الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

المسافة بين الأقصي وأرض السمسمة (1)

محمد يسي
محمد يسي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لسنا في حاجة إلى تعريف جديد للمسجد الأقصى لأن مدلوله وحدوده أصبحا راسخين في عقيدة كل العقلاء بأنه تلك الأرض المباركة الواقعة في مدينة القدس بفلسطين، إلا لمن أعمت الضلالات والشبهات أعينهم عن الحقائق العلمية الثابتة في جميع المراجع التاريخية فراحوا ينكرونها بدعوى التحليق في سماء الحرية الفكرية التي جعلت قلوبهم عاجزة عن استقبال ما ينفعهم ويجلب لهم احترام العامة قبل أهل العلم، حيث كذبوا وحي السماء بوجودها وفي الوقت نفسه هم يصدقون خيالات السكارى والمساطيل حول أرض السمسمة التي اخترعها سيدهم ومعلمهم الأول ابن عربي.. فما هي قصة الأقصى؟ وما حكاية أرض السمسمة؟ وعلاقة ابن عربي بدعوات إنكار رحلة الإسراء والمعراج؟
قبل الليلة التي تحدث فيها الأديب والمفكر يوسف زيدان عن المسجد الأقصى كنت أقرأ شيئا من الفتوحات المكية لابن عربي حيث ذكر ارضا زعم أن اسمها "السمسمة" وأكد أنها في بعد آخر من الكون، وأوضح أنه زارها بجسده وروحه وكثير من العارفين فعلوا مثله، وقد ذكر ذلك في الباب الثامن من "الجزء الثاني" في كتابه الشهير: (الفتوحات المكية في معرفة الأسرار المالكية والملكية) تحت عنوان: (معرفة الأرض التي خلقت من بقية خميرة طينة آدم وتسمى: أرض الحقيقة) سنتحدث عنها بالتفاصيل فيما بعد.
وفي الليلة التالية فوجئت بالأديب يوسف زيدان وهو من مريدي ابن عربي، يظهر في حلقة على إحدى القنوات الفضائية وينكر خلالها أن يكون النبي صلي الله عليه وسلم قد أسري به إليه، وهو أمر تحدث فيه الكثيرون من قبله من تلاميذ المستشرقين وهواة القاء الشبهات على السنة المطهرة للتلبيس علي المسلمين وخاصة البسطاء منهم، رغم أن كفار قريش- رغم كفرهم وعنادهم- حينما عرضت عليهم القضية، اقتنعوا بها ولم يستطع أحد منهم انكارها امام الحجج والبراهين التي ساقها النبي صلي الله عليه وسلم وقتها، لكن يبدو أن هذه الردود ونصوص الوحي لم تكن كافية لبعض المثقفين المسلمين بعد مرور اكثر من 1400 سنة على وقوعها.
نأتي إلى ادلة انكار وقوعها وهي تتلخص لديهم في محورين، الأول وهو أن المسجد الأقصى موجود في منطقة الجعرانة بمكة المكرمة، والمحور الآخر وهو أن المسجد الأقصى- حسب زعمهم- قد بُني في عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان، أي لم يكن موجودا في عهد النبي صلي الله عليه وسلم.
وعليه نقول: إن الاستناد إلى وجود مسجد يحمل اسم المسجد الأقصى في الجعرانة بمكة- رغم عدم إنكار أحد لهذا- لا يمكن أن يكون دليلا وحده عليى نفي الرحلة المباركة، وتعمد اجتزاء النصوص من كتب التراث حول اسم المسجد ومكانه وتاريخه بصورة توحي بعدم وجود مسجد غيره يحمل هذا الاسم وتنفي وجود المسجد الأقصى بالأرض المقدسة في فلسطين، هو جريمة لا تقل عن جرم وشبهات الجماعات التكفيرية والإرهابية التي تمارس الأفعال نفسها مع نصوص الشرع حتى تعطي لنفسها الشرعية لارتكاب آثامها.
ثم اعتبار أن رحلة الإسراء كانت لهذا المسجد الموجود في مكة دليل لا يثبت أمام العقل الصريح، وإلا لما اعترض مشركو مكة على النبي حينما أخبرهم برحلته لإمكانية حدوث ذلك للجميع، فما بالك بورود الأدلة الشرعية الصحيحة من الكتاب والسنة للتأكيد أن المسجد المقصود هو الموجود في الأراضي المقدسة بفلسطين وليس هو الموجود في ارض الجعرانة كما زعموا.
