الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

"استنساخ" عبدالناصر..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يحب المصريون عبر تاريخهم الطويل أحدًا مثلما أحبوا جمال عبدالناصر الذي يمر على رحيله عن دنيانا هذه الأيام 43 عامًا بالتمام والكمال، فعلاقتهم عبر التاريخ بأي حاكم كانت ملتبسة: يصعد للحكم فيجددون به الأمل في العدل والكفاية ثم لا يلبثون أن يخرجوه من قلوبهم لأنه خيب رجاءهم، إلا هو.. فقد كان حبه يستقر في أعماقهم كل يوم مع كل مشروع يبنيه وكل أرض يستصلحها وكل رغيف وحبة دواء يقدمهما لفقير وعمل يوفره لأبناء السبيل حتى رحل جسده الفاني عن حياتهم لكنه ظل متشبثًا بموقعه الفريد في قلوبهم حتى بعد مرور عشرات السنين على ذلك الرحيل “,”الرمزي“,”، ونقول الرمزي لأنه “,”حاضر“,” بشكل ما: في السد العالي، في المدارس والمعاهد والجامعات، في القلاع الصناعية، حتى وإن بيع منها الكثير، في الدولة الحديثة التي بناها وأدخل بها مصر للقرن العشرين، في صوته عبر شرائط خطاباته التي لا تستطيع الأجيال نسيانها أو لقطات الفيديو في “,”الميديا“,” الحديثة أو الأغاني الوطنية العبقرية الكلمات واللحن والأصوات والمتجذرة في وجدان الجماهير التي عاشت معه ومعها مرحلة الحلم وسنوات التحدي والكبرياء قبل أن تشد من أزره في ظلام الانكسار.
وحين نجحت المؤامرة الأمريكية الصهيونية في إلحاق الهزيمة المريرة بمشروعه الوطني العملاق في 5 يونيو 1967 كانت الجماهير - وبوعي مذهل - تدرك تمامًا أن الأعداء يريدون تدميره قبل أن يدمروهم باعتباره رأس الفكر ومشهر السيف فرفضت أن يقودها غيره وكان خروج “,”المليونيات“,” المبكرة في 9 و10 يونيو أعظم استفتاء على بطل مهزوم، فأعاد بناء القوات المسلحة وخاض حرب الاستنزاف التي كانت تدريبات عملية على العبور الذي لم يعش ليراه، وأزال آثار العدوان وبذل جهدًا لا يتحمله قلب بشر حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى فودعته الجماهير المليونية كما لم ولن تودع أحدًا قبله ولا بعده.
وعادت الجماهير “,”لخلفه“,” أنور السادات الذي حقق معجزة العبور بجيش عبدالناصر ورجاله، وكان يمكن للسادات أن يقارب عبدالناصر في القلوب لولا أنه استمع للأمريكان الذين كانوا يريدون تحطيم “,”نموذج البطل“,” فأهال عليه التراب وعرف الشعب أن السادات “,”يمشي على خط عبدالناصر بأستيكة“,” وعرفوا أن حلم التصنيع الثقيل ومجتمع الكفاية والعدل والاكتفاء الذاتي يتبخر مع سياسة الانفتاح “,”السداح مداح“,” بتعبير الكبير الراحل أحمد بهاء الدين وبقول السادات نفسه “,”اشتراكيتنا تمليك لا تجريد“,” فطعن الشخصية المصرية السوية في الصميم فتكالب الناس على المنافع وانتشر الفساد وظهرت الفئات الضالة من القطط السمان إلى باعة الأوطان حتى أكمل السادات فيلمه الأسود بمعاهدة العار والشنار التي ازداد معها الفقراء فقرًا واستذأبت الكلاب فنهشوا حاضر الجماهير ودمروا مستقبلها، وحين قتل الرجل في “,”العرض الشهير“,” لم يمش الشعب في جنازته لأنهم ما كانوا ليفعلوا ذلك وقد تصدر الصهاينة والرؤساء السابقون للعدو الأمريكي موكبه الأخير، كما لم يكن للجماهير أن تودع رجلاً أهال التراب على محبوبهم، وتلاعب في قوتهم حتى انفجروا في وجهه ووجه سياساته الفاشلة في ثورة عاتية هي انتفاضة الخبز في 18 و19 يناير 1977 التي سماها هو “,”انتفاضة الحرامية“,”.
