هى بالفعل زجاجة تحكم العالم.. يدمن على مشروبها السحرى الصغار والكبار.
عمر الزجاجة الآن مائة عام – ليس عمر الشركة – وتحتفل الكوكا بالعيد المئوى على ابتكار الزجاجة الأسطورية فى كافة أنحاء العالم.. فقد تجاوزت الأسطورة كافة المذاهب والعقائد والأديان والأيديولوجيات والأعراق.. وكادت تصبح أكبر سطوة من الأمم المتحدة.. بعد إجماع شعوب الأرض عليها.
قبل أكثر من ثلاثين عاما صدرت رائعة الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم «اللجنة».. وفيها يتحدث عن نفوذ الكوكاكولا.. «اللجنة» المنشورة عام ١٩٨١ بالرغم من صغر حجمها نسبيًا تعد من أشهر روايات الكاتب صنع الله إبراهيم والتى يعرض فيها نقدًا ساخرًا لدول المنطقة العربية وما تنتهجه من سياسة انفتاح على السلع الأجنبية متخذًا من «الكوكاكولا» رمزًا ليدلل على طريقة معاملة الدول لمواطنيها.
يقول كاتبنا الكبير على لسان بطل الرواية:
«من حقنا أن نصدق ما يقال عن هذه الزجاجة البريئة المظهر وكيف أنها تلعب دورا حاسما فى اختيار طريقة حياتنا.. ورؤساء بلادنا وملوكها ، بل والحروب التى نشترك فيها، والمعاهدات التى نوقعها».
المشروب السحرى كوكا كولا ويعرف فى أمريكا بالـ«كوك». هو ماء مكربن أى مضاف له غاز ثانى أكسيد الكربون مع محليات (سكر أو أسبرتيم) ومادة أو نكهة الكولا وكافيين ومواد مضافة أخرى.
فى ٨ مايو ١٨٨٦ تمكن صيدلى أمريكى مدمن مورفين يدعى جون ستيث بمبرتون كان يملك صيدلية «جاكوبس» فى أتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية من تركيب منتج بديل للكحول من خلال إضافة ثانى أكسيد الكربون إلى المياه مع محليات (سكر أو أسبارتام) ومادة «الكوك» المستخرجة من ورق الكوكايين ونكهة «الكولا» المشتقة من بذور نبتة الكولا التى تحتوى على مادة الكافيين، وتوصل إلى إنتاج الشراب المعروف اليوم باسم «كوكاكولا»، كان الشراب يباع فى سنته الأولى فى الصيدلية تحت اسم «نافورة شراب الصودا» باعتباره نوعا من الدواء الذى يقوى الأعصاب ويخفف من آلام الرأس كما يساعد على عملية الهضم حيث كان هناك اعتقاد شائع فى تلك الفترة فى الولايات المتحدة أن المياه الفوارة مفيدة للصحة، إضافة إلى اعتباره مشروبا منعشا ولذيذا.
فى عام ١٩٠٠ جرى تسويق كوكولا لأول مرة خارج أمريكا بعد زيارة تشارلز كاندلر إلى بريطانيا، وتمت أول عملية بيع للمشروب فى لندن بتاريخ ٣١ أغسطس ١٩٠٩، ثم وصلت كوكاكولا إلى كندا وهونولولو والمكسيك ولم ينقض العام ١٩١٦ حتى كانت تباع فى كوبا وجمايكا وألمانيا وبورتوريكو وفرنسا.
أول مصنع لتعبئة الكوكا كولا فى الشرق الأوسط كان فى مصر وقد أنشئ فى عام ١٩٤٤ بحى الدقى بمدينة الجيزة.
منذ خمسنييات القرن العشرين كان فى الرياض معمل ينتج مشروب كوكاكولا، كما أنتجت كوكا كولا لفترة طويلة فى المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية.
وكان معمل كوكاكولا فى العراق يقع فى العاصمة بغداد.
لكن ذلك لم يشفع للعرب لدى إدارة شركة الكوكا بعد أن نجح اليهود فى استقطاب عدد من الشركات العالمية لدعم دولة إسرائيل والاستثمار بها. من هذه الشركات كانت شركة كوكاكولا للمشروبات الغازية الداعمة القوية لدولة الكيان الصهيونى منذ عام ١٩٦٦. وفى عام ١٩٩٧ كرمت البعثة الاقتصادية الإسرائيلية شركة كوكاكولا تقديرًا لدعمها المستمر طوال ٣٠ عامًا.
شركة كوكاكولا أيضا تقوم برعاية جائزة سنوية للغرفة التجارية الأمريكية الإسرائيلية، هذه الجائزة ذهبت عام ٢٠٠٩ إلى اللوبى الصهيونى لضغطه على مجلس الشيوخ من أجل رفض قرار أممى بوقف إطلاق النار على قطاع غزة.
ووفقا لـCNN وصلت أرباح شركة «كوكاكولا» للمشروبات الغازية العام الماضى إلى ٨.٦ مليار دولار، لكنّه رقم أقل من المنتظر وفقا لمديريها بنحو ٥ بالمائة.