أما عن المحور الآخر الذي استندت إليه الشبهة التي تخدم الصهاينة وهي أن المسجد الأقصى بني في عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان، فهي تعكس أيضا جهلا او تعمدا مغرضا لتضليل المسلمين عن تاريخهم وإبعادهم عن معتقداتهم الدينية الصحيحة لأن المعروف إن عبدالملك بن مروان لم يبن المسجد الأقصى لكنه بني قبة الصخرة على الصخرة التي أعرج بالنبي صلي الله عليه وسلم منها، وبدأ بناءها عام 66 هـ وتم الانتهاء منها عام 72 هـ.
فمن إذن الذي بني المسجد الأقصى؟
الثابت في جميع المصادر التاريخية أن بناء المسجد الأقصى يرجع إلى ابعد من عهد نبي الله ابراهيم عليه السلام الذي قدم القدس وأقام فيها، لنبدأ بقصة الأقصي من الكتاب المقدس عند النصارى:
10أَمَّا يَعْقُوبُ فَتَوَجَّهَ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ نَحْوَ حَارَانَ، 11فَصَادَفَ مَوْضِعاً قَضَى فِيهِ لَيْلَتَهُ لأَنَّ الشَّمْسَ كَانَتْ قَدْ غَابَتْ، فَأَخَذَ بَعْضَ حِجَارَةِ الْمَوْضِعِ وَتَوَسَّدَهَا وَبَاتَ هُنَاكَ. 12وَرَأَى حُلْماً شَاهَدَ فِيهِ سُلَّماً قَائِمَةً عَلَى الأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ، وَمَلاَئِكَةُ اللهِ تَصْعَدُ وَتَنْزِلُ عَلَيْهَا.... 18ثُمَّ بَكَّرَ يَعْقُوبُ فِي الصَّبَاحِ، وَأَخَذَ الْحَجَرَ الَّذِي تَوَسَّدَهُ وَنَصَبَهُ عَمُوداً وَصَبَّ عَلَيْهِ زَيْتاً، 19وَدَعَا الْمَكَانَ «بَيْتَ إِيلَ» (وَمَعْنَاهُ: بَيْتُ اللهِ) وَكَانَ اسْمُ الْمَدِينَةِ أَوَّلاً «لُوزَ»20 ...سفر التكوين 19/10: 22
راجع رقم 20: "ودعا المكان "بيت إيل" وهو بيت الله الذي اتفق جميع الباحثين من المسلمين والنصارى واليهود على انه ذلك المكان المقدس من ارض فلسطين ولكن الاختلاف في المسمي حيث يحاول الصهاينة نسبته الي هيكل سليمان وهو موضع المسجد الاقصي.
هذا عن الكتاب المقدس، أما عن القرآن الكريم فيقول تبارك وتعالي :
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (17 الإسراء)
يقول ابن كثير:
قال الحافظ السهيلي: قوله عزَّ وجلَّ (إلى المسجد الأقصى): يعني بيت المقدس، وهو إيليا، ومعنى إيليا- بيت اللّه- ( وباركنا حوله) - يعني الشام- والشام بالسريانية: الطيب، فسميت بذلك لطيبها وخصبها، (تفسير القرآن العظيم)
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام»، قال: قلت: ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى»، قال: كم كان بينهما؟ قال: «أربعون سنة ثم أينما أدركت الصلاة بعد فصله، فإن الفضل فيه».
صحيح البخاري
ألا ترى هذا الاتفاق بل والتطابق في تحديد المكان سواء كان ذلك في الكتاب المقدس او في القرآن الكريم والسنة النبوية.. سبحان الله كيف ينكرون إذن وعلي اي سند يستندون؟!
ومن الناحية التاريخية فالثابت أن المسجد الحرام والمسجد الأقصى قد تعرضا للعديد من المراحل الطبيعية والسياسية من ناحية البناء ويمكن الرجوع في ذلك الى تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير وغيرهما، ما لا يتسع المقام لذكره.
اذن فقد اتفقت الادلة العقلية والتاريخية علي ان بناء المسجد الأقصي يسبق ميلاد النبي صلي الله عليه وسلم، كما أغلق الوحي الشريف الجدل حول هذه القضية التي لا يصدقها كثير من الروحانيين الجدد الذين يتصدرون المشهد الإعلامي والثقافي منذ عقود، والغريب في الأمر أنهم مع إنكارهم لنصوص الوحي يقدسون تخاريف مولاهم ومعلمهم الأول ابن عربي، بحجة أنه منبع العلوم والمعرفة العقلية والروحية وهو ما سنتحدث عنه في الجزء الثاني من المقالة ورحلاته الخرافية إلى ارض السمسمة المزعومة..
.. فانتظرونا.