ذكرى رحيله وميلاده متقاربان، بينهما أسبوع، ولد كامل الشناوى فى ٧ ديسمبر ١٩٠٨ فى محافظة الدقهلية، ورحل فى ٣٠ نوفمبر ١٩٦٥، فهذه السنة الذكرى الخمسون للرحيل.
كامل الشناوى من الشخصيات غير العادية فى القرن العشرين، هو كاتب صحفى قدير، وأديب وشاعر كبير، وبقيت من تأليفه فى ثقافتنا ومكتباتنا المصرية والعربية بضعة كتب تضم بعض ما أبدع من قصائد الشعر وخواطر النثر، لكن كامل الشناوى من الطراز الذى كان يتجاوز تأثيره وإشعاعه فى عصره، حدود كل ما يكتبه وينشر، فقد ظل عبر رحلة العمر الزاخرة، ظاهرة إنسانية وثقافية شديدة التميز، وكان يتحلق من حوله باستمرار واعدون ومواهب يكتشفها ويدعمها فى مختلف حقول الإبداع، فضلاً عن قامات كبرى هم أصدقاؤه ورفقاؤه.. من سياسيين وصحفيين وأدباء وأهل مغنى ومبدعين فى مختلف الميادين.
وقد قيل عن الشناوى، والقول دقيق ومشهور.. لو أن أحداً كان يتابعه بجهاز للتسجيل، فى كل أمسياته ومناقشاته الجميلة الحافلة هو وصحبه، كل يوم وكل ليلة.. لأصبح لدينا كنوزاً من عطايا كامل الشناوي: حكمة نادرة.. وآراء ثاقبة.. وتأملات شاملة فى الحياة والحرية والحب، والموت والمصائر، والثقافة والإبداع.. فى كل القضايا، بل وكثير من الطرائف أيضاً والمقالب الظريفة المذهلة أحياناً.
كان كامل الشناوى على الدوام: الباحث عن الجمال، والباحث عن الحب، والباحث عن الحقيقة، والباحث عن العدل.. ومن هنا امتزجت لديه امتزاجاً جلياً بل عضوياً السياسة بالفن، والصحافة بالإبداع، والفلسفة بالعاطفة.. وقد فجر لديه كل هذا البحث، فى كتاباته عامة، وعلى الأخص فى شعره: ينابيع ودرراً من الحكمة والتأمل، وأغانى الوطنية والثورية، وقصائد اللوعة والصدمة والأسى الذى لا ينتهى فى الحب.
وقد منعت للشناوى قصيدة، لحنها وغناها محمد عبدالوهاب قبيل ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، هى «أنت فى صمتك مرغم».. وحينما قامت الثورة أفرج عنها وعن غيرها من إبداعات مثل فيلم: «مصطفى كامل»، وكانت الأغنية عملاً شجاعاً يواجه أوضاعاً مأساوية، وقوى بطش محلية مستبدة وأجنبية محتلة، فى ظل ما قبل الثورة.. ولذلك فقد تغيرت كلمة واحدة.. لتصبح: «كنت.. فى صمتك مرغم».
وفى منتصف الستينيات تغنى أم كلثوم لأول مرة من ألحان محمد عبدالوهاب، بعدما تدخل وشجعهما على ذلك قائد الثورة جمال عبدالناصر فى واقعة مشهورة، وقد كانت بداية أعمالهما رائعتهما الوجدانية العذبة «أنت عمري»، التى كتبها الشاعر الكبير أحمد شفيق كامل، وجاءت فى إثرها الرائعة الوطنية الباقية أيضاً أنشودة «على باب مصر.. تدق الكف»، التى كتبها كامل الشناوى.. وقد كانت ضمن ما تصدر أناشيد الشعب وطلائعه فى الميادين، فى كلتا الثورتين «٢٥ يناير» و«٣٠ يونيو»، بعد مرور عقود وعلى نحو يؤكد قيمة وصدق وثورية وجمال الأنشودة: «أنا الشعب أنا الشعب.. لا أعرف المستحيلا.. ولا أرتضى بالخلود بديلاً..».. وهى الأنشودة الوحيدة التى جمعت بين هذه الأسماء الكبرى هكذا: «فمن عصر مينا.. لعصر عمرو.. ومن عصر عمرو لعصر جمال..».
