■ الغرب يصور الإسلام باعتباره دين العنف وسفك الدماء.. وطالبت الاتحاد الأوروبى بسن قانون لمنع الإساءة للأديان
وحدها تقف دار الإفتاء المصرية فى مواجهة الإسلاموفوبيا والتحريض المتزايد ضد الإسلام والمسلمين فى الغرب، والذى كان آخر مظاهره التصريحات التى أطلقها المرشح الرئاسى الأمريكى «دونالد ترامب»، والتى طالب فيها بمنع دخول المسلمين للولايات المتحدة، كما تقوم بجهود كبيرة لتفنيد أسانيد تنظيم «داعش» لتبرير القتل والعنف.
وفى الفترة الأخيرة قام الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية، بجولات عديدة إلى الولايات المتحدة وأوروبا أسفرت عن نتائج مهمة لتحسين أحوال المسلمين فى الغرب، ودفع الاتهامات الموجهة إليهم.
وفى حواره مع «البوابة» يشرح لنا «نجم» كيف كانت رحلة الدار فى أوروبا وأمريكا لمواجهة حملات الكراهية ضد المسلمين والإشكاليات التى تواجه الخطاب الدينى فى الغرب.
■ ما أهداف جولاتك فى الخارج ومدى تأثيرها على الساحة العالمية؟
- نحن بفضل الله تعالى نعمل على نشر الوسطية والدفاع عن الإسلام ومحاربة الفوضى فى الخطاب الدينى فى الداخل والخارج، وقد لاحظنا هجومًا شديدًا فى الغرب على الإسلام ومحاولة تصويره على أنه دين يحض على العنف وسفك الدماء، فأردنا أن نقوم بدورنا للذود عن الدين، كما أنه توجد يضًا أقليات إسلامية فى الغرب لها قضاياها الدينية التى تريد الاستفسار عنها، ودار الإفتاء تعمل من خلال منظومة يكمل بعضها بعضًا فى الداخل والخارج.
■ طالبت بضرورة تغيير صورة الإسلام عند الغرب فما الذى دعاك لذلك؟ وما الدول التى نحتاج للتركيز عليها؟
- أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا هى من أهم المناطق التى يجب التركيز عليها نظرًا لعدائها الشديد مع الإسلام وكثرة حملات التشويه بها، وعلى الرغم من وجود حوالى ٥٠ مليون مسلم فى أوروبا إلا أن العداء لا يزال مستمرًا، وهذا الأمر له أسبابه التاريخية المعروفة، ونتيجة للصورة الذهنية المترسبة لدى الأوروبيين، وهذا ما اتضح فى العداء الشديد الذى وصل إلى حالات القمع والإبادة كما حدث فى البوسنة والهرسك، ولقد عانى أبناء الدول الأوروبية الأصليون الذين دخلوا الإسلام لكنهم حافظوا على دينهم رغم ما لاقوه من أذى ومحاولات محو هويتهم الإسلامية.
ومن أهم التحديات الفكرية التى تواجه المسلمين بالخارج وجود فجوة فكرية فى التاريخ الإسلامى هناك، مصدرها أن العلماء والفقهاء ظلُّوا على امتداد التاريخ الإسلامى يفكرون فى الجاليات غير الإسلامية التى تعيش فى ديار المسلمين، وقد وضعوا لهؤلاء كتبًا وفقهًا تغنى هذا الجانب، لكنهم لم يفكروا فى وضع الجاليات الإسلامية التى تعيش فى الغرب، ونحتاج بشدة لوجود فقه للأقليات الإسلامية فى الخارج يدرس أحوال المهاجرين لتجد سبيلها إلى أحكام فقهية تيسر وتسهل حياتهم.
