أثارت دعوة المرشح الرئاسى الجمهورى المحتمل دونالد ترامب بفرض حظر على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة ردود فعل واسعة داخل الولايات المتحدة وخارجها.
جاءت تصريحات ترامب في أعقاب مقتل ١٤ مواطنًا أمريكيًّا على يد زوجين مسلمين بولاية كاليفورنيا، الأسبوع قبل الماضي. وقال إن استطلاعا للرأى أظهر أن المسلمين يكرهون الأمريكيين، ودعا إلى وقف «كامل وكلى لدخول المسلمين الولايات المتحدة... ليس لدينا أي خيار آخر.. ينبغى أن تظل الحدود مغلقة في وجه المسلمين حتى يتوصل نواب الشعب الأمريكى إلى فهم واضح لأسباب تلك الكراهية».
فهل تعكس تصريحات ترامب مواقف طبقة واسعة من المجتمع الأمريكى؟ هل أصبح المسلمون هم شياطين أمريكا وأوربا، ولا بد من طردهم من أمريكا وأوربا لأنهم همجيون وأعداء لقيم الحداثة؟
في الواقع، طبقًا لوسائل الإعلام الأمريكية كل عنف عربى هو إرهاب، هذه الوسائل لم تحدد أبدًا أي معيار نتج عنه مثل هذا الحكم، وفى الغالب لأن المعيار ليس سوى افتراضات متسرعة موحى بها من قبل الدافع العنصرى، الذي يتصور أن العرب ليس لديهم السبب الوجيه على الإطلاق لارتكاب العنف، وبالتالى هم غير عقلاء، بينما الأمريكيون لا يمكن أن يكونوا غير عقلاء، كى يرتكبوا أعمال عنف دون سبب وجيه.
غير أن ما يسمى بالأحكام المحايدة– أي الموضوعية الزائفة– حول ما يمثل الإرهاب، يكشف عن كيف أن العنصرية ضد العرب تعمل في الخفاء وفى العلن في الولايات المتحدة. إدانة الإرهاب تبدو في الظاهر كأنها عمل محايد، ومع ذلك، من الذي يرغب في محاولة إثبات أن الإرهاب شيء جيد؟! في الواقع، على أية حال، فإن حصر ومساواة كل فعل عنف عربى على أنه «أعمال إرهاب» يكشف أن الإدانة مبنية على أهداف سياسية، مما يؤكد المعتقدات السابقة بالتفوق الأبيض.
لماذا يصف المعلقون الأمريكيون، حزب الله كمنظمة إرهابية، ولكن يبعدون هذه التسمية، مثلًا، عن الجنود الأمريكيين الذين ارتكبوا فظاعات سجن أبو غريب في العراق، أو المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية الذين يحتلون أرضًا مسلوبة ويجمعون الحشود لقتل المدنيين الفلسطينيين؟
إن التراث الأمريكى سعى إلى نزع الصفات الإنسانية عن أعداء أمريكا الجيوسياسيين، وفى هذه الحالة العرب الذين يناوئون طموحات الإمبريالية الأمريكية، جميعًا إرهابيون، والمفهوم ضمنًا من هذا الإجمال بأن العرب غير قادرين على دخول عصر الحداثة، وعلى ذلك مهما كانت المطالب التي يعبرون عنها من خلال العنف فهى بالضرورة لا مبرر لها، بينما العنف الأمريكى، مهما كان قبيحًا، دائمًا ما يهدف إلى خدمة مصالح التقدم. ويشير السجل التاريخى إلى أن هذا الأسلوب قد استخدم إلى أقصى حد في نظام الحكم الأمريكى منذ زمن ثورات العبيد والإبادة الجماعية لسكان أمريكا الشمالية الأصليين.
ولئن أنجبت الحضارة الغربية فلاسفة ومفكرين وكتابا عظاما حاولوا إنصاف الإسلام، وتوضيح نبل رسالته للإنسانية، من أمثال الكاتب الإنجليزى العظيم «توماس كارليل» صاحب كتاب «الأبطال» الذي اختص فيه بفصل عن نبى الرحمة، محمد صلى الله عليه وسلم، وجعله نموذج البطولة النبوية بين أبطال العالم الذين اختارهم للوصف والتدليل.
فإنها أفرزت مستشرقين، حاولوا عن عمد، تشويه صورة الإسلام أمام العالم الغربى. إن جميع الكتاب والمفكرين والأدباء في الغرب يتحدثون الآن عن صورة المسلم، كما يراها الأدب الغربى، وعلى سبيل المثال من يتصدى لدراسة صورة المسلم في الأدب الإسبانى على وجه التحديد سيدرك على الفور ذلك التحول الهائل الذي طرأ عليها. لقد صور أدب العصور الوسطى وأدب العصر الذهبى في إسبانيا، المسلم على أنه يتصف بكل نقيصة. كان المسلم آن ذاك بالنسبة لبعض الكتاب شخصا مجهولا، ولم يعرفه الإسبان في القرنين السادس عشر والسابع عشر إلا في ميدان الحروب، فوصموه -عمدا أو جهلا- بكل الرذائل التي يمكن أن يتصف بها بشر.
لقد ظهرت العديد من الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١ وحتى اليوم، تصور شخصية العربى بالمخادع، وأن العرب غير قادرين على الإسهام بشيء في المجتمع الأمريكى سوى العنف أو الغباء، مثل مسلسل «تاكسى الإرهاب» وفيلم «الغبى» و«الأحد الأسود»، و«أتباع الإبـل». إن الحرب على الإرهاب رسخت في عقل شعوب العالم أن المسلمين هم شياطين أوربا وأمريكا، ولا بد من طردهم من جنة مجتمعات الحداثة الغربية إلى جحيم التخلف في الشرق الأوسط، وفى اعتقادى أن القرن الحادى والعشرين سيشهد حروبًا عنيفة وهمجية دون توقف، ليس على صعيد الحياة العسكرية أو السياسية، ولكن أيضا سيشهد حروبا ثقافية طاحنة، وليست تصريحات ترامب إلا مؤشرا يكشف عن اقتراب موعدها.