لا يزال ما جرى في ٢٥ يناير ٢٠١١ هو الأكثر غموضًا وضبابية في حياة المصريين السياسية، ولو حاولت أن تقرأ الكم الهائل المنشور من مقالات وكتب ودراسات وتقارير وبحوث لأطراف مختلفة ومتباينة ومتضاربة عما جرى، فلن تنجو من دوار هائل، فمن منصة البحث أستطيع أن أقول لكم، إن المصريين تعرضوا لأكبر عملية خداع في تاريخهم، فيما يخص حقيقة ما حدث في ثورة يناير.
ما زلت عند موقفى، فأنا كنت مع الثورة الحدث، شاركت في أحداثها، وتفاعلت مع تطوراتها، ونزلت مع بناتى إلى الميادين الغاضبة، وكنت أعرف أن النظام القائم لن يصمد طويلًا أمام هبات الغضب، فقد اختبرت رجال هذا النظام، فلم أجد منهم رغبة في التغيير أو الاستجابة، وكنت أعرف أنهم يومًا ما سيدفعون ثمن عنادهم، واعتقادهم أنهم قادرون على الاستمرار في حكم شعب تأكله نيران الغضب مما يلاقيه على أيديهم.
خلال السنوات الماضية تفاعلت مع ثورة ٢٥ يناير على مستويين، الأول سياسي ينطلق من أرضية واضحة، وهى أنه لا قبول لخيانة الوطن، ولا سكوت على من يريدون بيعه لمن يدفع أكثر، وفى هذا السياق خضت حربًا شرسة ضد من أرادوا تحويل الطاقة الثورية الهائلة التي أبداها المصريون في الميادين، إلى عملية تخريبية، لم أتراجع عن استخدام كل الوسائل الممكنة وغير الممكنة للدفاع عن وطن هو أمانة في أعناقنا جميعًا.
تحملت ما لم يتحمله أحد من اتهامات وتشهير ومطاردات قضائية ومحاولات اعتداء، حتى يجبرونى عن التراجع عما أرى أنه صحيح، لكنى تمسكت بموقفى، وكنت وما زلت قابضًا على الجمر، فعندما تكون القضية هي مصر، فلا تردد ولا خوف ولا مساومة، فما الذي يمكن أن نكونه، إن لم ندافع عن وطننا.
المستوى الثانى تمثل في الدراسة العلمية، كنت أعرف أن المعركة على الأرض فخضتها، لكنى كنت أدرك أيضًا أن الجزء الأكبر من المعركة يدور في العقل، الذي خططت جماعات بعينها لمصادرته والسيطرة عليه، فواصلت عملى البحثى بدقة وموضوعية، لم أحدد نتائج محددة، بل دخلت الساحة متجردًا تمامًا، حاولت أن أعرف ماذا جرى على الأرض في الـ١٨ يومًا التي استغرقتها الثورة، لكنى بحثت عما جرى خارج مصر، فلم يكن ٢٥ يناير حدثًا منفصلًا على الإطلاق عما كان يدور في العالم بخصوص مصر.
بداية من الغد سوف أبدًا في نشر حلقات خاصة، أرسم فيها صورة بحثية دقيقة عن الطريق الذي سار فيه الذين شاركوا في ٢٥ يناير، الطريق لم يكن طويلًا فقط، بل كان وعرًا أيضًا، أعرف أن كثيرًا مما تضمه هذه الحلقات لن يكون مرضيًا لأطراف كثيرة، وأعرف أيضًا أنه سيكون مفاجئًا لأطراف أخرى، لكن في النهاية هذا ما توصلت إليه، وأنا عنه راضٍ تمامًا، ولا مانع عندى من أن أفتح ساحة للمناقشة حول ما جاء في هذه الحلقات، فالحوار وحده هو الذي سيبنى هذا الوطن، أما أصحاب الصوت الواحد والهدف الواحد والرأى الواحد، فهم أخطر أعداء العقل والمستقبل.
إننى أتحدث مع قارئ أعرف أنه يتحرك على أرض وطنية، ولذلك كنت حريصًا على أن أنطلق من هذه الأرضية في البحث، فلا أنا من الباحثين عن مكسب، ولا أنا من المتملقين لرضا فئة بعينها، إننى أكتب لوجه الحقيقة وحدها، فما أصبت فيه فهو لى، وما أخطأت به فعلىّ.