ليس هناك شك فى أن أخطر ما تمثله الممارسات الإرهابية التى تقوم بها فى الوقت الراهن تنظيمات إرهابية إسلامية مزعومة هو تهديدها حقوق الإنسان، وخصوصا الحق فى الحياة، الذى أصبح ضحية لحوادث الاغتيالات الإجرامية والتفجيرات العشوائية التى يقع عشرات من المواطنين ضحية لها.
وتجد الدولة المعاصرة فى شتى أنحاء الأرض – بعد أن تعولم الإرهاب وأصبح عابرا للحدود- مشكلات كبرى فى مجال المواجهة الأمنية للجرائم الإرهابية، وذلك لأنها - حرصًا منها على احترام مبدأ سيادة القانون - تسعى إلى مقاومة الإرهاب بغير مخالفة لحقوق الإنسان التى نصت عليها الدساتير.
وتضطر الدولة المعاصرة -سواء كان ذلك فى الشرق أو فى الغرب- إلى اللجوء فى لحظات الخطر المحدق بالمجتمع إلى فرض قانون الطوارئ الذى يعطى للدولة الحق فى تطبيق إجراءات استثنائية فى مجال القبض والتفتيش والاعتقال؛ حماية لأرواح المواطنين وتحقيقا للسلام الاجتماعى.
ونحن نعرف من واقع الخبرة المعاصرة فى عديد من الدول، أن فرض قانون الطوارئ عادة ما يؤدى إلى اعتراضات من قبل منظمات حقوق الإنسان، خشية إساءة استخدامه، التى تحدث أحيانا بالفعل فى بعض الحالات.
وفرض قانون الطوارئ فى مصر والذى استمر سنوات أثار عديدًا من الاعتراضات، سواء من قبل أحزاب المعارضة أو منظمات حقوق الإنسان، التى بالغت فى رفع شعارات الحرية، مهدرة فى الواقع حقوق الإنسان الحقيقية، والتى تتمثل فى الحق فى الحياة الذى تهدده التنظيمات الإرهابية.
ويمكن القول إن عديدا من منظمات حقوق الإنسان فى العالم العربى والتى لها علاقات وثيقة بالمنظمات الدولية –لدرجة أنها تتلقى تمويلات أجنبية كبيرة لتساعدها فى الهجوم المنظم على الدول الوطنية -أصبحت «بضاعتها» الأساسية الدفاع المزعوم عن حقوق الإنسان، والاعتراض على قوانين الطوارئ إن فرضت، بدون أدنى اعتبار لاحترام حقوق ضحايا الإرهاب من المواطنين الأبرياء أو ممثلى السلطة، سواء كانوا من القوات المسلحة أو الأمن أو القضاء.
وبلغ الاستهتار بحقوق ضحايا الإرهاب أن أستاذا جامعيا مصريا يقوم بتدريس الفلسفة فى جامعة القاهرة، زعم فى مقالة أخيرة له أن القاتل (ويقصد الإرهابى الذى يمارس فعل القتل) والمقتول (ويقصد ضحية الإرهاب) فى النار سواء بسواء!
وأنا مندهش فى الواقع –مع كل احترامى لحرية التعبير- كيف يسمح لهؤلاء الأدعياء بنشر أباطيلهم فى صحف سيارة، عرف عنها الدفاع المباشر عن جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية قبل توليها الحكم فى غفلة من الزمن، وبعد سقوطها السياسى المدوى وفشلها الذريع وتهديدها المباشر للأمن القومى المصرى.
نقول لهؤلاء الكتاب والناشطين السياسيين الذين يصرون على نشر آرائهم المملة حول ٣٠ يونيو باعتبارها انقلابا أنتج ما يزعمون أنه دولة سلطوية- عليهم أن يتابعوا ماذا فعلت الدولة الفرنسية بعد تعرضها للهجوم الإرهابى الداعشى الذى أدى إلى سقوط المئات من المواطنين الفرنسيين الأبرياء.
لقد أصدر رئيس الجمهورية الفرنسية، على الفور، قرارا بفرض حالة الطوارئ التى تعطى لأجهزة الأمن والأجهزة القضائية سلطات استثنائية فى مجال القبض والتفتيش واعتقال المشتبه فيهم.
غير أن رئيس الجمهورية «أولاند» أحسّ بضرورة تطبيق قانون الطوارئ وإدراجه رسميا ضمن الدستور لمواجهة الإرهاب. وليس هناك شك فى أن الدولة الفرنسية بحكم تاريخها السياسى والفكرى من أكثر الدول فى العالم احتراما لحقوق الإنسان وتطبيقا دقيقًا لمبدأ سيادة القانون.
وأحيل هؤلاء المشغولين بأهمية الحفاظ على حقوق الإنسان بالنسبة للإرهابيين، إلى ما نشرته جريدة الأهرام يوم ٢٤ ديسمبر ٢٠١٥ تحت عنوان «فرنسا تدرج فرض الطوارئ رسميا ضمن الدستور لمكافحة الإرهاب».
ويقول الخبر ما يلى «أقرت فرنسا أمس إدراج فرض حالة الطوارئ فى الدستور لمواجهة التهديدات الإرهابية، وذلك على الرغم من انتقادات المعارضة لهذه الخطوة باعتبارها ضد الحريات، وأعلنت السلطات الفرنسية الطوارئ فى أعقاب مقتل وإصابة المئات فى هجمات ١٣ نوفمبر الماضى. التى أعلن تنظيم داعش الإرهابى مسئوليته عنها.
وتسمح حالة الطوارئ لممثلى الدولة بتنفيذ مداهمات وفرض الإقامة الجبرية على أفراد وحل جمعيات دون الرجوع إلى السلطة القضائية بمجرد الاشتباه بوجود تهديد على الأمن العام.
ويفترض أن يعرض هذا النص على البرلمان للمصادقة عليه، ويحتاج لإقراره إلى أغلبية ثلاثة أخماس أعضاء مجلسى النواب والشيوخ. وفى الوقت ذاته، دعا الرئيس الفرنسى «فرنسوا أولاند» مواطنيه إلى التضامن والإخوة والتفاؤل فى نهاية عام كان مريعا ومؤلما، لاسيما بالنسبة إلى العاصمة باريس التى شهدت بدايته ونهايته اعتداءات إرهابية».
ويمكن القول إن فرنسا ليست الدولة الوحيدة التى قررت فرض إجراءات استثنائية لمواجهة الإرهاب بعدما تأكدت التطورات الراهنة فى مجال الممارسات الإرهابية، وخصوصا استخدام المنظمات التكفيرية وسائل الاتصالات الحديثة فى تجنيد الشباب لكى يلتحقوا بالخلافة الإسلامية الداعشية.
ولا شك أن فرنسا بحكم تراثها العريق فى حماية الحريات الأساسية للإنسان، أرادت أن تكون هذه الاستثناءات منصوصا عليها فى الدستور الفرنسى نفسه؛ حماية للوطن وضمانا لسلامة المواطنين وحرصا على استقرار المجتمع وحفاظا على الأمن القومى.
هذه دروس بليغة نهديها لدعاة الليبرالية المزعومين وأنصار جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، والذين يجمعهم جميعا رفض ثورة الشعب فى ٣٠ يونيو، سواء باسم الشرعية المزعومة أو الليبرالية المزيفة!