■ كيف نواجه حملات تشويه الإعلام الغربى للإسلام؟
- منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر والإعلام الغربى يتعمد تقديم صورة للإسلام والمسلمين تجمع بين الضعف والتخلف والإرهاب والتطرف، فى محاولة لتكريس صورة سلبية للإسلام والمسلمين، لكن على الجانب الآخر دعنا نعترف بقصور الخطاب الإعلامى الإسلامى الموجه للغرب، ما يتطلب ضرورة انفتاح العالم الإسلامى على العالم الغربى وعلى حقائق العصر مع الحفاظ على ثوابت الأمة وتقاليدها، وأن يشكل المسلمون قوة ضاغطة ترفع صوتها مدافعة عن دينها وهويتها، كما أن الضرورة أصبحت ملحة لإنشاء قنوات فضائية إسلامية موجهة للغرب تخاطبه بلغته وتعطى صورة شاملة عن الثقافة الإسلامية وتسهم فى تصحيح صورة الإسلام والعرب والمسلمين، كما ينبغى التعرف على تأثيرات العولمة فى تشكيل الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين وتفعيل دور الاتصال المباشر فى مواجهة الصورة السلبية فى الغرب ومن خلال كل هذه الجهود نستطيع أن نواجه حملات التشويه ضد الإسلام فى الغرب، ولا بد من ضرورة إنشاء جهاز إعلامى يتبع الرئاسة يتولى رصد وتحليل واقع ما يقدم عن الإسلام والمسلمين فى وسائل الإعلام الغربية وإعداد الدراسات العلمية والحقائق التى يعتمد عليها فى الرد على ما يقدم من صور مشوهة.
■ هل ترى أن الخطاب الدينى الموجه للخارج فى حاجة إلى تجديد وتطوير؟
- نعم بالطبع، لكن علينا ونحن نسعى إلى تجديد الخطاب الدينى للخارج أن نؤكد مجموعة من الأسس التى تحدد طبيعة الفئة المستهدفة وأنماطها، حتى يكون هذا التجديد على علم وبينة ويؤتى ثماره، أولها لا بد من التأكيد على أن الوجود الإسلامى اليوم فى الغرب ليس وجودًا طارئًا أو استثنائيًا ولم يعد مجرد جماعات مهاجرة للعمل لا تلبث أن تعود إلى بلدانها، بل أصبح جزءًا من النسيج الاجتماعى لسكان تلك البلاد، خاصة أن أغلبية المسلمين هناك هم من جيل الشباب، وثانيًا من الأهمية بمكان التأكيد على أن الوجود الإسلامى فى أوروبا هو أمر مفيد للمسلمين وللمجتمعات والدول الغربية على السواء، ويمكن أن يمثل المسلمون هناك حلقة وصل للحوار الحضارى والتواصل الثقافى والفهم والاستيعاب المشترك دون ذوبان أو فرض أنماط ثقافية ودينية معينة على أصحاب المعتقد من الجانبين.
■ هل هناك إشكاليات قد تواجه عملية تجديد الخطاب الدينى الموجه للخارج؟
- بالفعل هناك عدة إشكاليات يجب أن تؤخذ فى الاعتبار، منها إشكاليات تتعلق بالمؤسسات والشخصيات الداعية إليه، ومنها إشكاليات تتعلق بالسياق الذى ترتبط به الدعوات ومنها كذلك إشكاليات تتعلق بالمفاهيم المستخدمة فى ذلك الخطاب ومدى ملاءمتها للمجتمع الغربى، وبالنسبة للإشكاليات التى تتعلق بالمؤسسات والشخصيات فإن بعض المرجعيات الدينية فى الغرب تدعو إلى مكافحة التطرف والإرهاب وتجديد الخطاب الدينى بينما نجد بعض منتسبيها يتبنون دعوات العنف، وهو ما يدفع البعض للتشكيك فى مدى إيمان هذه المؤسسات بقيم المواطنة والمساواة ومكافحة التمييز التى تنادى بها فى وثائقها، وفى الغالب سياق التجديد فى الخارج سياق أزمة وارتباك سواء بالنسبة للأنظمة أو المجتمعات وغالبًا ما يكون هذا الخطاب رد فعل أو ارتجاليا أكثر منه خطاب متسق وعميق، فهو يتعامل مع النتائج لا مع الأسباب، ومثل هذه الخطابات تفتقد أيضًا لما يمكن تسميته بالتوجيه والاستهداف النوعى لخطابات مكافحة التطرف وتجديد الخطاب الدينى والتصرف على هذا النحو من رد الفعل تجاه أحداث إرهابية يجعل من الخطاب العنيف أكثر شرعية، وفى هذا الإطار ينبغى أن يقوم على أمر التجديد اجتهاد جماعى يجمع بين علماء المسلمين فى الأرض وعلى رأسهم علماء الأزهر الشريف، بإنشاء لجان نوعية تناقش ما يعرض من مشكلات تواجه المسلمين فى الغرب وتتعلق بشئون دينهم ومعاشهم كالمشكلات المتعلقة بالاندماج والمواطنة والتعددية الدينية والثقافية بشكل دورى ومنتظم.
