في الحديث عن مكافحة الإرهاب، لا يمكن تجاهل محاولة تأصيله دينيًّا وفكريًّا، بمعنى أدق أي حديث يتجنب مصير الجماعات التي أسست و"شرعنت" العنف للوصول إلى السلطة وتطبيق الحاكمية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين يصبح الحديث عن مكافحة الإرهاب مجرد لغو.
وحينما طرحت المملكة العربية السعودية فكرة التحالف الإسلامي العسكري ووضعت دولا متهمة بتمويل ودعم الإرهاب في سوريا وليبيا والعراق ومصر مثل تركيا وقطر كان السؤال كيف السبيل إلى مكافحة حقيقية للإرهاب بواسطة من صنعوه، ومن يتلاعبون به، ومن يهددون أمن وسلامة الأمة العربية والإسلامية كلها.
لقد كان الإعلان السعودي المفاجئ يشير بوضوح إلى رغبة المملكة في تطبيق أمرين، الأول تواجد قوات تمثلها في العراق وسوريا لمواجهة التمدد الروسي، والثاني الهروب من الاتهامات التي طالتها في خضم الجدل الغربي حول الإسلام والإرهاب ودور الخليج في صناعته.
وعقب الإعلان وجدت مصر نفسها في حرج، فهي الدولة الرائدة في مواجهة ظاهرة الإرهاب، جنودها يدفعون حياتهم يوميا في سيناء، قامت مصر بالمواجهة على عده مستويات بالسلاح، وبالحوار، طرقت كل السبل، وحذرت العالم من الخطر، لكن العالم تجاهل وتحاور مع الإرهابيين وساندهم في سوريا والعراق وقبلها فى أفغانستان، وحينما حانت لحظة الحقيقة وشعر الغرب بالألم والفقد عقب هجمات باريس وكاليفورنيا ودعا دونالد ترامب المرشح للرئاسة الأمريكية بطرد المسلمين، بدأ الجميع في الاستيقاظ من سباتهم العميق، وقرر المواجهة بعدما وصل الخطر إلى داخل المنزل.
لقد تركت الولايات المتحدة شرطيها المطيع رجب طيب أردوغان يهندس الشرق الأوسط على مقاس تركيا وإسرائيل، فالتحالف فيما بينهم وبين قطر كان الأكبر والأخطر في العالم العربي، حاولوا تمكين الإخوان، ثم توطين الإرهاب في سيناء عبر استيعاب العائدين من أفغانستان، وحينما أسقط الشعب المصري حكمهم، تحول الأمر إلى استنزاف الدولة المصرية ومحاصرتها اقتصاديا من أجل مصالحتهم، رغم أن الجماعة تحولت إلى الإرهاب بالفعل، وقتلت عشرات الضباط والجنود من رجال الشرطة، وحاولت اغتيال وزير الداخلية، وتمكنت من اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، وفجرت مديريات أمن المنصورة والقاهرة وجنوب سيناء، كل ذلك كان يتم بتحريض واضح عبر عناصر إخوانية تبث برامجا عبر فضائيات تعمل في تركيا وقطر، وتمويل مفتوح من التنظيم الدولي للإخوان.. وحينما كانت تتحرك مصر وتطالب بتجريم ما يحدث، كان العالم يرد علينا برد واحد معلب، تحاوروا معهم وأدمجوهم مرة أخرى في الحياة السياسية!
مصر أكدت عبر مصادر عليا أنها لن تشترك بأية قوات عسكرية، وأنها ملتزمة بمصالح عالمها العربي والإسلامي، وبالتنسيق مع مواقف دول التحالف حفاظا على المصالح العليا للعرب والمسلمين، لكنها لن تذهب أبعد من ذلك، فدول مثل تركيا وقطر مطالبة من جانب مصر بتسليم من لديها والتوقف عن دعمهم المالي واللوجستي، وأن يتوقفوا عن الدور القذر في قضية سد النهضة، وأن تقوم المؤسسات الدينية السعودية بالتوقف عن احتضانهم، وكذلك يتوقف الإعلام السعودي عن عمليات تلميعهم.
لقد أبدت مصر استعدادها للتعاون من منطلق دورها التاريخي والمحوري في العالمين العربي والإسلامي، فهل ستلتزم باقي دول التحالف بالتعاون معها.. أشك، فالإخوان وجماعات العنف "كروت مهمة" على مائده اللعب، ولا يمكن التفريط فيهم بسهولة وقت احتدام اللعب.
التفكير في أن تركيا ستفرط في مكاسبها من داعش أو ستتنازل قطر عن جبهة النصرة وجيش محمد فى سوريا أمر صعب التصديق، لقد خسرت تركيا علاقتها المميزة بروسيا من أجل عيون أبو بكر البغدادي، وأمرت قطر بإرجاع عناصر الجيش اللبناني المحتجزين لدى جبهة النصرة، وقامت "الجزيرة" بمحاولات عديدة لتلميع زعيمها أبو محمد الجولانى، فكلا التنظيمين لهما دورهما في العراق وسوريا باعتبارهما مخلب السنة فى مواجهة التمدد الشيعي، ولذلك كانت من النوادر التي أطلقت عقب إعلان التحالف هي أسئلة من نوعية لماذا غاب البغدادي والجولانى عن التحالف الإسلامي السنى في مواجهة المحور الشيعي المكون من إيران وحزب الله وبشار الأسد؟
ليس من مصلحة مصر تدمير الدولة السورية، كما أن السعى للتخلص من بشار الأسد بحرق سوريا وتسليمها للإرهاب سيضع المنطقة كلها في مهب الريح، فروسيا العائدة بقوة لن تسمح بالعبث في حديقتها الخلفية، ولن تتنازل عن وجودها العسكري في سوريا، ولا شك أن الولايات المتحدة مستفزة من هذا الوجود، وإسرائيل تشعر بالإحباط من غياب الولايات المتحدة، ولذلك تحاول الضغط للعودة بقوة، وأمريكا ليس لديها حلول سوى إحياء حلف عسكري قديم على نمط حلف بغداد الذى أنشاته الولايات المتحدة فى خمسينيات القرن الماضي لمحاصرة الشيوعية فى الشرق الأوسط بقيادة بريطانيا وتركيا والعراق وإيران وباكستان لكنه سرعان ما فشل لرفض القوى الإقليمية وعلى رأسها مصر لهذا التحالف.
وعبرت صحيفة الإندبندنت البريطانية القريبة من صناع القرار في لندن، عن شكوكها فى التحالف وجدواه بقولها، إنه "في ظل عدم وجود خطة أو استراتيجية فإن الإرهابيين لن يخافوا من هذا التحالف العسكري السعودي".
بالتأكيد تحتاج الدول العربية للتحالف لكن ليس على نمط حلف بغداد، تحتاج لناتو عربي يحميها ويحمى مصالحها وشعوبها في ظروف دولية بالغة التعقيد، تحتاج للقوة العربية المشتركة، المتجردة من المذهبية الدينية، والمصالح الخاصة لعدد من الدول، يطبق من خلالها العرب استراتيجية واضحة لمكافحة الإرهاب أمنيا وفكريا، تحافظ من خلاله على استقرار الدول العربية كافة، وقبلها يتوقف الجميع عن اللعب بكارت الإرهاب.