بعده جاء مبارك الذي ترك للناس حرية الحنين لعبدالناصر فأعيد طبع شرائط أغاني الثورة والخطب الشهيرة وكان يحلو له أن يسمع من منافقيه في سنوات حكمه الأولى أنه شبيه بعبدالناصر لكنه جاء بلا مشروع واضح وأكدت الأحداث الجسام – بدءًا من احتلال أول عاصمة عربية أو بيروت عام 1982 – أنه ليس الرجل “,”المطلوب“,” خصوصًا وأنه بدأ يتباعد عن الجماهير فلم يره الناس في ظهور علني أو في سيارة مكشوفة كما كان عبدالناصر يفعل وكما فعل بعده السادات خصوصًا بعد حرب أكتوبر، وأصبح مبارك كائنًا “,”تليفزيونيًا“,” لا يراه الناس إلا من وراء حجب وأعتاب، فلما طال حكمه وخصخص وطنه وباعه رخيصًا على أرصفة المستثمرين والسماسرة ومد حبل الفساد على الغارب، ثم ظهر وبدا أنه سيورث المصريين مثل المتاع لابنه المريض بالصرع ولما ازدادت الآلام والظلمات، ثاروا عليه، ولأنه “,”في الليلة الظلماء يُفتقدُ البدر“,” كانت صور عبدالناصر مرفوعة في سماء الميدان “,”الأغر“,” وفي ميادين الثورة في عموم مصر المحروسة لينزل مبارك في النهاية على إرادة الجماهير ويترك كرسي الحكم لكن الجماهير أصرت على محاكمته وها هو قابع يلوك تاريخه الضائع.
لكن الثورة التي كانت تنتظر شبيهًا بعبدالناصر سواء من قواتها المسلحة أو قواها المدنية في التحرير سُلمت “,”تسليم أهالي“,” إلى فئة ضالة تتمترس وراء الدين وتعيش في “,”جيتو“,” منعزلاً عن الجماهير التي سرعان ما كشفت عن وجهها القبيح فإذا هي من أعدى أعداء الشعب وإذا هي جاءت لتبيع الوطن بأكمله وتحقق للمشروع الأمريكي الصهيوني انتصاره الساحق، خرج جيش عبدالناصر لينقذ الجميع وليُفشل هذه المؤامرة الحقيرة ويضع التنظيم الإخواني الخائن والمتعفن وراء السجون تمهيدًا لمحاكمته على جرائمه التي وقعت وفظائعه المؤجلة، وإذا بالجماهير التي استدعت عبدالناصر في الثلاثين من يونيو تجد “,”مستنسخًا“,” من بطلها الذي لا يموت ممثلاً في الفريق عبدالفتاح السيسي الذي قاد عملية الإنقاذ ويرفض فكرة ترشحه لرئاسة البلاد.
لكنها البداية.. لأن الشعب افتقد عبدالناصر كثيرًا، افتقد رجولته وعزته وكرامته وعشقه الخالص للوطن وتجرده ونزاهته وعفته، وهي الصفات التي يراها في السيسي ويشم فيه رائحة البطل الزكية.
ومثلما صَدَع عبدالناصر لأمر الشعب الذي قال عنه “,”إنه المعلم وهو القائد“,” ولأن السيسي هو أكبر جنود جيش الشعب فعليه أن يلبي أمر “,”قائده ومعلمه“,” وأن يعطي له “,”التمام“,”.. على كرسي الرئاسة.