■ وماذا عن إشكاليات المفاهيم؟
- أرى أن الواقع يقول إنه يجب أن تكون هناك نقاشات عميقة على مستوى الأفكار، بحيث تكون القضية الرئيسية هى تجديد الفكر الدينى وحسم العلاقة ما بين الدين والدولة، بالتمييز بين مجالات العمل لا الفصل الكامل بينهما وقضية المرجعيات إذ تتداخل فى هذا الصدد مسائل فقهية مع قضايا سياسية مع إشكاليات مجتمعية يتلبس بها كل من الفقه والسياسة شئنا أم أبينا.
■ هل هناك آليات أو خطوات تساعد فى معالجة هذه الإشكاليات؟
- هناك بعض الآليات التى تساعدنا على التعامل بشكل متوازن مع قضايا المسلمين والدول التى يعيشون فيها، منها التواصل مع القيادات الدينية فى الخارج للتعرف على أهم المشكلات وإمدادهم بكافة الأدوات والوسائل التى تعينهم على أداء دورهم، كذلك يجب تدريب الأئمة والدعاة الذين يتصدون للدعوة فى الغرب وتأهيلهم للتعامل مع النصوص الشرعية والتعاطى مع معطيات الواقع، بالإضافة إلى إنشاء مركز عالمى لدراسة فتاوى الجاليات المسلمة فى الخارج، وهى إحدى المبادرات والتوصيات التى خلص إليها المؤتمر العالمى للفتوى الذى عقدته دار الإفتاء فى أغسطس الماضى، فالجاليات والأقليات الإسلامية فى الغرب بحاجة لدراسة وتأصيل فتاوى دينية تتعلق بهم وبقضاياهم، وإعادة النظر فى المناهج الدراسية الإسلامية فى الغرب لأن الكثير من هذه المناهج لا يتفق مع صحيح الإسلام ونصوصه.
■ هل اعتماد دار الإفتاء كمرجعية للاتحاد الأوروبى فى الفتوى سيحدث تغييرًا بتلك الصورة المشوهة؟
- دار الإفتاء ستبذل جهدها فى مساعدة أوروبا ودول العالم فى بلورة خطاب إفتائى رصين يلبى متطلبات المسلمين فى دول الاتحاد الأوروبى، بالتعاون مع الهيئات الإسلامية المعتمدة هناك، وبالتأكيد سيحدث تغيير نوعى ليس فى الساحة الغربية فحسب بل فى العالم أجمع، إذ أن المسلمين فى الغرب أصبحوا يمثلون موردًا بشريًا للتنظيمات الإرهابية وفى مقدمتها داعش، لأن الشباب هناك يفتقد إلى المرجعية الدينية الصحيحة التى تبين له صحيح الإسلام، وبالتالى هم عرضة للانضمام إلى جماعات العنف، لذا فدار الإفتاء معنية بهذا الأمر من عامين تقريبًا بالداخل، وهذا يأتى موازيًا لدورها العالمى كمؤسسة دينية.
