ماذا أقول عن رجل كان بين يدى ثم اختطفه الموت منا جميعًا؟
ماذا أقول عن زميل عمل معى بروحه وشاء القدر ألا يكمل معنا؟
ماذا أقول وقد أتعبتنى الفاجعة فصارت الكلمات بائسة هزيلة أمام هول الفقد؟
عرفت الصديق الدكتور محمد حافظ دياب، شيخ الدراسات الإنثروبولوجية في الجامعات المصرية والعربية، منذ سنوات طويلة.
عرفته من كلماته قبل لقاء الأوجه.
كانت معركتى الأساسية– ولا تزال– ضد تجار الدين وبائعى الأوطان من الجماعات الإسلامية، اشتبكت معهم ونلت منهم ما يكفى.
صرت أبحث عن أي سطر يعرى فكرهم، يكشف أكاذيبهم، عله يكون عونًا لى في معركتى التي أقسمت من البداية ألا أتركها أبدًا.
كانت كتابات هذا الرجل أمامى دائمًا وأنا أخوض معركة فكرية واسعة ضد الجماعة الإرهابية.
لقد حطم الدكتور حافظ دياب كبيرهم سيد قطب في كتابه: "سيد قطب.. الخطاب والإيديولوجيا" عبر دراسة وافية شاملة لـ"الخطاب القطبى".
كان دائمًا في منزلة الأستاذ عندى.
كنت أشعر بـ"غصة" في حلقى من غياب الأضواء عن هذا الرجل، كنت أشعر دائمًا بـ"حقه المهضوم" فهو باحث فذ لم يحصد المكانة التي يستحقها.
ربما لا يزيل هذه الغصة سوى حصوله على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 2013، ووسام الفنون والآداب من الطبقة الأولى عام 2013.
حينما فكرت في إنشاء مركز للبحوث والدراسات يختص بشكل أساسى بدراسات الإسلام السياسي مع الأستاذ سيد ياسين كان الدكتور دياب أول من حضر في ذهنى.
لم لا وهو من أبرز علماء الاجتماع في العالم العربي، قدم للمكتبة العربية أكثر من 50 كتابًا في الدراسات الإنثروبولوجية بفروعها المختلفة.
رحلة هذا الرجل حافلة بالعطاء، ولد في الثالث من يناير عام 1938 بقرية منية سمنود بمحافظة الدقهلية، وحصل على درجة الدكتوراه في الاجتماع من جامعة القاهرة عام 1980 عن حياة المهاجرين الجزائريين في مدينة مرسيليا الفرنسية.
في الحياة الأكاديمية كان له سهم، فقد تنقل بين عدة جامعات منها جامعة عنابة بالجزائر، وجامعة الرياض بالسعودية، وجامعة ناصر بليبيا.
أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه في الإنثروبولوجيا والفولكلور وعلم اجتماع الأديان، وتدرس بعض أعماله في جامعات تونس، والجزائر، والمغرب، وبنسلفانيا كمادة دراسية في علم اجتماع المعرفة والدين والثقافة.
وتحفل المكتبة العربية بكتابات الدكتور حافظ دياب عن "علم الاجتماع" و"الإسلام السياسي" و"التاريخ السياسي المصرى".
هنا في "البوابة" اخترنا أن نقيم "سرادق من ورق" لزميل قبل أن يكون أستاذًا في تكريم لا يساوى شيئًا أمام ما قدمه لهذا الوطن على أمل أن نقيم له ما يستحق من تكريم عبر جائزة باسمه أو صالون فكرى. فقط نجلس ونفكر ثم نختار ما يساهم في تخليد اسم الراحل الفذ الأستاذ الدكتور محمد حافظ دياب.