الأربعاء 27 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

وإيش تعمل الماشطة.. فى الفقر الدكر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مافيش حد فى مصر ولا غير مصر مايعرفش إن منصب المحافظ يعنى وباختصار إنه رئيس جمهورية محافظته.. وإنه الرجل الذى اختارته الإدارة فى أى نظام لينفذ خطة الدولة فى مساحة ما من «الجمهورية».. حددتها الجغرافيا والطبيعة وأحيانا الاحتلال.
ومافيش حد فى مصر برضه.. ويمكن خارج مصر برضه ما يعرفش إن المحافظين فى مصر الآن لا يملكون من أمرهم شيئا.. ولا يستطيعون لا وضع خطة ولا تنفيذ خطة.. ولا اتخاذ أى قرار، حتى ولو كان نقل أصغر ممرضة فى المستشفى اللى جنب مبنى المحافظة ذات نفسه.. طب ده بيحصل ليه وازاى.. ده سر «الخلطة» اللى مش ممكن تلاقيه فى أى حتة سوى مصر!
الدستور والقوانين واللوائح والعرف شىء.. وما يحدث على الأرض شىء تانى خالص.. ده أحمد.. وده ابن عم الحاج أحمد.. مش الحاج أحمد كمان.
وحتى لا يبدو ما أكتبه مثل قرارات المحافظين تماما.. كلام فى التهاويم.. لمجرد ملء الفراغ.. أو كأنه كلام بجد.. مجرد كأنه.. سأحكى لكم ما حدث معى منذ سنوات ليست بعيدة وفى وجود أحد المحافظين الذين صاروا إعلاما، فقد انتقل إلى منصب الوزير لفترة قبل ما يجلس فى بيته فى انتظار اتصال هاتف من معدى أحد البرامج لاستضافته كخبير سابق.. يحلل وينظر ويطلب نفس ما كنا نطلبه منه ولم يستطع تنفيذه، وكأنه لم يكن محافظا ولا وزيرا فى يوم من الأيام.
كان وأن عرض علينا صديق عضو بمجلس إدارة أحد الأندية الكبرى فكرة لإنشاء مصنع لتجفيف البصل فى محافظة سوهاج، باعتبارها من المحافظات المهمة التى تصلح أراضيها لزراعته، ولكونها بالفعل تنتج أصنافا عالية الجودة منه وبغزارة، حتى إن الفلاحين هناك يضطرون إلى عدم «تقليع البصل» من الأرض فى موسم الحصاد، وتركه غذاء للبهائم، لأن تكلفة «قطعه بالمناجل» أعلى من السعر الذى يعرضه التجار لشرائه.. ولأن المصنع الوحيد للتجفيف فى المحافظة -ربما فى الصعيد كله- توقف عن العمل منذ سنوات رغم وجود ٢٠٠٠ عامل ماهر على قوته.. لأن من اشترى المصنع أيام الخصخصة يريد بيع أراضيه بالمتر، بعد أن وصل سعر متر الأرض فى سوهاج إلى أرقام خرافية تجاوزت أسعار الأراضى فى القاهرة والإسكندرية.
المهم وبما أننى من أبناء المحافظة تحمست جدا للفكرة.. وبادرت بالاتصال بالسيد علاء ياسين سكرتير عام المحافظة وقتها لتحديد موعد للرجل ولشريكه المستثمر العربى الذى يرغب فى إنشاء المصنع.. وتم تحديد موعد لى مع سيادة المحافظ.. لأسافر لبلدى على عجل وأنا أحلم بأننى فتحت عكا.
ثلاث ساعات متواصلة والسادة مديرو الإدارات الذين أوكل إليهم سيادة اللواء المحافظ الجلوس معى يتحدثون عن التنمية وعن المحافظة التى هى الأفقر على مستوى الجمهورية والتى خرج من بين أبنائها عشرات من قادة جماعات التطرف، والتى هاجر منها الملايين إلى بلاد الخليج والعراق من قبل، بحثا عن الرزق بعد أن ضاق الجبلان على ضلوع بيوتهم.