■ دار الإفتاء طالبت كثيرًا بالتصدى للإرهاب من خلال المعالجة الفكرية هل ما حدث مؤخرًا فى فرنسا يثبت وجهة نظركم؟
- نعم ففى الوقت الذى كان يقول فيه الجميع إن القضاء على الإرهاب يكون من خلال الطائرات والدبابات، أكدت الدار أن القضية فكرية وعلاجها يكمن فى تصحيح المفاهيم ولم تقف عند الدعوة فحسب بل أنشأت مرصدًا للفتاوى الشاذة والتكفيرية لرصد الظاهرة وتقديم العلاج، وقدمته بأكثر من لغة وأنشأت مواقع موازية لمواقع داعش والقاعدة لبث الأفكار المستنيرة فى مقابل الأفكار الظلامية، كل هذه الخطوات الاستباقية أهلتها لأن تكون الملاذ الآمن للاتحاد الأوروبى وغيره من الباحثين على قشة يتعلقون بها للنجاة من نيران الإرهاب.
■ ما الجديد الذى ستقدمه دار الإفتاء لمواجهة التطرف وتصحيح صورة الإسلام؟
- سنتعاون مع الجانب الأوروبى لنشر خطاب وسطى قادر على مواجهة التنظيمات الإرهابية ونمدهم بالفتاوى التى تهم الجاليات الإسلامية هناك، بالإضافة إلى الجهود العلمية والدينية فى مجال الترجمة وما تعده دار الإفتاء من تقارير صادرة عن مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة بالدار والتى تفند دعاوى الجماعات الإرهابية.
■ ما الجهود المبذولة للتقليل من ظاهرة الإسلاموفوبيا فى ظل الأوضاع الأخيرة؟
- طالبت ببذل المزيد من الجهود التى تحول دون استمرار الإساءة للإسلام فى أوروبا وإثارة الكراهية ضد المسلمين، وضرورة استصدار قرار فى الاتحاد الأوروبى يجرم الإساءة إلى جميع الأديان، وحذرت من تنامى موجات «الإسلاموفوبيا» والحركات العدائية ضد الإسلام تحت دعوى «أسلمة الغرب».
وحدها تقف دار الإفتاء المصرية فى مواجهة الإسلاموفوبيا والتحريض المتزايد ضد الإسلام والمسلمين فى الغرب، والذى كان آخر مظاهره التصريحات التى أطلقها المرشح الرئاسى الأمريكى «دونالد ترامب»، والتى طالب فيها بمنع دخول المسلمين للولايات المتحدة، كما تقوم بجهود كبيرة لتفنيد أسانيد تنظيم «داعش» لتبرير القتل والعنف.
وفى الفترة الأخيرة قام الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية، بجولات عديدة إلى الولايات المتحدة وأوروبا أسفرت عن نتائج مهمة لتحسين أحوال المسلمين فى الغرب، ودفع الاتهامات الموجهة إليهم.
وفى حواره مع «البوابة» يشرح لنا «نجم» كيف كانت رحلة الدار فى أوروبا وأمريكا لمواجهة حملات الكراهية ضد المسلمين والإشكاليات التى تواجه الخطاب الدينى فى الغرب.
■ ما أهداف جولاتك فى الخارج ومدى تأثيرها على الساحة العالمية؟
- نحن بفضل الله تعالى نعمل على نشر الوسطية والدفاع عن الإسلام ومحاربة الفوضى فى الخطاب الدينى فى الداخل والخارج، وقد لاحظنا هجومًا شديدًا فى الغرب على الإسلام ومحاولة تصويره على أنه دين يحض على العنف وسفك الدماء، فأردنا أن نقوم بدورنا للذود عن الدين، كما أنه توجد يضًا أقليات إسلامية فى الغرب لها قضاياها الدينية التى تريد الاستفسار عنها، ودار الإفتاء تعمل من خلال منظومة يكمل بعضها بعضًا فى الداخل والخارج.
