الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الشتاء التركي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دخل الشعب التركى مع رجب طيب أردوغان شتاءً قاسيًا وثقيل الوطأة ومرشحًا لمزيد من الصقيع فى الأيام المقبلة، خصوصًا أن «الموسم» فى أوله، بالتالى ستكون الليالى المقبلة أثقل وطأة على فقراء الدولة التركية التى يعيش رئيسها وحزبه الحاكم وهم الانتقال إلى الخلافة العثمانية التى واراها الثرى منذ أكثر من تسعين عامًا، وتحولت إلى مجرد ذكرى باهتة فى كتب التاريخ، ودروس فى الجغرافيا السياسية لمن أراد إليها سبيلًا.
ومبلغ القول فى الشتاء التركى، أن نتائج «الغضبة» الروسية على النظام بدأت تكشر عن أنيابها الحادة، وكتبت صحيفة ألمانية هى «Tagesschau» أن «الكثير من المواطنين الأتراك قلقون من إمكانية وقف روسيا توريد الغاز إلى تركيا ما سيضع البلاد فى حالة مزرية، منوهة إلى أن أنقرة تشترى من روسيا ٦٠٪ من الغاز» وأوضحت أنه فى حال توقف توريد الغاز سيضطر الكثير من الشركات التركية إلى وقف نشاطها، فيما تبقى عشرات الآلاف من المنازل دون تدفئة».
كما أشارت الصحيفة إلى أن تأثير العقوبات الروسية التى تم فرضها على المواطنين الأتراك بدأ يكون مؤثرًا، إذ أعلن عضو اتحاد مصدرى المنتجات الزراعية الأتراك أن «هناك ١٩٠ ألف طن من الفواكه والخضروات الطازجة فى المراكز الحدودية والشاحنات والمستودعات، والتى كان يجب أن نرسلها إلى روسيا، وتبلغ قيمتها السوقية ١٥٠ مليون يورو»، وهى منتجات مرشحة لأن تكون من مصر بديلًا عن الجار «السابق» فى تصديرها، وهو ما يعنى أن مصر ستكمل الضربة الموجعة للنظام التركى الإخوانى الذى دخل نفقًا مظلمًا بسياسته المنافقة التى قام بانتهاجها بدعم الإرهاب وتغذيته بعشرات الآلاف من المرتزقة المنتمين لأكثر من مائة دولة، مؤكدًا عداءه المطلق وغير المسبوق للنظام السورى وعلى رأسه بشار الأسد، مدفوعًا بأموال النفط والغاز سواء من دويلة قطر أو مملكة آل سعود التى أعطت نفسها حقًا لا تملكه بدفاعها المزيف والكاذب عن الشعب السورى أمام نظام الأسد «غير الديمقراطى» بينما تحكم شعبها بالحديد والنار وقطع الأعناق والأرزاق لمعارضيه السياسيين.
وكأن سقوط القاذفة الروسية جاء ليكون مؤشرًا لمرحلة جديدة، إذ قام «فلاديمير بوتين» بإماطة اللثام عن كافة الوجوه المنافقة، التى تحترف الكيل بمكيالين فى سياساتها العرجاء وغير المتماشية حتى مع القوانين الدولية التى تنظم العلاقات بين الدول، وتصرفت كأنها تعيش فى عالم تحكمه الفوضى والأهواء الشخصية لحكام لم يدرسوا أصول الحكم وأدبيات الدبلوماسية، ويعتقدون أن قوة المال كافية لممارسة الحماقات والرهانات الخاسرة بدليل كشفهم وكشف حجم نفاقهم السياسى الذى عانت منه الأمة العربية وما زالت تعانى، أما الولايات المتحدة الأمريكية فتتخطى مرحلة النفاق، إلى مرحلة العهر السياسى الذى تمرغ فيه «باراك أوباما» رئيس تلك المرحلة السوداء وشرب كأسه حتى الثمالة، وأصبحت السياسة الأمريكية مفضوحة فى العالم كله، كما فضح تبنيها الإرهاب ما تبقى لها من ملامح لشعارات جوفاء وتركت لروسيا حرية العودة لمنطقة الشرق أوسطية التى كانت مضغوطة تحت الهيمنة الأمريكية العرجاء طيلة نصف قرن تقريبًا.
الابتعاد الأمريكى «القسرى» إذا أردنا، كان نتيجة لعدم حل القضية الفلسطينية التى مارست فى سبيل تعثرها دور القواد للكيان الصهيونى، حيث ساوت بين الضحية والجلاد، وشرعنت الاحتلال تحت مفهوم سياسة «الأمر الواقع» وتركت القضية على أرض سياسة الأمر الواقع الذى يؤكد همجيتها السياسية، وابتعادها عن دور القاضى المحايد الذى كان لا بد أن يكون مسلحًا بضمير حاضر وواعٍ لكى تكون بقواها الهائلة حكمًا ومنفذًا لآليات الحكم العادل، لكن أمريكا تسافر خلف مصالحها فقط، ولم تعد نظرات الآخرين تهمها أو تؤرقها، حتى اضطر كثيرون أن يعاملوها بنفس المنطق المعوج، لتتساقط عليها اتهامات مخجلة مثل إطلاقها عفريت الإرهاب فى النصف الغربى للكرة الأرضية وأن «داعش» أصغر أبنائها المدللين ذوى الحظوة والمكانة الرفيعة، صحيح أنها بعد الاتهام الأخير انكشفت و«انكسفت» على نفسها قليلًا وخفت صوتها كثيرًا وابتعدت عن ربيبها «أردوغان» قليلًا على الصعيد العلنى، إلا أنها لا تملك أكثر من ذلك وليذهب «الديك التركى» إلى الجحيم. 
وعليه، فأردوغان الذى غرد يوما خارج سرب واشنطن و«الأصدقاء»، يبدو أنه انفصل كليًا عن الواقع وصار يأخذ على عاتقه ما ثقل حمله وقل ثمنه، وقرر تعويض خسارة المنطقة العازلة شمال سوريا بإرسال قوات برية إلى العراق عله يفلح هناك، فهو مؤمن، ربما، أكثر من واشنطن «بعجز» روسيا، وغير آبه بتساقط صواريخها المجنحة بمحاذاة حدوده.
والسؤال الذى يتبادر إلى الأذهان على خلفية ذلك، إلى أين ستصل القيادة التركية فى خطواتها؟ وما النتائج التى ستترتب على ذلك بعد أن تفرق الحلفاء والأصدقاء وتصدعت أحلافهم فوق سوريا وعلى أرضها؟
وكيف تدفئ تلك القيادة شعبها المتذمر نصفه على الأقل فى شتاء سيجيء ثقيل الوطأة؟ فيما يلوح شتاء سياسى أكثر وطأة وآلامًا، بل قد يشهد تغييرات حتمية تطيح بعدد من الوجوه السياسية التركية التى أصابها الجمود والركود وأحيانًا الشلل الرباعى.