لحن عبدالوهاب الكثير من قصائد كامل الشناوى، لكن لحن وغنى له أيضاً فريد الأطرش بعض روائعه، ولحن له محمد الموجى «حبيبها» التى غناها عبدالحليم وهى تحفة فنية بكل معنى الكلمة.. وقد كانت لقصيدة «لا تكذبي» شهرتها ووضعيتها الخاصة، إذ غناها عبدالوهاب نفسه، كما غناها كل من عبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة.. وعن نفسى فقد أحببت التجربة وبكل هذه الأصوات، إذ هى لموهوبين متميزين شوامخ بالغى الصدق والمقدرة على الأداء بأرفع وأرهف إحساس.
وقد تحدث كثيرون عن كامل الشناوى، وكتب كثيرون حول قيمته وتفرده.. لكن يبقى عندى فى مقدمة من تحدثوا عنه، بتسجيل نادر فى الإذاعة المصرية سمعته منذ بضع سنوات، يتكلم فيه عن كامل الشناوى صديقه الصدوق الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، برؤيته الشاملة ومحبته الغامرة لصديق حميم من العمالقة.. كما أحسب أن فى مقدمة ما كتب عنه، الكتاب الرائع من تأليف الكاتب القدير يوسف الشريف، الذى ترك لنا أعمالاً رائدة منها كتابه هذا عن كامل الشناوى، وكتابه عن العلم والمعلم المتفرد الآخر زكريا الحجاوى، وغيرهما.
وفى كتاب الشريف عن الشناوى رحمهما الله سبحانه وتعالى يستوقفنى ضمن كثير فى الفصول، الحديث عن «الشناوى والحب والمرأة فى حياته».. ويستوقفنى حديث كامل الشناوى عن نفسه، من حيث: أن إحساسه بالحياة والحب والمرأة، قد ظل دائماً وطول الوقت كإحساس شاب لم يكبر أو يشيخ قط، بل إنه ظل فى هذا شاباً فى العنفوان أو الريعان.. شوقاً وولهاً وتأوهاً وأنات.
لقد ظل الشناوى إحساساً متوهجاً، وشاباً جياشاً بالعواطف النبيلة والجميلة باستمرار، وليس له أى علاقة بملامح رجل يكبر بالفعل.. وتمضى به السنون!
هذا هو كامل الشناوي.. الشاعر الرائع الخالد.. والفيلسوف الساخر الرائق الراقى.. الباحث عن الجمال وعن الحب أبداً.. الشاب أبداً.
كامل الشناوى من الشخصيات غير العادية فى القرن العشرين، هو كاتب صحفى قدير، وأديب وشاعر كبير، وبقيت من تأليفه فى ثقافتنا ومكتباتنا المصرية والعربية بضعة كتب تضم بعض ما أبدع من قصائد الشعر وخواطر النثر، لكن كامل الشناوى من الطراز الذى كان يتجاوز تأثيره وإشعاعه فى عصره، حدود كل ما يكتبه وينشر، فقد ظل عبر رحلة العمر الزاخرة، ظاهرة إنسانية وثقافية شديدة التميز، وكان يتحلق من حوله باستمرار واعدون ومواهب يكتشفها ويدعمها فى مختلف حقول الإبداع، فضلاً عن قامات كبرى هم أصدقاؤه ورفقاؤه.. من سياسيين وصحفيين وأدباء وأهل مغنى ومبدعين فى مختلف الميادين.
وقد قيل عن الشناوى، والقول دقيق ومشهور.. لو أن أحداً كان يتابعه بجهاز للتسجيل، فى كل أمسياته ومناقشاته الجميلة الحافلة هو وصحبه، كل يوم وكل ليلة.. لأصبح لدينا كنوزاً من عطايا كامل الشناوي: حكمة نادرة.. وآراء ثاقبة.. وتأملات شاملة فى الحياة والحرية والحب، والموت والمصائر، والثقافة والإبداع.. فى كل القضايا، بل وكثير من الطرائف أيضاً والمقالب الظريفة المذهلة أحياناً.
كان كامل الشناوى على الدوام: الباحث عن الجمال، والباحث عن الحب، والباحث عن الحقيقة، والباحث عن العدل.. ومن هنا امتزجت لديه امتزاجاً جلياً بل عضوياً السياسة بالفن، والصحافة بالإبداع، والفلسفة بالعاطفة.. وقد فجر لديه كل هذا البحث، فى كتاباته عامة، وعلى الأخص فى شعره: ينابيع ودرراً من الحكمة والتأمل، وأغانى الوطنية والثورية، وقصائد اللوعة والصدمة والأسى الذى لا ينتهى فى الحب.
