السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مشكلات النظام السياسي للدولة التنموية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حاولت منذ فترة فى مقالاتى الأسبوعية بالأهرام أن أنظر للدولة بعد تنفيذ خارطة الطريق التى أعلنت بعد ٣٠ يونيو وانتخاب «السيسى» رئيسًا للجمهورية.
فقد تابعت بدقة أداء الرئيس «السيسى» بعد توليه الرئاسة، وخصوصًا مبادراته التنموية الكبرى التى تمثلت أولا فى مشروع قناة السويس الذى تحول من مشروع تتبناه الدولة إلى مشروع قومى بكل ما فى الكلمة من معنى، بعد أن طرح لاكتتاب الجماهير، وشارك الملايين من المواطنين فى تغطية تكاليفه فى عشرة أيام وهى مسألة لا سابقة لها.
ثم أعلن «السيسى» بعد ذلك عن مشروع المليون ونصف المليون فدان، وعن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة.
وقد دفعنى التأمل فى هذه الممارسات التى قام بها رئيس الجمهورية أن أكتب مقالًا فى الأهرام بتاريخ «٢٧ أغسطس» بعنوان «عودة الدولة التنموية»، وقد عرفتها بأنها الدولة التى تخطط وتنفذ سياسة قومية للتنمية بأجهزتها المتخصصة دون أن يعنى ذلك استبعاد القطاع الخاص الذى سيعمل ولكن تحت إشراف الدولة ورقابتها، خصوصا بعد المرحلة السلبية فى أواخر عصر الرئيس السابق «مبارك» حيث تزاوجت الثروة مع السلطة، وكان ذلك فى الواقع أحد مظاهر الفساد الفادحة مما عجل بقيام ثورة ٢٥ يناير.
ثم تابعنا البحث بعد ذلك لنتحدث عن أهمية تجديد مؤسسات النظام السياسى للدولة التنموية.
ولذلك دعونا الأحزاب السياسية لكى تصبح أحزابا تنموية، وكذلك مؤسسات المجتمع المدنى، وطالبنا بأن تعمل النخب السياسية والثقافية على التجدد المعرفى لمتابعة التغيرات الكبرى فى النظام العالمى، ليس ذلك فقط ولكن الفهم النقدى لمنطقها الكامن.
ويمكن القول إن إجراء انتخابات مجلس النواب التى تمت مؤخرا تمثل خطوة حاسمة فى سبيل استكمال الدولة التنموية لمؤسساتها السياسية.
وقد نظم مجلس خبراء المركز العربى للبحوث فى جلسته الأسبوعية، مناقشة علمية لنتائج الانتخابات، بالإضافة إلى عرض الخبرة الشخصية لخوض الانتخابات كمرشحين لاثنين من خبراء المركز. وإذا كانا لم يوفقا فى النجاح إلا أن تحليل خبراتهما كان مسألة ضرورية لأن كلا منهما يجمع صفتين هما الأكاديمى والسياسى.
وأشهد أنه فى هذا العرض الذى قدمه الزميلان من أعضاء مجلس الخبراء تغلبت الصفة الأكاديمية على الصفة الشخصية، وقدم كل منهما عرضا رصينا زاخرا بالتحليلات العميقة.
ودارت المناقشة فى مجلس الخبراء، وأدلى كل عضو برأيه، وقد استخلصت من هذا الحوار العلمى الموضوعى مجموعة ملاحظات أساسية تستحق أن نحللها بصورة موضوعية، لأنه سيترتب على تعاملنا الجاد معها مستقبل الدولة التنموية فى الحقبة القادمة.
أول ملاحظة هى ضرورة بحث العلاقات المدنية العسكرية، وهذا موضوع تقليدى تمت مناقشته وحسمه فى عديد من البلاد الديمقراطية العريقة، فى ضوء مبدأ راسخ هو أن المدنيين من رجال الحكم فى صورة رؤساء الجمهورية أو البرلمانات لهم اليد العليا على العسكريين.
لماذا ذكرنا أهمية بحث العلاقات المدنية العسكرية فى مصر، وخصوصا بعد قيام الدولة التنموية بعد انتخاب «السيسى» رئيسا للجمهورية؟
يرد ذلك إلى عدة أسباب، أهمها الخلفية العسكرية للرئيس «السيسى» الذى كان وزيرا للدفاع، وثانيا لأنه لأسباب تتعلق بالكفاءة والإنجاز فإنه يعتمد على القوات المسلحة اعتمادًا رئيسيًا، كما حدث فى تكليفه لها بإنجاز مشروع قناة السويس فى عام واحد وكان ذلك سبقا عالميا. وكذلك حين تقاعست الوزارات المسئولة فى إنجاز مشروع المليون ونصف المليون فدان، واستطاعت القوات المسلحة كعادتها فى إنجاز البداية الحاسمة فى تنفيذ المشروع.
ويبقى السؤال: هل سيكون اعتماد الدولة التنموية فى إنجاز المشروعات الكبرى على القوات المسلحة سياسة دائمة؟ وهل هذه السياسة من شأنها أن تؤثر على عملية صنع القرار، بمعنى احتمال ألا يكون للمدنيين- الممثلين أساسا فى البرلمان- الكلمة العليا فى صنع القرار التنموى؟
والموضوع الثانى الذى أثير يتعلق بمستقبل صنع القرار بين رئاسة الجمهورية والبرلمان.
وقد أثير هذا الموضوع فى ضوء المواد التى نص عليها الدستور الجديد، والتى فهم منها أن النظام الرئاسى أصبح نظاما شبه برلمانى، بحكم إضافة اختصاصات مستحدثة للبرلمان لم تكن موجودة من قبل، ولعل ذلك هو الذى دفع بعض الأصوات المتعجلة للدعوة إلى تعديل الدستور لإعطاء رئيس الجمهورية كل الصلاحيات.
وفى تقديرنا أنه ينبغى عدم الالتفات لهذه الدعوات لأن المحك يتمثل فى الممارسة. والموضوع الثالث والبالغ الأهمية هو علاقة الدولة التنموية برجال الأعمال. وقد لوحظ أن العلاقات متوترة وكأن رجال الأعمال يترقبون لكى يروا هل ستكشف الدولة التنموية عن وجهها الحقيقى وتسلك سلوك الدولة السلطوية، أم أنها ستتعامل معهم فى حدود القانون مع تحاشى الممارسات الفاسدة التى تعوّد عليها بعضهم فى عهد «مبارك»، والتى أثروا منها وراكموا المليارات نتيجة نهب أراضى الدولة بتواطؤ رسمى من أجهزة الدولة ورجال السلطة.
وقد لفت نظرى أن الرئيس قرر، فى نهاية اجتماعه مع مجموعة من رجال الأعمال، تشكيل لجنة خاصة بالرئاسة لحل مشكلات رجال الأعمال، وفى تقديرنا أن هذا القرار يحمل فى طياته شكا فى قدرات أجهزة الدولة فى التعامل الكفء والفعال والشفاف مع رجال الأعمال.
وتبقى مشكلة المشاكل وهى ترهل وضعف وقصور الجهاز الإدارى للدولة، سواء فى ذلك الوزارات أم أجهزة الحكم المحلى، وتلك مشكلة تحتاج إلى رؤية متكاملة.