرى أنها تسىء للإسلام وتظهره فى صورة الديانة الهشة التى تذروها هبة ريح. والأسباب التى يسوقها أصحاب هذه المقولة مثل العداء الصليبى للإسلام والمسلمين، والضعف الفكرى والتفكك الاجتماعى لدى المسلمين وتخلفهم عن ركب الحضارة، فى حين أن الغرب قطع شوطًا هائلًا فى التقدم العلمي، وهذه الأسباب معكوسة بمعنى أنها هى التى من المفترض أن تدفع المسلمين إلى الانفتاح على ثقافات الآخرين بمعناها الواسع، وذلك ليتعرفوا على دوافع العداء الصليبى وبواعثه وينقبوا عن جذوره التاريخية ويحاولوا تضييق مسافة الخلف أو الخصام أو العداء مع الآخرين، لأن الوضع الحالى للمسلمين لا يتيح لهم أن ينابذوهم بالشقاق بل عليهم أن يتفهموا حقيقة موضعهم من الخريطة العالمية، وعلى ضوء هذا الفهم يجىء تصرفهم بكياسة، وفى الحديث الشريف «المؤمن كيس فطن» (ص٢١).
ويمضى قائلا «ونحن لا ندرى كيف يغدو التقدم العلمى غزوا فكريا لأن العلوم التجريبية لا جنسية لها ولا دين. وقد تتلون العلوم الإنسانية بالمنبت الذى نشأت فيه أو تحمل بصمات البيئة التى ظهرت فيها، أما العلوم التجريبية فهى بعيدة عن ذلك. وأرجو ألا يفهم من ذلك أننا ندعو للابتعاد عن العلوم الإنسانية واستبعادها، بل نحن نذهب إلى وجوب الاطلاع عليها ودراستها وتحليلها ومعرفة المناهج التى تتأسس عليها لنطبقها على تاريخنا وتراثنا ثم على واقعنا ومجتمعنا». ويمضى خليل عبدالكريم قائلا «إن رافعى شعار الغزو الفكرى يقومون بعملية انتقائية فيختارون بعض المواد يضعونها فى الصدارة للتدليل على خطر الانفتاح على ثقافات الآخرين، مثل محاولة تشويه القرآن والسنة وشخصية الرسول عليه الصلاة والسلام، وأول ما يتبادر إلى الذهن هو السؤال الآتى: على مدار الأربعة عشر قرنا الماضية توالت محاولات التشويه هذه، ولم تتوقف بل ربما كانت فى القرون الوسطى أشد فداحة وأبشع صورة منها الآن، فهل نالت من الإسلام مثقال ذرة ؟» بالطبع لا، ويمضى بنا قائلا ونظرا لأن أصحاب مقولة الغزو الفكرى أو التغريب أو الغزو الثقافى لا يملكون منهجا واضحا على ميزانه تنضبط النظرية وتتحدد بدقة بالغة لتكتسب الحد الأدنى من المصداقية وتصبح بالتالى مقنعة، نراهم يخلطون الأمور خلطا عجيبا فيدعون أن تيارات الغزو الفكرى هى: الاستشراق- التبشير- الصهيونية- الماسونية- أندية الروتاري- العلمانية – القوميات – الوجودية- الفوضوية- البابية- البهائية. وثمة كتاب عنوانه «الغزو الفكرى فى التصور الإسلامي» ويزعم أن هذه التيارات كلها تشابكت وتشاركت معا ضد العقيدة الإسلامية» (ص٢٣). وردا على ذلك يقول خليل عبدالكريم «إن الحضارة الإسلامية لم تتخلق ثم تزدهر إلا بانفتاح المسلمين على ثقافات الآخرين فترجموها ونهلوا منها وأوسعوها دراسة وتمحيصا، ولو أن أولئك القدامى قالوا ما يقول المعاصرون من أن هناك مؤامرة على الإسلام وعقيدته وشريعته لما حدث التفاعل ثم الازدهار والإبداع والتألق الذى بدأ منذ القرن الأول الهجرى وحتى نهايات القرن الخامس الهجري. ولكن كيف السبيل الآن للحاق بالآخرين فى العلوم التجريبية والتكنولوجيا دون الانفتاح عليها وهضمها وتمثلها، ودون الأخذ بالمنهج العلمى الذى أثمرها وهو منهج الشك، وخلع أى هيمنة على العقل الإنساني. وخاصة أن العقل الإسلامى ومنذ ما يقرب أو يزيد على ثمانية قرون لا يعرف سوى الإذعان والتسليم والسمع والطاعة للنصوص وحراسها».
وأخيرا يوجه خليل عبدالكريم سؤالا صاعقا ضدالقائلين بالغزو والتغريب، فيسألهم ما هى الطرق التى ستتخذونها لمنع الثورة الهائلة فى الاتصالات والتى دخلت على الناس مخادعهم وحملت ثقافات الآخرين وطرائق معاشهم وعلاقاتهم الأسرية والاجتماعية، وإذا كانوا قد نجحوا فى منع ترجمة الكتب المحرمة والتى تتناول مواضيع محرمة فهل يمكنهم الوقوف فى وجه طوفان ثورة المعلومات والاتصالات الجبارة؟ (ص٢٦).
والحقيقة أننا إذا تأملنا هجمة خليل عبدالكريم الضارية على رافضى التغريب، وما سموه الغزو الثقافى فإننا نعود إلى نهايات عشرينيات وبداية ثلاثينيات القرن الماضى، عندما أهاج الدنيا أمثال رشيد رضا وحسن البنا وغيرهما، رافضين ما سموه الغزو الثقافى والتغريب، وربطوا ذلك بما ادعوه من وجود حملة تبشيرية تستهدف تنصير الشباب المسلمين. وهى حملة ثبت بالبحث الدقيق أنها لم تكن للتبشير وسط المسلمين وإنما للتبشير بالكاثوليكية ثم بالبروتستانتية وسط المسيحيين الأرثوذكس، وأن ادعاءات التنصير كانت ادعاءات صهيونية روج لها صهيونى أصدر مجلة تبشر بالصهيونية وتحمل فى نفس الوقت عناوين صارخة؛ مثل هكذا حاولوا تنصيري». لكن الشىء المؤكد أن هذه الحملة الرجعية التى شنها رشيد رضا وحسن البنا قد أثرت تأثيرا سلبيا على محاولات الانفتاح على الثقافة الغربية، ودفعت كثيرا من المفكرين والمجددين إلى التوارى خلف مؤلفات ودراسات إسلامية، مثل العقاد فى عبقرياته وطه حسين فى «على وبنوه» ومحمد حسين هيكل فى «مهبط الوحي» و«حياة محمد». ويبقى دور خليل عبدالكريم بارزا وشجاعا وقادرا على إسكات الرجعيين والمتحجرين بحجج أتاها عن غير طريق النقل، وإنما عبر إعمال العقل وإعادة دراسة التراث. تحية لخليل عبدالكريم.. المفكر والمجدد والمناضل والشجاع.