الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

حرب الـ3 ورقات!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعيش الدولة التركية ورئيسها هذه الأيام حالة غير مسبوقة من التخبط السياسى والبله الفكرى الذى كان وراء ما يحدث على الجبهات الحدودية، سواء على خط العراق أو على الجبهة السورية، التى باتت أشبه بالمغلقة فى وجه العربدة التركية وأمام ما كانت «ترسله» عبرها من مقاتلين مرتزقة مأجورين بالأموال الخليجية المعروف مصدرها منذ سنوات طوال، مدججين بأحدث الأعتدة أمريكية وإسرائيلية الصنع، ولكن التدخل الروسى المباشر الذى تم قبل أكثر من شهرين ولا يزال يواصل ضرباته الموجعة لتنظيمات المرتزقة الذين أعطوا أنفسهم اسم إسلامية لتبرير هذه الحملة المسعورة على الدولة السورية التى ما كان لها أن تستمر لسنوات لولا تمترسها وراء تلك التسمية الفضفاضة والمخادعة.
وتحاول الدولة التركية -منذ وقوعها فى ذلك الخطأ الاستراتيجى- الذى كشفت المقاتلات الروسية عنه الغطاء، فى الآونة الأخيرة، الهروب منه، ولكن إلى الأمام، أى القيام بمناورات سياسية أقل ما يمكن وصفها به هو الحماقة، حيث تحاول اللعب بالأوراق المتاحة وخلطها، وخلق جو عالمى من الارتباك السياسى والعسكرى، علها تخرج من هذه المعمعة أو «المدعكة» بأقل الخسائر الممكنة، لكن أردوغان الذى أثبت بالأدلة القاطعة أنه سياسى «محلى» أفقه ضيق، وأوراق تحركاته محدودة للغاية وآخر آيات ذلك ما فعله ساسته -المنفذين لخطه السياسى- قبل أسبوع حيث صرح وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، أن بوسع بلاده والناتو احتلال روسيا فى أقل من أسبوع، متجاهلا أبسط البديهيات المتعلقة بقدرات روسيا العسكرية.
هذا التصريح الأحمق -الذى وافق عليه أردوغان بالقطع- أثبت أن تركيا تعيش واقعا «افتراضيا» عميقا، فغير خافٍ على أحد أن حادث إسقاط القاذفة الروسية على الحدود السورية التركية ورد الفعل الأول -الذى لم يتبعه ثانٍ حتى الآن- جعل أنقرة فى حالة رعب غير مسبوقة من احتمالات أى رد عسكرى روسى حتى الآن، فاستعاضت عن ذلك الإحساس بالمكابرة ولم تقدم اعتذارا رسميا -فات أوانه الآن- كان يمكنه إيقاف التداعيات التى كبرت مثل كرة الثلج فى منحدر وعر، واستمرت فى نبرتها التصعيدية متلفعة بسياسة الاحتماء بالناتو والتهديد بعصا بروكسل رغم تنصل الغرب إجمالا من فعلتها.
والمضحك فى تصريح وزير الخارجية التركى الذى بثته إحدى القنوات التركية ثقته مما تحدث عنه وإيمانه بقدرة بلاده والناتو مجتمعين على غزو روسيا واحتلالها، ليس خلال أشهر كما سبق لهتلر أن وعد جيشه، بل فى فترة أقصر من ذلك بكثير تمتد لبضعة أيام، كما يثبت أن السياسة التركية لا تجيد المناورة أو تخطى حالة التبلد التى أصيبت بها الشخصيات السياسية التركية التى اتضح افتقادها «لرجل رشيد» يزن القرارات الصادرة عن أى مسئول بميزان حساس، لأنها قرارات غير عقلانية وتحتاج إلى مراجعة شاملة قبل أن ينطق بها الهوى الذى يتحرك فى إطاره كافة الساسة الأتراك وآخرهم أوغلو الذى لم يعِ قبل النطق بتصريحه إمكانيات بلاده، وإمكان «توريط» حلف الناتو الذى أصابته شروخ عميقة منذ انتهاء الحرب الباردة وتفتت الاتحاد السوفييتى الذى كانت روسيا أكبر ورثته من حيث السكان والقدرات الصناعية والعسكرية الهائلة والتى أهّلتها لتعود لصدارة المشهد العالمى أمام الصلف الأمريكى الذى ظن أن واشنطن قد تفردت «بحكم» العالم باعتبارها القوة العظمى الوحيدة التى من «حقها» فعل ما تشاء وقتما تشاء، فيما كان الجانب الروسى يتعاظم بهدوء ويعيد بناء قواه واقتصاده فى سياق أكثر هدوءا، بينما كان الجانب التركى منذ صعود الإخوانى رجب طيب أردوغان يهرب للماضى ويحاول استعادة الدولة العثمانية، ويغرى بلدانا عربية كانت خاضعة للأستانة عاصمة الخلافة، بالانضمام إليه حتى يعيد الخضوع القديم ولو سياسيا على الأقل.
ما حدث ويحدث من النظام التركى أنه يتوهم قدرته على اللعب بالأوراق، يخلطها كيف يشاء ويبعثرها أين يشاء مستندا على علاقته بالولايات المتحدة التى أثبتت له ولغيره من الأنظمة أنها تسير فى سياستها وراء مصالحها الخاصة ثم وراء مصالحها الاستراتيجية عبر حلفائها المتعددين على مستوى العالم، وتناصب دولا العداء، لكن هذا العداء لا يتخطى اللعب السياسى إلى صدامات مباشرة تؤدى إلى إشعال حروب قد تجد نفسها فيها عاجزة حتى عن استخدام أسلحتها النووية، لأن هذه الدول -ونقصد الصين الشعبية وروسيا الاتحادية- تملك ترسانات نووية هائلة تكفى لتدمير الكرة الأرضية ذاتها عشر مرات، كما نوه خبراء متخصصون قبل عدة سنوات، وبالتالى لن تغامر الولايات المتحدة بحرب غير مأمونة أو مضمونة، انتصارا لحليف مثل تركيا يمارس سياسة طفولية تحاول أن تظهر أمام شعبها بمظهر الدولة القوية المهابة، فيما تلعب لعبة قديمة عفا عليها الزمان كانت تسمى فى مصر «الثلاث ورقات» المرتبطة بالنصب والاحتيال، بل إن التاريخ نفسه لا يتذكر انتصارا واحدا للأتراك على روسيا التى جرعت تركيا مرارة الهزائم الواحدة تلو الأخرى، وتنازلت لها عن أراض بينها شبه جزيرة القرم وغيرها، وربما آخرها «المنطقة العازلة» شمال سوريا، حتى إن بوتين تحدى أردوغان مؤخرا وعلى شاشات الفضائيات بأن تحلق طائراته من الآن فصاعدا فى أجواء سوريا!