وقد منعت للشناوى قصيدة، لحنها وغناها محمد عبدالوهاب قبيل ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، هى «أنت فى صمتك مرغم».. وحينما قامت الثورة أفرج عنها وعن غيرها من إبداعات مثل فيلم: «مصطفى كامل»، وكانت الأغنية عملاً شجاعاً يواجه أوضاعاً مأساوية، وقوى بطش محلية مستبدة وأجنبية محتلة، فى ظل ما قبل الثورة.. ولذلك فقد تغيرت كلمة واحدة.. لتصبح: «كنت.. فى صمتك مرغم».
وفى منتصف الستينيات تغنى أم كلثوم لأول مرة من ألحان محمد عبدالوهاب، بعدما تدخل وشجعهما على ذلك قائد الثورة جمال عبدالناصر فى واقعة مشهورة، وقد كانت بداية أعمالهما رائعتهما الوجدانية العذبة «أنت عمري»، التى كتبها الشاعر الكبير أحمد شفيق كامل، وجاءت فى إثرها الرائعة الوطنية الباقية أيضاً أنشودة «على باب مصر.. تدق الكف»، التى كتبها كامل الشناوى.. وقد كانت ضمن ما تصدر أناشيد الشعب وطلائعه فى الميادين، فى كلتا الثورتين «٢٥ يناير» و«٣٠ يونيو»، بعد مرور عقود وعلى نحو يؤكد قيمة وصدق وثورية وجمال الأنشودة: «أنا الشعب أنا الشعب.. لا أعرف المستحيلا.. ولا أرتضى بالخلود بديلاً..».. وهى الأنشودة الوحيدة التى جمعت بين هذه الأسماء الكبرى هكذا: «فمن عصر مينا.. لعصر عمرو.. ومن عصر عمرو لعصر جمال..».
لحن عبدالوهاب الكثير من قصائد كامل الشناوى، لكن لحن وغنى له أيضاً فريد الأطرش بعض روائعه، ولحن له محمد الموجى «حبيبها» التى غناها عبدالحليم وهى تحفة فنية بكل معنى الكلمة.. وقد كانت لقصيدة «لا تكذبي» شهرتها ووضعيتها الخاصة، إذ غناها عبدالوهاب نفسه، كما غناها كل من عبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة.. وعن نفسى فقد أحببت التجربة وبكل هذه الأصوات، إذ هى لموهوبين متميزين شوامخ بالغى الصدق والمقدرة على الأداء بأرفع وأرهف إحساس.
وقد تحدث كثيرون عن كامل الشناوى، وكتب كثيرون حول قيمته وتفرده.. لكن يبقى عندى فى مقدمة من تحدثوا عنه، بتسجيل نادر فى الإذاعة المصرية سمعته منذ بضع سنوات، يتكلم فيه عن كامل الشناوى صديقه الصدوق الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، برؤيته الشاملة ومحبته الغامرة لصديق حميم من العمالقة.. كما أحسب أن فى مقدمة ما كتب عنه، الكتاب الرائع من تأليف الكاتب القدير يوسف الشريف، الذى ترك لنا أعمالاً رائدة منها كتابه هذا عن كامل الشناوى، وكتابه عن العلم والمعلم المتفرد الآخر زكريا الحجاوى، وغيرهما.
وفى كتاب الشريف عن الشناوى رحمهما الله سبحانه وتعالى يستوقفنى ضمن كثير فى الفصول، الحديث عن «الشناوى والحب والمرأة فى حياته».. ويستوقفنى حديث كامل الشناوى عن نفسه، من حيث: أن إحساسه بالحياة والحب والمرأة، قد ظل دائماً وطول الوقت كإحساس شاب لم يكبر أو يشيخ قط، بل إنه ظل فى هذا شاباً فى العنفوان أو الريعان.. شوقاً وولهاً وتأوهاً وأنات.
لقد ظل الشناوى إحساساً متوهجاً، وشاباً جياشاً بالعواطف النبيلة والجميلة باستمرار، وليس له أى علاقة بملامح رجل يكبر بالفعل.. وتمضى به السنون!
هذا هو كامل الشناوي.. الشاعر الرائع الخالد.. والفيلسوف الساخر الرائق الراقى.. الباحث عن الجمال وعن الحب أبداً.. الشاب أبداً.