الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

كيف نواجه الإرهاب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لعل أول ما يتبادر إلى الذهن هو أن الحل المثالي هو أن تبني أسلوب المواجهة الشاملة العاصفة, والاحتكام إلى القوة في التصدّي للإرهاب، وليس من شكّ في أن الطرف الأقوى سوف يحرز نصرًا على المدى المنظور على الأقل، ومن ثَمّ فإن تراجع موجة ذلك الإرهاب أمرٌ متوقعٌ ومفهوم, دون أن يعني ذلك بطبيعة الحال أنه تراجعٌ منظمٌ، كتراجع الجيوش النظاميّة المهزومة.

ولكن تبقي عدة تساؤلات:
أولًا: وماذا عن الإطار الفكري السياسي العقائدي للإرهابيين؟ هل يمكن للقوة أن تقضي على فكرة مهما كانت سخافتها؟ إن المؤسسات والنظم والتنظيمات لا بد أن تنتهي يومًا، بل ويمكن إنهاؤها، وتستمر بعدها الحياة، فلكل فعلٍ نهاية، أما الأفكار فإنها تتجدّد وتتطوّر، قد تجمد وتنغلق، وقد يعلو صراخها، وقد يخفت همسها، لكنها أبدًا لا تموت حتى ولو مات أصحابها. تستوي في ذلك أسخف الأفكار، وأروعها: النازية، الشيوعية، الصهيونيّة، الاشتراكيّة.. إلي آخره.

إن الأفعال ترتبط بحياة أصحابها وتنتهي بموتهم، وكذلك المؤسسات تنتهي بانتهاء الحاجة إليها، أو بتدهور أدائها، أما الأفكار فما دامت قد خرجت من أفواه أصحابها أو من أقلامهم فإنها تظل باقية ولو مختزنة.

ثانيًا: هل صحيح أن اجتثاث جذور الإرهاب أو تجفيف منابعه, يقتضي القضاء قضاء مبرمًا على التطرف؟ وهل صحيحٌ أن ثمة تطابقًا بين التطرف والإرهاب؟ وهل صحيحٌ أن إطلاق التعبير العلنيّ عن الأفكار المتطرّفة يمكن أن يؤدّي تلقائيًّا إلى تزايد موجة الإرهاب؟ ليس ثمة ما يؤكّد في إطار علم النفس الاجتماعيّ على الأقل، أن التعصّب أو التطرّف الفكريّ، مهما بلغت درجته، يمكن أن يؤدّي تلقائيًّا إلى ممارسة عنفٍ من أيّ نوع. صحيحٌ أنه يؤدّي إلى عديد من التشوّهات الانفعاليّة والفكريّة، ومنها على سبيل المثال: الكراهية للآخر، والنفور منه، بل وتمنّي اختفائه من الوجود, كما يؤدّي كذلك إلى العجز الفكريّ عن رؤية الجانب الآخر من الصورة، ومن ثَمّ العجز عن الرؤية الموضوعيّة.

إن مثل هؤلاء المتطرّفين المتعصّبين، قد تفيض أحلام نومهم، بل وأحلام يقظتهم أيضًا برؤى بالغة العنف والدمويّة، لكنّ شيئًا من ذلك -رغم خطورته- لا يؤدّي وحده إلى ممارستهم الفعليّة للعنف، إن تحوّل الأفكار والانفعالات إلى ممارسات سلوكيّة، يتطلّب أن يتوافر إلى جانبها العديد من الخصائص والسمات النفسيّة والاجتماعيّة والموقفيّة. فكراهية الآخر مهما بلغت شدّتها لا تكفي وحدها للتنبؤ بممارسة العنف حيال هذا الآخر، بل إنها قد تؤدّي عمليًّا إلي الانسحاب كليّةً من مواجهة هذا الآخر المكروه. وفضلًا عن ذلك، فإن حقائق التاريخ، البعيدة والقريبة، تؤكّد ما نذهب إليه, فالتطرّف الفكريّ والتعصّب المذهبيّ، كثيرًا ما يؤدّيا، على المستوى السلوكي إلى أقصى درجات السلبيّة، بل وحتى الاستسلام.

ونستطيع أن نشير على سبيل المثال إلى جماعات الطرق الصوفيّة الإسلاميّة.

خلاصة القول، إن محاولة القضاء على الأفكار بدعوى اجتثاث الجذور الفكريّة للعنف، أو للعنف المضاد، ليست سوى أوهام تدحضها حقائق العلم والتاريخ معًا، فحين تحاول السلطة ذلك، فإنها لا تنجح، في المدى البعيد في القضاء على أيّ من الفكر أو السلوك، وكذلك حين يحاول المتمرّدون على السلطة توجيه رصاصاتهم إلى مَن يعتبرونهم بمثابة رموزها الفكريّة، فإنهم يغامرون بتعريض مجمل مسعاهم للانتكاس.

إن مهمّة تقديم وصفة جاهزة للتخلّص من آلام الإرهاب، إذا لم تكن مستحيلة، فإنها تخرج قطعًا عن حدود التخصص الدقيق في علم النفس، ولكن لو حاولنا الامتداد برؤى هذا العلم إلى ما يخرج عن تلك الحدود الدقيقة، فلعلّ لي أن أقول إن الحلّ الأنسب قد يكمن في تبنّي شعارين محوريين:
- الشعار الأول: “,”رصاصة مقابل رصاصة، وفكرة مقابل فكرة“,”، ويعني ذلك الدعوة إلى التفرقة بين الفكر والسلوك، بين العنف والتعصّب، ومواجهة كلّ بما يناسبه. إنّ إدانة الدعوة لمواجهة الفكرة بالرصاصة، لا تقل أهميّة عن إدانة الدعوة لمواجهة الرصاص بمجرّد الحوار.

- الشعار الثاني: “,”لا حدود للحريّة الفكريّة“,”، ويعني ذلك الدعوة إلى القبول بحق الأفكار جميعًا في التعبير عن نفسها، مهما كانت درجة الاختلاف معها، أو النفور منها، بما يتضمّنه ذلك القبول من تسليمٍ واعٍ، بما سوف ينجم عنه من فوضى فكريّة. إن فوضى الأفكار أقل ضررًا من إرهاب العنف، وضجيج الكلمات، مهما كان ما يسبّبه من إزعاج، أهون كثيرًا من صوت لعلعة الرصاص.