ترواحت محاولات فهم سلوك الناخبين المصريين بعد 25 يناير إلى ثلاث فرضيات أساسية، الأولى استندت إلى تصاعد “,”الهوى الإسلامي“,” فى مصر، وميل المصريين للتصويت لمشروع الإسلام السياسى على حساب المشروع المدني الديمقراطى، أما الفرضية الثانية، فتستند إلى حالة “,”التمايز الاجتماعى“,” بين الريف والحضر، وتذهب هذه الفرضية إلى أن الريف يميل للتيار الإسلامي، بينما ينزع الحضر للتصويت للتيار المدنى، فى حين تذهب الفرضية الثالثة، إلى “,”صراع النخب“,” حيث توجد نخبة قديمة تحاول الحفاظ على مصالحها، وأخرى جديدة تحاول بناء نظامها الجديد.
ومن المهم القول، أنه لا يمكن الاستناد إلى فرضية واحدة من الثلاثة لفهم وتفسير سلوك التصويت فى الانتخابات الماضية، إلا أنه من المؤكد أن قواعد اللعبة الانتخابية بعد 30 يونيه مغايرة تمامًا عما حدث بعد 25 يناير، من حيث قواعد وشروط الانتخابات، والبيئة التى ستجرى فيها الانتخابات، والتى سوف تؤثر لا محالة فى نمط وطرق تصويت المصريين.
الثابت فى مرحلة ما بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيه، عدم قدرة الأحزاب والحركات والائتلافات الثورية على أن تستغل حالة المزاج السياسى الخصب بين المصريين لتجنيد أعضاء جدد – وهى وظيفة أساسية من وظائف الأحزاب، وتكوين مؤسسات حزبية فعلية قادرة على خوض غمار المنافسة على الصعيد البرلماني والرئاسى، وظل تبكى، ومازالت- تطالب فقط بنظام انتخابى يضمن تمثيل نفرًا من أعضائها، تحت دعوى تقوية الأحزاب السياسية.
وفى هذا الإطار تأتى أهمية الانتخابات الرئاسية القادمة، ليس فقط لوضعها نهاية مرحلة انتقالية طويلة وصعبة، ولكنها تنقل مصر من “,”الشرعية الثورية“,” إلى ما يعرف باسم “,”الشرعية الدستورية“,”، التى يطالب بها العالم، خاصة بعدما نجح الإخوان - فى غفلة من الدولة ومن أبناء الوطن- بسرعة الاتصال بالعالم الخارجى وتصوير ما حدث فى 30 يونيه “,”بالانقلاب“,” على غير الحقيقة، وهو ما استدعى جهدًا كبيرًا من الجميع على توضيح الصورة والحقائق فيما بعد.
وواقعيًا، ومع بدء ظهور بعض الأسماء التى تنتوى الترشح، والتى تروج لها بعض القنوات الخاصة، لابد لنا أن ندق ناقوس الخطر من جديد، ونؤكد على أن مصر ليس أمامها فى هذه المرة إلا العبور الآمن إلى بر الآمان، وهو ما يتطلب توافقًا كبيرًا وتضحيات عظيمة من البعض للتوافق حول شخص الرئيس الجديد، خاصة أن البيئة التنافسية للانتخابات الرئاسية القادمة لن تكون مختلفة عن سابقتها، ويتوهم من يعتقد بأن الإخوان لن يدفعوا أو يقفوا خلف مرشح معين، محاولة لإعادتهم مرة ثانية إلى الحكم.
إن البيئة التنافسية لأية عملية انتخابية هى جملة من العوامل والمعايير (الإيجابية) التى يجب توافرها عند إجراء أية انتخابات، وحتى يمكن أن نطلق عليها انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، والبيئة التنافسية فى الانتخابات الرئاسية المقبلة فى مصر ستكون محصلة مجموعة من العوامل والمحددات، والتى لن تتخطى بأى حال من الأحوال جملة المعايير التالية: الاستقرار السياسى والأمني، الإطار الدستورى الناظم للعملية الانتخابية، والإطار القانوني المفصل والمحدد لما رسمه الإطار الدستورى، ومدى تماسك التيار المدنى فى مواجهة التيار الدينى، وعلاقات مصر الخارجية، والمال الانتخابى، وأخيرًا حيادية وسائل الإعلام.
ما نريد التأكيد عليه، هو أن هناك علاقة ارتباطية طردية بين جملة هذه العوامل وعملية المشاركة – ترشيحًا وانتخابًا- فى الانتخابات، بمعنى آخر، كلما كان هناك أطر دستورية وقانونية ناظمة للعملية الانتخابية، وحيادية ومهنية وموضوعية وشفافية من وسائل الإعلام، وعملية ضبط وإحكام الرقابة على مسألة الإنفاق المالي، كانت هناك انتخابات حرة ونزيهة، فعلى سبيل المثال، وفى مفارقة عجيبة من مفارقات الثورة التى قامت من أجل الحرية والعدالة والشفافية، أن تقوم بعض الأحزاب السياسية باستخدام سلاح المال للتأثير على قرارات واختيارات الناخبين، مستغلين فى ذلك حالة الفقر والعوز الشديد بعدما عجزت الدولة عن سد رمق الناس.
الخلاصة ياسادة، أن الصراع المبكر من قبل بعض الشخصيات الذين كانوا ينتمون إلى المؤسسة العسكرية سابقًا للحصول على الـ “,”كعكة“,”، نقصد مصر، بالتأكيد سوف يضر بالمرحلة الانتقالية والأمن القومى المصري، وهذا ما عبرت عنه المؤسسة العسكرية مؤخرًا، ولكن المؤكد أنهم لن يفوزوا بالكعكة.