■ طالبت بضرورة تغيير صورة الإسلام عند الغرب فما الذى دعاك لذلك؟ وما الدول التى نحتاج للتركيز عليها؟
- أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا هى من أهم المناطق التى يجب التركيز عليها نظرًا لعدائها الشديد مع الإسلام وكثرة حملات التشويه بها، وعلى الرغم من وجود حوالى ٥٠ مليون مسلم فى أوروبا إلا أن العداء لا يزال مستمرًا، وهذا الأمر له أسبابه التاريخية المعروفة، ونتيجة للصورة الذهنية المترسبة لدى الأوروبيين، وهذا ما اتضح فى العداء الشديد الذى وصل إلى حالات القمع والإبادة كما حدث فى البوسنة والهرسك، ولقد عانى أبناء الدول الأوروبية الأصليون الذين دخلوا الإسلام لكنهم حافظوا على دينهم رغم ما لاقوه من أذى ومحاولات محو هويتهم الإسلامية.
ومن أهم التحديات الفكرية التى تواجه المسلمين بالخارج وجود فجوة فكرية فى التاريخ الإسلامى هناك، مصدرها أن العلماء والفقهاء ظلُّوا على امتداد التاريخ الإسلامى يفكرون فى الجاليات غير الإسلامية التى تعيش فى ديار المسلمين، وقد وضعوا لهؤلاء كتبًا وفقهًا تغنى هذا الجانب، لكنهم لم يفكروا فى وضع الجاليات الإسلامية التى تعيش فى الغرب، ونحتاج بشدة لوجود فقه للأقليات الإسلامية فى الخارج يدرس أحوال المهاجرين لتجد سبيلها إلى أحكام فقهية تيسر وتسهل حياتهم.
■ كيف نواجه حملات تشويه الإعلام الغربى للإسلام؟
- منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر والإعلام الغربى يتعمد تقديم صورة للإسلام والمسلمين تجمع بين الضعف والتخلف والإرهاب والتطرف، فى محاولة لتكريس صورة سلبية للإسلام والمسلمين، لكن على الجانب الآخر دعنا نعترف بقصور الخطاب الإعلامى الإسلامى الموجه للغرب، ما يتطلب ضرورة انفتاح العالم الإسلامى على العالم الغربى وعلى حقائق العصر مع الحفاظ على ثوابت الأمة وتقاليدها، وأن يشكل المسلمون قوة ضاغطة ترفع صوتها مدافعة عن دينها وهويتها، كما أن الضرورة أصبحت ملحة لإنشاء قنوات فضائية إسلامية موجهة للغرب تخاطبه بلغته وتعطى صورة شاملة عن الثقافة الإسلامية وتسهم فى تصحيح صورة الإسلام والعرب والمسلمين، كما ينبغى التعرف على تأثيرات العولمة فى تشكيل الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين وتفعيل دور الاتصال المباشر فى مواجهة الصورة السلبية فى الغرب ومن خلال كل هذه الجهود نستطيع أن نواجه حملات التشويه ضد الإسلام فى الغرب، ولا بد من ضرورة إنشاء جهاز إعلامى يتبع الرئاسة يتولى رصد وتحليل واقع ما يقدم عن الإسلام والمسلمين فى وسائل الإعلام الغربية وإعداد الدراسات العلمية والحقائق التى يعتمد عليها فى الرد على ما يقدم من صور مشوهة.
■ هل ترى أن الخطاب الدينى الموجه للخارج فى حاجة إلى تجديد وتطوير؟
- نعم بالطبع، لكن علينا ونحن نسعى إلى تجديد الخطاب الدينى للخارج أن نؤكد مجموعة من الأسس التى تحدد طبيعة الفئة المستهدفة وأنماطها، حتى يكون هذا التجديد على علم وبينة ويؤتى ثماره، أولها لا بد من التأكيد على أن الوجود الإسلامى اليوم فى الغرب ليس وجودًا طارئًا أو استثنائيًا ولم يعد مجرد جماعات مهاجرة للعمل لا تلبث أن تعود إلى بلدانها، بل أصبح جزءًا من النسيج الاجتماعى لسكان تلك البلاد، خاصة أن أغلبية المسلمين هناك هم من جيل الشباب، وثانيًا من الأهمية بمكان التأكيد على أن الوجود الإسلامى فى أوروبا هو أمر مفيد للمسلمين وللمجتمعات والدول الغربية على السواء، ويمكن أن يمثل المسلمون هناك حلقة وصل للحوار الحضارى والتواصل الثقافى والفهم والاستيعاب المشترك دون ذوبان أو فرض أنماط ثقافية ودينية معينة على أصحاب المعتقد من الجانبين.
■ هل هناك إشكاليات قد تواجه عملية تجديد الخطاب الدينى الموجه للخارج؟
- بالفعل هناك عدة إشكاليات يجب أن تؤخذ فى الاعتبار، منها إشكاليات تتعلق بالمؤسسات والشخصيات الداعية إليه، ومنها إشكاليات تتعلق بالسياق الذى ترتبط به الدعوات ومنها كذلك إشكاليات تتعلق بالمفاهيم المستخدمة فى ذلك الخطاب ومدى ملاءمتها للمجتمع الغربى، وبالنسبة للإشكاليات التى تتعلق بالمؤسسات والشخصيات فإن بعض المرجعيات الدينية فى الغرب تدعو إلى مكافحة التطرف والإرهاب وتجديد الخطاب الدينى بينما نجد بعض منتسبيها يتبنون دعوات العنف، وهو ما يدفع البعض للتشكيك فى مدى إيمان هذه المؤسسات بقيم المواطنة والمساواة ومكافحة التمييز التى تنادى بها فى وثائقها، وفى الغالب سياق التجديد فى الخارج سياق أزمة وارتباك سواء بالنسبة للأنظمة أو المجتمعات وغالبًا ما يكون هذا الخطاب رد فعل أو ارتجاليا أكثر منه خطاب متسق وعميق، فهو يتعامل مع النتائج لا مع الأسباب، ومثل هذه الخطابات تفتقد أيضًا لما يمكن تسميته بالتوجيه والاستهداف النوعى لخطابات مكافحة التطرف وتجديد الخطاب الدينى والتصرف على هذا النحو من رد الفعل تجاه أحداث إرهابية يجعل من الخطاب العنيف أكثر شرعية، وفى هذا الإطار ينبغى أن يقوم على أمر التجديد اجتهاد جماعى يجمع بين علماء المسلمين فى الأرض وعلى رأسهم علماء الأزهر الشريف، بإنشاء لجان نوعية تناقش ما يعرض من مشكلات تواجه المسلمين فى الغرب وتتعلق بشئون دينهم ومعاشهم كالمشكلات المتعلقة بالاندماج والمواطنة والتعددية الدينية والثقافية بشكل دورى ومنتظم.
■ وماذا عن إشكاليات المفاهيم؟
- أرى أن الواقع يقول إنه يجب أن تكون هناك نقاشات عميقة على مستوى الأفكار، بحيث تكون القضية الرئيسية هى تجديد الفكر الدينى وحسم العلاقة ما بين الدين والدولة، بالتمييز بين مجالات العمل لا الفصل الكامل بينهما وقضية المرجعيات إذ تتداخل فى هذا الصدد مسائل فقهية مع قضايا سياسية مع إشكاليات مجتمعية يتلبس بها كل من الفقه والسياسة شئنا أم أبينا.
■ هل هناك آليات أو خطوات تساعد فى معالجة هذه الإشكاليات؟
- هناك بعض الآليات التى تساعدنا على التعامل بشكل متوازن مع قضايا المسلمين والدول التى يعيشون فيها، منها التواصل مع القيادات الدينية فى الخارج للتعرف على أهم المشكلات وإمدادهم بكافة الأدوات والوسائل التى تعينهم على أداء دورهم، كذلك يجب تدريب الأئمة والدعاة الذين يتصدون للدعوة فى الغرب وتأهيلهم للتعامل مع النصوص الشرعية والتعاطى مع معطيات الواقع، بالإضافة إلى إنشاء مركز عالمى لدراسة فتاوى الجاليات المسلمة فى الخارج، وهى إحدى المبادرات والتوصيات التى خلص إليها المؤتمر العالمى للفتوى الذى عقدته دار الإفتاء فى أغسطس الماضى، فالجاليات والأقليات الإسلامية فى الغرب بحاجة لدراسة وتأصيل فتاوى دينية تتعلق بهم وبقضاياهم، وإعادة النظر فى المناهج الدراسية الإسلامية فى الغرب لأن الكثير من هذه المناهج لا يتفق مع صحيح الإسلام ونصوصه.
■ هل اعتماد دار الإفتاء كمرجعية للاتحاد الأوروبى فى الفتوى سيحدث تغييرًا بتلك الصورة المشوهة؟
- دار الإفتاء ستبذل جهدها فى مساعدة أوروبا ودول العالم فى بلورة خطاب إفتائى رصين يلبى متطلبات المسلمين فى دول الاتحاد الأوروبى، بالتعاون مع الهيئات الإسلامية المعتمدة هناك، وبالتأكيد سيحدث تغيير نوعى ليس فى الساحة الغربية فحسب بل فى العالم أجمع، إذ أن المسلمين فى الغرب أصبحوا يمثلون موردًا بشريًا للتنظيمات الإرهابية وفى مقدمتها داعش، لأن الشباب هناك يفتقد إلى المرجعية الدينية الصحيحة التى تبين له صحيح الإسلام، وبالتالى هم عرضة للانضمام إلى جماعات العنف، لذا فدار الإفتاء معنية بهذا الأمر من عامين تقريبًا بالداخل، وهذا يأتى موازيًا لدورها العالمى كمؤسسة دينية.
■ دار الإفتاء طالبت كثيرًا بالتصدى للإرهاب من خلال المعالجة الفكرية هل ما حدث مؤخرًا فى فرنسا يثبت وجهة نظركم؟
- نعم ففى الوقت الذى كان يقول فيه الجميع إن القضاء على الإرهاب يكون من خلال الطائرات والدبابات، أكدت الدار أن القضية فكرية وعلاجها يكمن فى تصحيح المفاهيم ولم تقف عند الدعوة فحسب بل أنشأت مرصدًا للفتاوى الشاذة والتكفيرية لرصد الظاهرة وتقديم العلاج، وقدمته بأكثر من لغة وأنشأت مواقع موازية لمواقع داعش والقاعدة لبث الأفكار المستنيرة فى مقابل الأفكار الظلامية، كل هذه الخطوات الاستباقية أهلتها لأن تكون الملاذ الآمن للاتحاد الأوروبى وغيره من الباحثين على قشة يتعلقون بها للنجاة من نيران الإرهاب.
■ ما الجديد الذى ستقدمه دار الإفتاء لمواجهة التطرف وتصحيح صورة الإسلام؟
- سنتعاون مع الجانب الأوروبى لنشر خطاب وسطى قادر على مواجهة التنظيمات الإرهابية ونمدهم بالفتاوى التى تهم الجاليات الإسلامية هناك، بالإضافة إلى الجهود العلمية والدينية فى مجال الترجمة وما تعده دار الإفتاء من تقارير صادرة عن مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة بالدار والتى تفند دعاوى الجماعات الإرهابية.
■ ما الجهود المبذولة للتقليل من ظاهرة الإسلاموفوبيا فى ظل الأوضاع الأخيرة؟
- طالبت ببذل المزيد من الجهود التى تحول دون استمرار الإساءة للإسلام فى أوروبا وإثارة الكراهية ضد المسلمين، وضرورة استصدار قرار فى الاتحاد الأوروبى يجرم الإساءة إلى جميع الأديان، وحذرت من تنامى موجات «الإسلاموفوبيا» والحركات العدائية ضد الإسلام تحت دعوى «أسلمة الغرب».