والرقم له دلالة عميقة حيث يعكس حدة التنافس فى صناعة المشروبات الغازية التى تعتمد فيها الشركة على سلاح واحد هو «سرّ تركيبة مشروبها» والذى يعدّ «أكبر سرّ فى العالم» وفقا للخبراء. فما هو ذلك السرّ الذى يعود إلى عام ١٨٨٦ ووضع تركيبته صيدلانى كان مدمن مخدرات؟
تعود قصة السرّ إلى نحو قرن من الزمان، لدرجة أنه تحوّل إلى لغز تعتمد الشركة على «إخفائه» لفتح شهية البشر وجلب مستهلكين أكثر.
ووفقا لموقع الشركة فإنّه تمت كتابة التركيبة عام ١٩١٩ أى بعد مرور أكثر من نصف قرن على «صنع تركيبة» كوكاكولا عام ١٨٨٦، وفى ١٩١٩ اشترت مجموعة إيرنست وودراف الشركة وتم بناء على ذلك كتابة التركيبة وتم تسليمها للملاك الجدد الذين أغلقوا عليها فى أحد بنوك أتلانتا عام ١٩٢٠، إلى أن قررت الشركة أن تدرج السرّ ضمن استراتيجية الدعاية والترويج.
وبعد ٨٦ عاما من ذلك التاريخ، قررت الشركة نقل «المكتوب» إلى متحفها فى أتلانتا.
ولطالما ادعت الشركة أن اثنين فقط من مديريها الكبار على علم بالتركيبة وتفاصيلها من دون أن تكشف عن الأسماء والوظيفة فى جميع مراحل تغيير مجلس إدارتها.
ونقلت بعدها الشركة «السرّ» فى أجواء تزيد من الغموض ووضعته داخل قلعة كبيرة مقتبسة من فيلم، يحيط بها كاشف بالرنين المغناطيسى، ولا تفتح إلا بتركيبة من الرموز وجميع ذلك داخل أسوار حديدية.
داخل تلك الأسوار، يوجد صندوق تحيط به أسرار أمنية، بحيث من المستحيل تقريبا النفاذ لما يوجد بداخله. وداخله توجد علبة حديدية تحتوى على ما تقول الشركة إنه «أكثر سرّ تجارى محروس فى العالم» وهو مجرد ورقة تتضمن التركيبة، وفقا لموقعها.
لكن مؤلف كتاب «للربّ والوكن وكوكاكولا» مارك بيندرغراست فإنّ «الحفاظ على سرية التركيبة، يهدف جزئيا إلى زيادة الأرباح عبر إضفاء الألغاز والغموض وللاحتماء من المنافسة، ولكن أيضا لمنع الناس من أن تعرف حقيقة أنّ المكونات رخيصة جدا والأرباح كبيرة».
ولم تعرض الشركة البتة التركيبة قائلة إنّ ذلك سيتطلب الكشف عن معادلة التركيبة نفسها وهو ما سيجعل من السهل على شركات أخرى أن تصنع نفس المنتج وتبيعه.
وعادة ما تطفو بين الفينة والأخرى مكاتيب يدوية يدعى أصحابها أنها تحتوى على تفاصيل التركيبة الأصلية، وهو ما دأبت الشركة على نفى صدقيتها مشددة فى جميع ردودها على أنّ «هناك شيئا واحدا حقيقيا».
ويتضمن كتاب مارك صورتين لمكتوبين يدعيان أنهما يشرحان التركيبة، ويقول المؤلف إنهما صحيحتان، مشيرا إلى أنّ «الأمر لا يتعلق بالتركيبة نفسها حيث إنه حتى لو عثر عليها المنافسون وطبقوها بحذافيرها فإنهم لن يكونوا قادرين على المنافسة حيث إن هناك سؤالا: لماذا يتعين عليك أن تشترى مشروبا يم يم الذى هو تقريبا مماثل لكوكاكولا لكن سعره أغلى فى الوقت الذى بإمكانهم أن يشتروا الشيء الحقيقى الواحد فى كل مكان من العالم».
هذه السرية الشديدة لشركة المشروبات الغازية الشهيرة وراءها مجموعة أرقام حيث يقدر رأس مالها بـ ٥٥.٤ مليار دولار.
وتبلغ قيمة العلامة التجارية لشركة كوكاكولا ٨١.٦ مليار دولار.
وهى أحد أكثر العلامات التجارية قيمة فى العالم، حيث تبيع شركة كوكاكولا أكثر من ٢٨ بليون عبوة سنويًا، نسبة ٤٧٪ منها من نصيب مشروب الكوكاكولا نفسه، وبلغ إجمالى عائدات الشركة عام ٢٠١٣ حوالى ٤٦.٩ بليون دولار بإجمالى أرباح حوالى ٨.٦ بليون دولار وميزانية إعلانية تجاوزت ٣ بلايين دولار، ويبلغ عدد العاملين فى تلك الإمبراطورية حوالى ١٣٠٦٠٠ موظف حول العالم. إنها حقا شركة تحكم العالم.