بعيدًا عن السياسة وتناقضاتها، وعن إنصاف أو إجحاف، شعرت بالسعادة والفخر لرؤية صورة تجسد عظمة وشموخ الزوجة المصرية، فقد رأيت مصادفة تسجيلًا تليفزيونيًا للرئيس مبارك يوم ميلاده من عامين تقريبًا وهو يلوح من نافذة حجرته بمستشفى المعادى لمهنئيه المتجمهرين أمام المستشفى، ولفت نظرى صورة زوجته كأم حانية ممسكة بكلتا يديها بخصر وظهر زوجها خشية سقوطه، وهى تتوارى فى ظهره، ولكن الكاميرا المبدعة أتت بصورتها منعكسة على الزجاج، وشرد ذهنى فى حياة هذه الزوجة الوفية المخلصة، والتى عكست صورتها كل معانى الصبر والوفاء وإنكار الذات، فالسيدة سوزان مبارك رقيقة المشاعر شديدة التهذيب، صامدة وصابرة على محنة لا يستطيع أن يتحملها إلا الأشداء، فهى ابنة الطبقة الراقية، المدللة فى بيت أبيها، والتى تزوجت أحد أبطال القوات الجوية وهو اختيار صعب فى زمن الحروب من (١٩٤٨ ـ ١٩٧٣)، وكانت الأسرة تعلم أنها تزوج ابنتها اليوم لشهيد الغد، مضى العمر وهى زوجة مثالية كزوجات ضباطنا الصابرات، علاقتها بزوجها ملؤها الحب والاحترام، ويظهر ذلك فى حواراتهما الإعلامية، وفيما تعرضا له من مواقف، فنجد الزوج «الرئيس» فى أحلك الظروف أثناء تركه للحكم وانتقاله إلى شرم الشيخ طلبه الوحيد الانتظار لوصول زوجته ليساندها ويطمئنها، ويستمد كل منهما القوة من الآخر، هذه السيدة الفاضلة نالها الكثير من الطعنات سواء بوعى أو جهل وأشاعوا عنها صفات من المستحيل عقليًا أن تتصف بها، فالقسوة والعجرفة لهما معالم تظهر على الوجه ونظرة العين، وكانت فى مكان ومكانة ساطعة لا تستطيع أن تتخفى أو تظل طوال سنوات تقوم بالتمثيل بلا ضرورة، ولكن العزاء أن السيدة الفاضلة جيهان السادات سبق وتعرضت للقيل والقال من السفهاء، واليوم عادت إليها مكانتها واحترام وحب الجميع، وقد أعدت داخلى مكانة السيدة سوزان، وأنا أرتكن إلى وقائع بنيت بها جسور الحب لها، فمنذ طفولتى أشترك فى حفلات رئاسية، وفى مراهقتى اشتركت كعازفة منفردة فى حفل رئاسى، وفوجئت بعد بداية العزف بالاستعداد لتقديم عشاء، فغضبت وشعرت بالإهانة، وأنهيت ما أعزفه ولم أستكمل البرنامج، ولأنه كان من المقرر عدم مغادرة المسرح إلا بانتهاء الحفل، فقد ظللت جالسة ساقًا على ساق بغضب وعصبية شديدة حتى انتهى الحفل، ووقف الجميع لتحية الرئيس وحرمه، لكنى أبيت الوقوف وظللت على الكرسي، وتلاقت عيناى وعيناها على مسافة قليلة وشعرتها متعجبة لموقفي، وكنت وقتها شديدة المعارضة بسبب الصحف والبرامج التى تعمل لهدم الدولة، ولم أدرك حينها سخف فعلتي، ولكن إرادة الله أن أعلم بالتجربة أنها ليست كما صوروها متجبرة وقاسية وتعصف بمن يغضبها، وزاد يقينى عندما سمعت الإعلامية «بثينة كامل» المعارضة لمبارك وأسرته ونظامه، والتى روت أنها رأت السيدة سوزان مرة واحدة خارج مصر باحتفالية حضرتها والتف الجميع حولها ووقفت بثينة بعيدًا فى الخلف حتى شاهدتها السيدة سوزان ـ والتى تعلم مدى شراسة معارضتها ـ فداعبتها بحنو وحميمية متسائلة عن سبب اختفائها، وهو ما جعلنى أجزم أنها متميزة وراقية، فالطبع يغلب التطبع مهما حاولنا التجمل، وهى أم نموذجية فلا يختلف أحد على حسن تربية ولديها واللذين رغم المحنة والحالة النفسية الصعبة لم يصدر منهما إشارة اعتراضية أو لفظ مسيء، رغم أنهما لم يعرفا الحياة الصعبة منذ ميلادهما، فعائلة مبارك مترابطة ومتآلفة برعاية الزوجة الحاضنة التى لها فضل أيضا فى المشاركة فى تربية الأحفاد بسعيها لتثقيفهم بحب القراءة وتنشئتهم على الأخلاق والإخلاص، وتنمية قدراتهم الفنية والرياضية، وهو ما يلاحظ فى كتابات الحفيد «عمر» الشاب القوى المؤمن الذى سانده فى شدته اتساع المعرفة والإيمان بالله وتماسك الأسرة، لقد أحببت هذا الكيان الأسرى النموذجى فى زمن تشتت الأسر والمشاعر والروابط الأسرية، وأحببت هذه السيدة الفاضلة وأسرتها بأثر رجعى، وأقدر جهدها وجهادها، وما قدمته من دور مهم للثقافة المصرية بإنشاء المكتبات، وعلى رأسها مكتبة الإسكندرية التى قامت على كتفيها، ومكتبة الأسرة ومهرجان القراءة للجميع وإعادة طبع أمهات الكتب، ومساندة المرأة والسعى لتغيير القوانين المجحفة، ومواقفها فى رعاية الأمومة والطفولة بالمطالبة بإنشاء محكمة الأسرة لتيسير التقاضى، ونشاطها للقضاء على شلل الأطفال وغيره من الأمراض من خلال حملات التطعيم، ومساهمتها وجمعها للتبرعات من أجل مستشفى «٥٧٣٥٧»، فلهذه السيدة دور عظيم، وبالتأكيد سينصفها التاريخ ويعيد إليها قدرها وقيمتها الحقيقية التى تستحقها كزوجة صابرة وعظيمة فى السراء والضراء، وشريكة حياة صاحب الضربة الجوية بطل أكتوبر الذى بذل الكثير من أجل بلده وأمنها وأمن شعبها، والذى تحمل صابرًا راضيًا شراسة حروب الجيل الرابع، والتى لم تستهدفه كرئيس فقط ولكن كتاريخ يحاولون طمسه، ويقينى أن الفترة الماضية رغم شدتها على أسرة مبارك إلا أنها فترة لتطهير الذنوب البشرية، ومن علامات رضا الله رؤيتهم لعودة الأمان إلى ربوع مصر التى أحبوها، والتى تحب أبناءها بما لهم وما عليهم، وفى رعاية رئيس مخلص بار بمصر وشعبها متفانٍ للحفاظ عليها، أعلم أننى كلما كتبت عن الرئيس مبارك أفقد أصدقاء، فما بالنا بزوجته التى حملوها كل خطايا عصره، ولكن ضميرى أغلى وأعز، وسأظل أستغفر ربى على ذنبى وجهلى كلما رأيت أو قرأت عن أى من إنجازات عهد الرئيس مبارك وكانت عيناى خلف نظارة صماء.
آراء حرة
تحية لـ"سوزان مبارك" الزوجة والأم المصرية
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق