حكي له كثيرا قبل أن يموت.. "فضفض" هاتفيا بكل ما بداخله من أحزان ومضايقات.. ورغم ذلك كان يحكي معه بابتسامة عريضة.. يضحك معه وينصحه بعدم انشغاله بأمور تافهة.. وكأنه يقول له: "كبر دماغك".. حكي له أسرارا لم يعرفها سوى زوجته وأولاده .. تكلم عن ما يحلو له وما يغضب منه.
ذاك الرجل الذي تلقي هذه المكالمة.. لم يتوقع كل هذا الكلام.. كل هذه المشاعر المختلطة.. تناقض بين ما بداخله ولهجته المبتسمة.. أغلق الهاتف وعاد إلى النوم.. انتظر قليلا في غفوته.. ليستيقظ على خبر مؤلم: "اصحى .. قوم .. اللي كان بيكلمك كتير .. مات"..
نعم الرجل مات .. رحل ولم يعد يتكلم .. ولكن سر الكلام الذي أباح به الرجل لم يمت .. فالأسرار لم تمت .. وظل خازن سر الرجل في حيرة من أمره .. يتساءل .. كيف أساعد أسرة الرجل بعد مماته؟! هل أبوح بكل ما قاله لي؟! هل أضحي بكشف الأسرار من أجل تحقيق غايته قبل وفاته ؟! .. ظل الرجل في حيرة شديدة.
وبعد ثلاثة أيام من الحيرة .. قرر أن يبوح بتفاصيل المكالمة الهاتفية .. ولكن ليس لكل أحد .. تكلم مع أبطال الحكاية، لأن السر يحمل في طياته صورة البطل..
هذه القصة.. عاشرتها .. سمعتها .. اتخذت قرارا بألا أحكي تفاصيلها .. أبوح بعناوين الواقعة فقط .. لأن الحكاية مليئة بالأسرار والتفاصيل.. بالنسبة لي .. أعتقد أن هذا الرجل الذي تلقى المكالمة الهاتفية نيته سليمة .. وأحييه على ذلك .. ولكن أقول له:" احكي دون تفاصيل .. تكلم دون أن يسرق منك أحد ما لا يعرفه..
خلاصة الكلام..
تكلمت كثيرا فندمت، أما عن السكوت فلم أندم قط .. هكذا قال معلم أولاد الملوك القديس أرسانيوس الكبير.. "فكّر فيها"..