لأكتشف فى نهاية المطاف أن المحافظ لا يستطيع أن يتخذ قرارا حيال هذا الأمر.. فتخصيص الأرض التى ينبغى أن يقام عليها المصنع لا يملكه سوى المجالس الشعبية المحلية.. وكانت قد تعطلت وقتها.. كما أن خطة إنشاء المصانع ورخصها تمنحها هيئة التنمية.. أو وزارة الاستثمار.. وربما كلاهما، لا أتذكر اسم الجهة تحديدا الآن.
شعرت فى البداية بغيظ شديد.. طب انتو جبتونى ليه.. ولينا ٣ ساعات بنشرب فى شاى وقهوة وبنرغى فى إيه.. ما كان من الأول حد يقولى الموضوع مش عندنا أصلا.. والمحافظ هنا مجرد رجل يتلقى الأوامر.. وليس كل الأوامر.. فالمدارس تتلقى تعليماتها من وكيل المديرين الذى يتلقى تعليماته من وزير التعليم.. والطبيب فى المستشفى من وكيل الصحة الذى يتلقى تعليماته من وزير الصحة.. والعسكرى فى المركزى من المأمور اللى يتلقى أوامره من وزير الداخلية، وهكذا دواليك، وبالمناسبة مش عارف عن دواليك دى سوى أنها مصطلح من سجلات البيروقراطية المصرية!
وتفضل الجالسون معى بمنحى أرقام هواتف وعناوين بعض المسئولين فى القاهرة ممن بيدهم أمر مثل هذا الموضوع.. وكان على رأسهم أحد المتهمين الكبار فيما تلا من أحداث عقب «٢٥ يناير».
المهم لم أكذب خبرا.. وذهبت إلى تلك الأماكن، فقد أوصانى هؤلاء المسئولون فى المحافظة ألا يصيبنى الإحباط، وأن أستخدم «نفوذى» لإجراء تلك المقابلات التى قد تسفر عن إنشاء المصنع الذى سيخدم أهلهم وناسهم ومحافظاتهم.. وفعلت وكانت المفاجأة أن السادة هنا فى القاهرة يريدون الاستثمار فى مجال الأسمنت.
ساعات طويلة أحاول أن أشرح لمن جالستهم أن محافظتى لا تجد شبرا لتبنيه.. وأن الأسمنت موجود فى أسيوط من الشمال.. وقنا من الجنوب.. ولا أحد يسمع.. هم لديهم أوراق ودفاتر وخطط.. ينفذونها.. وعلينا نحن أهل البلاد والمحافظين معنا أن نسمع فقط.. ولو ماسمعناش يبقى أحسن!
لم تكن هذه التجربة هى الوحيدة التى كشفت لى ذلك الخلل الكبير فى طريقة تعاملنا مع المناصب.. وكان للزميل الراحل المبدع عزازى على عزازى، الذى أصبح لوقت ليس طويلا محافظا، حكايات معى.. كشفت لى أن المحافظ «الجدع» اللى يغزل برجل حمار.. ويلعب بره «التراك».. ولكن فى النهاية لن تستطيع أن تبنى وطنا على أسس سليمة إذا ما استمر الحال بهذه الطريقة.
لا أستبق الأمور وأنا أتابع حركة المحافظين الجديدة.. لكننى أقولها وأمرى لله.. الموضوع مش فى اسم المحافظ.. ولكن فيما يستطيع أن ينفذه.. فى حد دوره.. وصلاحياته المتشابكة مع صلاحيات الوزراء.. فى حدود إرادتنا أولا وموقفنا من فكرة التنفيذ.. إحنا عايزين تغيير حقيقى ولا هى مناسبة ولازم نحتفل بيها -على قديمة-؟! أتمنى أن أجد إجابة عند من بيدهم القدرة على «نسف» نظرية الماشطة.. والوش العكر.. لأن المشكلة مش فى الوش خالص.. المشكلة فى الدماغ لو كنتم تعلمون.